الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سجال حول زيارة القدس

15 ابريل 2012
فوجئت بعنف السجال اللفظي على إحدى شاشات الفضائيات المصرية بين الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري وأحد الإعلاميين. وتبين من الحوار الصدامي أن الداعية قد قام بزيارة إلى القدس، وقام بالصلاة في المسجد الأقصى قاصداً دعم أهالي القدس الذين يتعرضون لضغوط صهيونية شديدة تستهدف إجلاءهم عن المدينة، وبالتالي إبعادهم عن الاحتشاد في المسجد الأقصى عند تعرضه لهجمات يهودية تستهدف إزالته. شرح الداعية موقفه وقصده مبيناً أنه لا يرى مانعاً شرعياً يحول دون هذه الزيارة، ويرى فيها دعماً معنوياً. ظهر على الشاشة اسم وصوت وزير الأوقاف الفلسطيني، الذي أبدى شكره وتقديره للداعية، وطالب المسلمين بالزيارة لأنها زاد للسجين، وفيها دعم اقتصادي ونفسي وليست تطبيعاً مع السجان. على الناحية الأخرى اعتبر الإعلامي المعارض للزيارة أنها تؤدي دوراً سلبياً فهي تدخل في باب التطبيع لضرورة الحصول على تأشيرة دخول من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وذهب إلى القول إن الزيارة تكرس الاحتلال، وتسمح لإسرائيل المحتلة بالادعاء أنها دولة تسامح ديني. لم تكن هذه حالة الصدام الوحيدة التي وقعت الأسبوع الماضي، فقد سبقتها حالة صدام بين وفود من الأقباط انتهزوا فرصة وفاة البابا شنودة، وقرروا زيارة كنيسة القيامة في رحلات جماعية، مما استدعى الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس في الكنيسة القبطية أن يخرج للتأكيد على أن قرار منع الأقباط من زيارة القدس مازال قائماً لأنه صادر من المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة، مشيراً إلى أن المجمع لم يصدر أي قرار مخالف. لقد كتبت هنا في شهر مارس تحت عنوان "إنقاذ القدس وتقسيم العمل" أبين أن موقفي الذي التزم به هو الامتناع عن الزيارة لحرمان إسرائيل من التطبيع، غير أنني في ذات الوقت أدرك المشكلات الضاغطة التي يعانيها إخواننا في القدس تحت ضربات جماعات أنصار الهيكل الهادفة إلى تدمير المسجد الأقصى وتحت أشكال الحرمان الاقتصادي والإنساني، التي تفرضها عليهم الحكومات الإسرائيلية اليمينية واليسارية منذ سقوط المدينة تحت الاحتلال عام 1967. لقد وجهت نداء للقمة العربية التي انعقدت في بغداد بأن تصارح الشعب العربي حول ما إذا كان في قدرتها ايصال الدعم السياسي العربي إلى أهل القدس المرابطين أم لا حتى يمكننا في حالة وجود عقبات أن نلجأ إلى مبدأ تقسيم العمل. في مقدور الشعب إنشاء جمعيات أهلية هدفها إنقاذ القدس بتوفير المدد المالي بطرق متعددة منها، الرحلات ذات الرسالة المحددة بالإنفاق في المحال الفلسطينية، وتقديم المؤازرة والاستماع إلى الشكاوى لتكوين صورة ميدانية دقيقة عبر الوضع في المدينة. إنني مازلت أنتظر بياناً واضحاً من جانب السلطة الفلسطينية يطلعنا على الوضع العملي الذي انتهت إليه القمة حول سبل الدعم الفعلي لأهل القدس، وإلى أن تنجلي الأمور فإنني أعتقد أن السجال سيظل محتدماً بين أنصار الزيارة ومعارضيها. لقد تفجر هذا السجال بمناسبة دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس العرب والمسلمين إلى مساندة المقدسيين بالزيارات استناداً إلى فكرة دعم السجين، وهو ما قوبل من الشيخ القرضاوي بفتوى دينية تحرم الزيارة على غير الفلسطينيين. الواضح الآن بعد زيارة الداعية الشيخ الجفري، أننا أمام خلاف فقهي بين علماء الدين، حيث ينطبق القول المعروف "خلاف الفقهاء رحمة" بمعنى أنه يترك مساحة من حرية الاختيار بين الرأيين المتعارضين فقهياً. إذن نحن أمام سجال من مستويين الأول سياسي بين فكرة نصرة السجين بالزيارة وفكرة اعتبار الزيارة مرفوضة لكونها تطبيعاً، والثاني المستوى الديني بين الحرام والحلال. في ضوء هذا الخلاف المزدوج يصبح الطرح الصحيح للموضوع متعلقاً بالفائدة الفعلية والمصلحة العملية، التي يمكن أن تحققها فكرة الزيارة أو فكرة رفضها. لقد أظهر الشيخ الجفري من خلال تجربته أن المقدسيين قد شعروا بالتشجيع، والتفوا حوله في المسجد الأقصى واعدين بأنهم سيظلون مرابطين مهما كانت التضحيات، وهو أمر يكتسب قيمته من غياب الدعم الرسمي. أما إذا ظهر أن القمة قد اعتمدت وسائل فعالة تغني الغيورين والقلقين على مستقبل الأقصى عن تجشم عبء الزيارة في ظل الاحتلال، فإننا سنقول حينها مع الرافضين إذا حضر الماء- وهو الدعم الرسمي- بطل التيمم وهو الزيارة الشخصية. د. إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية - جامعة عين شمس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©