أينما تذهب تجد نفسك مرغماً على شراء ما ?يفوق ?احتياجاتك ?الضرورية ?بكثير، ?فالعديد ?من ?الشركات ?التجارية ?أصبح ?يتقن ?فنون ?تحفيز ?المستهلك ?على ?الشراء، ?بينما ?أصبح ?الكثير ?من ?الإعلانات ?الترويجية ?قائماً ?على ?تقديم ?السلعة ?في ?إطار ?من ?المبالغة، ?كل ?ذلك ?ليوجد ?عند ?جمهور ?المستهلكين ?قناعة ?بحاجتهم ?إلى ?مواد ?استهلاكية ?لا ?يحتاجونها ?فعلياً.
ويتجلى ذلك بوضوح في إعلانات العروض «الرمضانية» التي تشمل جميع أنواع السلع والخدمات الاستهلاكية، ويتم الترويج لها بشتى الطرق والوسائل والقنوات، حتى ترسّخ في أذهان المستهلكين صورة عن شهر رمضان على أنه موسم للتسوق والإقبال المحموم على الشراء.
وبذلك يتحوّل الإنفاق الاستهلاكي خلال هذا الشهر الفضيل إلى نقيضه تماماً فيحل الإسراف محل الترشيد، وإهدار الموارد محل تقنين استخدامها.
وبسبب التغير المفاجئ والملحوظ الذي يطرأ على النمط الاستهلاكي خلال شهر رمضان من كل عام، يحرص مركز الإحصاء-أبوظبي على مراقبة تطورات أسعار السلع الغذائية في الأسواق المحلية، وإصدار تقرير أسبوعي لمؤشر السلع الرمضانية، حيث ارتفعت نسبة الإنفاق على الغذاء في شهر رمضان بإمارة أبوظبي إلى 13.8% من 12.4% للمتوسط من مجمل الإنفاق العام للقطاع الأسري في إمارة أبوظبي. وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر رمضان، شهدت أسعار معظم المواد الغذائية ارتفاعات مستمرة وبنسب متفاوتة تجاوزت 10% لبعض المجموعات، بالمقارنة مع الشهر السابق لشهر رمضان، وهذه النسبة تعد مرتفعة جدّاً باعتبار قصر فترة المقارنة.
إن ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية في شهر رمضان لا يتوقّف عند المواد الغذائية وحدها، بل يشمل جميع السلع والمواد الاستهلاكية الأخرى، وبذلك فإن أنماط السلوك الاستهلاكي غير المرشّد في شهر رمضان وفي غيره، لها آثارها السلبية على معدلات التضخم وقيمة الواردات. وبحسب بيانات التجارة الخارجية لعام 2016، شكلت السلع الاستهلاكية النهائية والسلع الوسيطة ما يزيد على 83% من إجمالي الواردات السلعية عبر منافذ إمارة أبوظبي، بالمقارنة مع أقل من 17% نصيب السلع الرأسمالية من إجمالي الواردات.
إن المؤشرات السلبية التي يفرزها النمط الاستهلاكي غير المرشّد تتطلب تحركات جادة على جميع المستويات لتعميق الوعي بثقافة الحماية الذاتية للمستهلك وتغيير عاداته الاستهلاكية، في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، حتى تتكامل عمليتا الإنتاج والاستهلاك إحداهما مع الأخرى، حيث لا مجال للفصل بين المحورين الاستهلاكي والإنتاجي لدولة تريد أن تسيطر على حاضرها وتبني? ?مستقبلها.
ولتعزيز هذا التوجه، بادر مركز الإحصاء-أبوظبي بإطلاق تطبيق إحصائي ذكي بعنوان «سلتنا»، يهدف إلى تعزيز الوعي الاستهلاكي لدى الجمهور، خاصة في شهر رمضان، حيث يستطيع المستهلك من خلال هذا التطبيق متابعة أسعار السلع الاستهلاكية وتطوراتها في أسواق إمارة أبوظبي، بحسب المناطق الجغرافية.
وبذلك فإن هذا التطبيق الذكي يساعد المستهلك على ترشيد إنفاقه وتغيير ثقافة استهلاكه، إذ إن القوانين واللوائح والإجراءات التي تتخذها الجهات المعنية بحماية المستهلك قد لا يكون لها الأثر الإيجابي الواضح من دون العمل على إيجاد ثقافة استهلاكية واعية تشجع المستهلك وتعينه على حماية نفسه بنفسه.
مدير عام مركز الإحصاء - أبوظبي
عدد اليوم
