الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين لأوباما... نحن قوة كبيرة شديدة الضعف

الصين لأوباما... نحن قوة كبيرة شديدة الضعف
17 نوفمبر 2009 23:45
بينما ينشغل الرئيس أوباما بحزمة المعضلات الدولية التي يتعين على إدارته التصدي لها جميعاً في وقت واحد، فهو لا شك يلتفت من حوله ليرى المزيد من الأيدي العالمية التي تمتد لمساعدته؛ ومن الطبيعي أن تكون الصين محل اهتمامه الخاص في البحث عن متعاونين دوليين معه، بحكم كونها دولة صاعدة فتية؛ غير أن الصين شأنها شأن الصبية المراهقة المرتبكة لسرعة نموها وكثرة التغيرات التي تحدث لها، فهي تبدي قلقاً وعدم ارتياح واضحين لتزايد اهتمام واشنطن بها، خاصة وأنها لم تعتد على مثل هذا الاهتمام الأميركي بها من قبل. وعلى إثر وصول الرئيس أوباما إلى بكين يوم الأحد الماضي -في زيارة تستغرق ثلاثة أيام- فإن المتوقع أن تكون المسألة الرئيسية التي تشغله هناك هي الوقوف على مدى قدرة الصين واستعدادها لأداء دورها بصفتها شريكاً ولاعباً دولياً رئيسياً، على حد قول "ديفيد شامبو" -رئيس برنامج السياسات الصينية بجامعة جورج واشنطن- الذي أضاف معلقاً على تردد الصين إزاء اتخاذ هذه الخطوة حتى الآن؛ هذا ما أكده "جن كانرونج" -نائب رئيس كلية الدراسات الدولية بجامعة رنمين في بكين- بقوله: القادة الصينيون ليسوا مستعدين بعد لتحمل هذه المسؤولية الكبيرة؛ فلا يزال الوقت مبكراً جداً لتحملها من قبل قادة لا يزالون متوترين بعض الشيء. وتعد المحادثات التي يجريها أوباما مع نظيره الصيني "هوجينتاو" الأولى من نوعها التي يديرها رئيس أميركي زائر للصين حول قضايا ليس محورها الرئيسي العلاقات الثنائية التقليدية التي تربط بين الدولتين، إنما مناقشة القضايا الدولية التي تركز على التغير المناخي، الركود الاقتصادي العالمي، وحظر الانتشار النووي؛ وتبدو الأهمية التي يعطيها أوباما للتعاون مع الصين على هذه القضايا الدولية الأوسع نطاقاً واضحة جداً. فقد ورد في خطاب ألقاه في شهر يوليو المنصرم قوله: "سوف تشكل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين القرن الحادي والعشرين كله؛ وهذا ما يعطي علاقة واشنطن ببكين الأهمية التي تحظى بها أي علاقات ثنائية بين بقية دول العالم". بيد أن هناك خلافات كبيرة بين الدولتين حول عدد من القضايا الرئيسية؛ فعلى سبيل المثال، دعت واشنطن بكين منذ وقت طويل إلى تحديد سقف ملزم لانبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون، مع العلم أن الصين تعد أكبر مصدر لهذه الانبعاثات الآن؛ غير أن بكين رفضت الاستجابة لذلك النداء بدعوى أن نموها الاقتصادي لا يسمح لها بتحديد سقف كهذا؛ كما دفعت بكين بالقول إنها فعلت سلفاً ما يفوق الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية في الحد من انبعاثاتها من غازات بيت الزجاج المسببة للاحتباس الحراري؛ وبسبب هذه الخلافات الكبيرة، فإن قلة من المراقبين فحسب، تتوقع إحراز تقدم بين أوباما وهوجينتاو في هذه القضايا، مع ترجيح اتفاق الطرفين على تنفيذ برامج مشتركة تهدف إلى تطوير مشروعات مصادر الطاقة المتجددة بينهما. أما في المجال الاقتصادي، فقد عمل مسؤولون أميركيون كبار على رسم خريطة طريق عودة الاقتصاد الأميركي للازدهار مجدداً، قوامها زيادة الصادرات الأميركية مقابل خفض معدلات الاستهلاك؛ وتعني خريطة الطريق هذه أنه لم يعد ممكناً للصين الاعتماد على نمطها الاقتصادي التقليدي القائم على النمو المدفوع بقوة الصادرات. وفيما يتصل بإيران وقضايا حظر الانتشار النووي. فالمعروف عن الصين أنها ظلت تستغل مقعدها في مجلس الأمن الدولي لإحباط الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة لفرض المزيد من العقوبات على طهران فيما لو أصرت على مواصلة العمل على برامجها النووية العسكرية المزعومة؛ لكن وعلى رغم ذلك، فإن من رأي "يان خيتونج" -رئيس قسم دراسات الشؤون الدولية بجامعة تسينجوا الصينية- أن النزاعات كثيراً ما تبذر بذور التعاون بين الدول. وربما تثمر بذور هذا التعاون المحتمل بقدر أكبر فيما لو حددت بكين أهدافها ومصالحها البعيدة المدى بدقة أكبر، على حد رأي درو تومسون -مدير برنامج الدراسات الصينية بمركز نيكسون بواشنطن- ويرى تومسون أنه ليس في مصلحة بكين البعيدة المدى أن تطور إيران أسلحتها النووية على سبيل المثال؛ إلا إنها ترفض على رغم ذلك الانضمام للإجماع الغربي على ممارسة ضغط دولي موحد على إيران بسبب عنادها النووي. وأوضح تومسون أن نهج السياسات الخارجية الصينية يقوم على التمسك المطلق باحترام السيادة الوطنية للدول وعدم التدخل في شؤونها. بيد أن تحولاً دينامياً جديداً طرأ على العلاقات الدولية الآن، وهو ما يدفع الصين لإدراك حقيقة تقارب مصالحها من مصالح الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى، وهذا ما يتعين على السياسات الصينية أخذه في الاعتبار. وربما يكون في السلوك الصيني الحالي ما يعكس بعض المبادئ الرئيسية التي حددت مسار سياساتها الخارجية خلال العقود الثلاثة الماضية؛ وربما كان أحد أهم هذه المبادئ ما حذر منه الزعيم دينج خياوبنج الرفاق: حذار من أن نظهر قوتنا.. أو أن نسعى لتسلم دفة القيادة العالمية. هذا ويشكو المحللون الصينيون من تضخيم العالم الخارجي لمعدلات نمو اقتصاد بلادهم، على رغم الأرقام الهائلة التي حققها الاقتصاد الصيني، ما جعل منه ثالث أكبر اقتصاد عالمي؛ ويقول هؤلاء إن الاقتصاد الصيني لا يزال يمثل حتى الآن ثلثاً واحداً فحسب من الاقتصاد الأميركي. أما معدل دخل الفرد الصيني فلا يزيد عن ثمن واحد من دخل الفرد الأميركي؛ وهذا ما دفع البروفيسور "جن" إلى القول: نحن لا نزال قوة كبيرة شديدة الضعف وتواجه تحديات داخلية أكثر من أي دولة أخرى. وهذا ما يرجح اهتمام الصين بمشكلاتها الداخلية خلال السنوات الطويلة المقبلة. وعليه فنحن لا نطمح إلا لإقامة علاقات طبيعية مع إدارة أوباما. أما إذا ما طالبتنا الإدارة بما يفوق طاقتنا وحاولت أن تلقي ببعض مسؤولياتها الدولية علينا، فلن تنشأ بيننا حينها سوى التوترات والمعضلات. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: بكين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©