الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اقتصاد أميركا الخفي... بين الخطورة والأهمية!

اقتصاد أميركا الخفي... بين الخطورة والأهمية!
17 نوفمبر 2009 00:20
كانت هناك ورقة بيضاء ملصقة على جدار كنيسة تقع في حي "هارلم" بنيويورك، كتب عليها سطر واحد يعلن عن استعداد شخص يدعى "كارلوس مودانزاس" لتقديم خدمة نقل الأثاث بشاحنته لمن يرغب، تاركا رقم هاتفه. وعند الاتصال بالرقم رد صوت رجل يعرب عن استعداده لتقديم خدمة نقل الأثاث، ويقول إن تلك وسيلة يلجأ إليها لزيادة دخله، وعند سؤاله عما إذا كان هذا يقوم بهذا العمل رسميا وبأنه يدفع ضرائب عنه، سارع بإغلاق الهاتف. وتعقب الاقتصاد الخفي في أميركا أمر معقد للغاية، بل ويكاد يكون مستحيلا، بيد أن الأمر المؤكد هو أنه اقتصاد ضخم الحجم يفوق حجمه حجم اقتصادات الكثير من الدول؛ ونتيجة لظروف الركود الاقتصادي في أميركا فإن هذا الاقتصاد قد ازداد نموا. البعض ينظر إلى هذا النمو في الاقتصاد الخفي أو غير الرسمي على أنه دليل على ازدهار روح المبادرة الفردية بين القطاعات الفقيرة في الولايات المتحدة، في حين ينظر إليه البعض الآخر على أنه يشكل عبئا على المشروعات التجارية الشرعية التي تلتزم بالقوانين المعمول بها، وتدفع ما يُستحق عليها من ضرائب. أما هنا في شارع "مالكولم إكس" في هارلم، فتستطيع العثور على نماذج للشيئين أي على نماذج لمشروعات اقتصاد خفي تدل على تنامي المبادرة الفردية، وأخرى تدل على أنها تشكل عبئا على الاقتصاد الشرعي؛ وربما أن أكبر مفاجأة تتعلق بالاقتصاد الخفي الأميركي هي حجمه؛ فذلك النوع من الاقتصاد الذي ارتبط طويلا في الذاكرة بمنصات الباعة الجائلين الملونة في معظم دول العالم الثالث، والذي يشكل قطاعا كبيرا من اقتصادات بعض الدول، يزيد حجمه في اليونان بنسبة (25 في المائة) وفي موزامبيق بنسبة (40 في المائة) عن حجمه في الولايات المتحدة. ولكن نظرا لحقيقة أن الاقتصاد الأميركي أكبر حجما بما لا يقاس من اقتصاد الدولتين، فإن حجمه في أميركا يصل إلى 8 في المائة من ناتجها القومي الإجمالي؛ ويقدر "فريدريتش شنايدر" -استاذ الاقتصاد بجامعة "جوهانيس كيبلر" في لنز ـ استراليا حجم الاقتصاد الأميركي بتريليون دولار وهو ما يفوق الناتج القومي الإجمالي لدولة مثل تركيا أو مثل أستراليا. وفي الحقيقة أنه ليس هناك شيء يدعو للتشاؤم فيما يتعلق بالاقتصاد الخفي ـ على الأقل ذلك الذي يقيسه البروفيسور شنايدر؛ فهذا الاقتصاد لا يشمل أنشطة غير مشروعة مثل تهريب المخدرات والممنوعات، وإنما يشمل أنشطة مشروعة، ولكنها إما لا يتم دفع ضرائب عنها، أو تخالف شروط وقواعد قوانين العمل؛ والمفارقة أنه في الوقت الذي يؤدي فيه الركود السائد إلى تقلص الاقتصاد الرسمي فإنه يؤدي أيضا إلى ازدهار الاقتصاد غير الرسمي. يفسر "شنايدر" هذه الظاهرة بقوله:" لقد أصبح الناس أقل قدرة على كسب المال في الاقتصاد الرسمي ولذلك يلجؤون إلى العمل في الاقتصاد الخفي أو غير الرسمي، وهو ما يؤدي لازدهاره، وأتوقع أن ينمو هذا العام بنسبة خمسة في المائة سنويا على الأقل". ويؤكد "روبرت فيرلي" استاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا بسانتا كروز هذا الرأي بقوله: "على ما يبدو فإنه عندما يضرب الركود الاقتصاد، فإن ذلك يدفع العديد من الناس إلى اللجوء إلى ما يمكن أن نصفه باقتصاد الضرورة". وتقول "كارولينا فالينشيا" -المديرة المساعدة للأبحاث في مركز "سوشيال كومباكت" غير الربحي بواشنطن-: "إن الاقتصاد غير الرسمي يمثل شبكة أمان للفقراء، ذلك أنه من المفهوم أن الذي يلجأ للعمل في هذا الاقتصاد هم إما من الطبقات الاجتماعية الأميركية الأقل دخلا، أو المهاجرين الذين لا يجدون عملا مناسبا". ويقدر"سوشيال كومباكت" أن 10 في المئة من النشاط الاقتصادي في منطقة "هارلم" ينتمي إلى فئة النشاط الخفي غير الرسمي؛ وتقول مصادر مكتب الولايات المتحدة للتحليل الاقتصادي، إن الاقتصاد الخفي أو غير الرسمي يتوزع على عدد هائل من الأنشطة المتفرقة لدرجة جعلت المكتب يرى أنه ليس من الضروري أن يخصص جزء لمحاولة حصر جوانب هذا الاقتصاد. وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة جهودها من أجل تقصي واقتفاء أثر الأنشطة التجارية المتهربة من الضرائب، وهي أنشطة رجال الأعمال الأميركيين في الخارج، فإنه ليس هناك من المؤشرات ما يدل على أن شن حملة على الاقتصاد الخفي هو ضمن الأجندة الأميركية في أي وقت خلال المستقبل القريب. ويرجع ذلك من ناحية أن هذه الحملة تمثل مهمة شاقة للغاية، حيث ستضطر أجهزة الرقابة الضريبية والعوائد الداخلية في إطارها إلى تتبع ومطاردة الآلاف من صغار الباعة الذين لا يستقرون في مكان واحد، من أجل تحصيل ضرائب على أنشطتهم لن تزيد حسب بعض التقديرات عن 100 مليون دولار سنويا وهو مبلغ يمكن للولايات المتحدة تحصيله من متابعة نشاط بعض رجال الأعمال والمليونيرات المتهربين الذين يديرون أنشطة بالخارج. ومن جانب آخر فإن الحملة على ذلك الاقتصاد سوف تؤدي إلى ضموره مما يؤثر بالسلب على مصائر أعداد كبيرة من الأميركيين الذين سيعانون عندئذ من البطالة. ويرى "الفونسو موراليس" -خبير التخطيط الإقليمي والحضري بجامعة ويسكونسن في ماديسون- أن الاقتصادين الرسمي وغير الرسمي مرتبطان ولا يمكن فصلهما بالكامل. ويقول أيضا: إن الناس الذين يحققون أرباحا من أنشطة خفية أو غير رسمية غالبا ما ينفقونها على أشياء منتجة داخل الاقتصاد الرسمي". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: نيويورك
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©