الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لأيدولوجيا والإبهار الفني في ثوب سينمائي

لأيدولوجيا والإبهار الفني في ثوب سينمائي
12 يناير 2012
مثَّل الفيلم الصيني La Fondation d’une République تأسيس جمهوريّة حدثا فنيا كبيرا؛ إذ أنّه اضخم فيلم صيني تمّ إنجازه خلال الستين عاما الماضية؛ فهو يصوّر الصراع بين ماوتسي تونغ وتشانغ كي تشاك. ويمكن تصنيف الفيلم بأنه شريط دعائي ولكن انجازه الفني كان متقنا مما ساعد على نجاحه الجماهيري أثناء عرضه لأول مرة أو هذه الايام حيث يعاد عرضه في عدة دور خارج الصين. ومن المعلوم لدى الجميع أن سينما الدعاية في الصين لها تقاليد عريقة، وهي مدعومة من الدّولة ومن الحزب الشيوعي الصيني بالذات. وقد برزت في الأعوام الأخيرة أفلام تاريخيّة ضخمة تمجد تاريخ الصين العريق، وهي أقرب إلى الملاحم في شكلها وفحواها؛ فهي تبرز شجاعة البطل الواحد، ولكن هذا الفيلم الأخير”تأسيس الجمهورية” جاء مختلفاً ومتفرداً لضخامة انتاجه وعناصر الابهار الكثيرة فيه؛ ولذلك فقد لاقى الشّريط نجاحاً منقطع النّظير اينما عرض في الصين وخارجها. صراع الاشقاء يغطي الفيلم الفترة الممتدة بين 1941/ 1949 مبرزا الصراع الذي اشتد وقتها بينما يسمون انفسهم بـ “الوطنيين” وبين الشيوعيين للاستحواذ على السلطة، ويتخلل الشريط وثائق بالاسود والابيض. ويظهر الشيوعيون في الفيلم اقوياء نزهاء يدافعون عن قيم الحق والعدل في حين يظهر من يطلق عليهم بـ “الوطنيين” كأثرياء مرفهين مما يؤكد ان الفيلم موجّه في فحواه ويحمل أيديولوجية الدولة والحزب. من جهة أخرى فإن الفيلم يظهر اليابانيين كشعب لا يرحم، وأن الجنود اليابانيين قد نكلوا بالصينيين. ورغم ان هذه حقيقة تاريخية إلا أن التركيز عليها وتكرار المشاهد والمواقف المبرزة لها كانت تحمل إلحاحاً على هذا الجانب وهو إلحاح تتعمد الصين التذكير به في كل مناسبة. ويقول من يشاهد برامج التلفزيون الصيني في لغته الأصلية أن مسألة إثارة بطش اليابانيين بالصينيين في فترة تاريخية سابقة حاضرة تقريباً كل يوم، وهو ما يعني أنها هاجس وطني وحزبي دائم ينعكس أحياناً حتى على العلاقات الصينية اليابانية الحالية. رسمي لكن مبهر ورغم أنّه فيلم “رسمي” في فحواه وانتاجه إلاّ أنّ عنصر الإبهار فيه وضخامة الإنتاج ومشاركة كلّ كبار النّجوم الصّينين فيه - سواء المقيمين منهم داخل الصين او حتى المقيمين في الخارج- صنع منه الفيلم الحدث، ثم هناك اجماع بأنه فيلم يثير الحماسة ويغذّي الانتماء والوطنيّة لدى الصينيين. وقد شارك في الفيلم 176 من اشهر الممثلين والممثلات الصينيات ومنهن نجمات وكلهم شاركوا تطوعا مما خفض ميزانية انجاز هذا الفيلم الضخم الى عشرة ملايين دولار فقط وهو ما يعد أمراً استثنائياً بالنظر إلى ضخامة الانتاج. ومنذ خروج الفيلم وعرضه في القاعات على الجمهور وهو يلاقي إقبالاً كبيراً حتى إنه في الأيام الثلاثة الأولى فقط من عرضه حقق مداخيل مالية خيالية تقدر بـ 55 مليون يورو، وهناك اجماع على اعتبار هذا الفيلم أهم وأنجح فيلم صيني على الإطلاق إلى حد يومنا هذا. ومما زاد في رونق الفيلم وإبهاره، حسب النقاد، مشاركة الجيش الصيني في الكثير من اللوحات الاستعراضية الخلابة مع ادخال الموسيقى والأناشيد الحماسية وابراز الأبطال في ثياب قشيبة وأهمهم ماو تسي تونغ الذي يقدمه الفيلم كقائد فذ وأب حنون عطوف على أبناء شعبه. ويظهر ماو في الشريط كرجل حكيم ويمتلك خصلة العفو على أعداء الأمس عند المقدرة. وهي الرسالة السياسية التي تضمنها الفيلم والتي أراد السياسيون في الصين نقلها الى الشباب الصيني. تجدر الاشارة إنّ ثمن تذكرة الدخول الى قاعات السينما في الصين تتراوح بين 10 و15 يورو، أي أنّه ثمن باهظ نسبياً، ويوجد في الصين 5 آلاف قاعة سينما وتشير دراسات اجتماعية إلى أن المواطن الصيني عموماً يبحث عن الترفيه عندما يدفع ثمن تذكرة لدخول احدى قاعات السينما، واليوم وحسب تقاريرموثوقة فإنّ الصين بها أكبر أستوديوهات التّمثيل السينمائيّ في العالم وهي تنتج أفلاماً ضخمة، ورغم أنّ الصين أصبحت في الاعوام الاخيرة تسمح بعرض أفلام أميركية إلا أنّه في مواسم الإجازات والأعياد الّتي يزداد فيها الإقبال على قاعات السينما فإنّه يعرض فقط الأفلام الصينيّة ويتمّ حجب الأفلام الأجنبيّة. والمؤكد أن فيلم تأسيس جمهورية حقق المعادلة الصعبة بين الفيلم التجاري الترفيهي والفيلم الذي يحمل مضموناً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©