الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اتركوا التراخي.. فقد بلغت التراقي!

20 يونيو 2017 22:23
ما معنى أن يكون الحل هو أن تطرد دولة المأوى والدعم والتمويل الإرهابيين من أرضها؟ ما معنى أن يجد الإرهابيون ملاذاً آمناً آخر غير دولة المأوى المضغوط عليها والمغضوب عليها من أشقائها، أو الذين كانوا أشقاءها قبل أن تجعل هي الدم ماء؟ أنا أفهم وأرجو أن يكون فهمي صحيحاً أن دولة المأوى والدعم والتمويل إذا صدقت نواياها ينبغي أن تسلم الإرهابيين إلى دولهم لتحاكمهم أو تنفذ فيهم أحكامها. أما أن توفر لهم ملاذاً آخر غير أرضها، فهذا يعني أنها ستواصل دعمهم وتمويلهم في الملاذ الجديد. وأن تصبح أموال دعم الإرهاب طائرة بدلاً من أن تكون ماشية على أرض المأوى. نحن هنا فقط نرحل المشكلة أو ننقلها من بلد المأوى إلى بلد مأوى آخر مع استمرار الدعم والتمويل. ومعنى هذا أيضاً أن الدولة التي ترتضي أن تكون ملاذاً آمناً بديلاً متواطئة ومتآمرة مع دولة المأوى الأولى. ومعنى هذا أيضاً أن دولتين سوف تتقاسمان أزمة دعم الإرهاب. إحداهما بالتمويل والأخرى بتوفير الملاذ الآمن البديل. وترحيل الأزمة ليس حلاً، وإنما هو مشكلة أو أزمة أخرى مركبة. وإعلان البراءة من الإرهابيين لا يعني أبداً توفير ملاذ آمن بديل لهم، بل يعني تسليمهم إلى دولهم لمحاكمتهم وإغلاق ملفهم. وهكذا نضمن انقطاع التمويل والدعم. ومأساة العرب على مر العصور هي ترحيل المشاكل والتسويف والتهوين من شأن الأزمات حتى يكبر الورم الخبيث وينتشر في الجسد كله فيزهق النفس وينهي الحياة. وكما يقول المصريون في أمثالهم «نطلع نطلع وننزل على ما فيش»، وهناك آفة عربية مدمرة اسمها الوساطة. والوساطة دائماً تبحث عن حل يرضي جميع الأطراف، ولا يوجد حل في الكون يرضي جميع الأطراف، بل إن الحل الذي يرضي جميع الأطراف مشكلة أكبر. وهو مجرد مسكن يخفف الألم ولا يقضي على المرض. وأخطر الأمراض مرض بلا ألم، إنه يعني قتل الإحساس بالمرض والمشكلة والأزمة. والوساطة تعني أن يقدم طرفاً الأزمة تنازلات متبادلة، ولست أدري ما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمها مقاطعو قطر. هل تعني أن يرضوا بطرد الإرهابيين من الدوحة مع استمرار دعمهم وتمويلهم في الملاذ الجديد؟ هل تعني أن توقع قطر اتفاقاً سرعان ما تتراجع عنه، وأن تعتذر لدول المقاطعة وعفا الله عما سلف؟ لا أرى سبيلاً للوساطة في هذه الأزمة. هل يمكن أن يوافق المقاطعون مثلاً على أن تحاكم قطر على أرضها الإرهابيين الذين وردت أسماؤهم في قائمة الدول الأربع؟ وهل ستكون المحاكمات حقيقية؟ والحق الذي لا حق غيره أن المجتمع الدولي كله - وعلى رأسه القوى الكبرى المهيمنة على الأمم المتحدة- يتعامل مع الإرهاب بتراخ شديد أو برخاوة شديدة، ويتعامل معه بانتقائية ومعايير مزدوجة، فهناك حرب على «داعش» أو «القاعدة»، بينما لا توجد أي حرب ضد مصدر الإرهاب وهم «الإخوان»، وهناك تراخٍ ورخاوة في جانب تسليم الإرهابيين الهاربين إلى دولهم عن طريق الإنتربول الدولي، لأن المجتمع الدولي وما يسمى المنظمات الحقوقية ينظر إلى كثير من الجماعات والتنظيمات الإرهابية على أنها معارضة، لذلك لا يتحرك المجتمع الدولي قيد أنملة إذا قتل الإرهابيون في دولة ما ألف مدني أو ألف رجل شرطة وبضربة واحدة، بينما يقوم المجتمع الدولي الأعرج والكسيح ولا يقعد إذا اعتقلت الدولة، أي دولة، إرهابيين يثيرون الفتن والخراب في ربوع الوطن، ويرى ذلك انتهاكاً لحقوق الإنسان وقمعاً للمعارضة. والحق الآخر الذي لا حق غيره أن الدول العربية نفسها، وربما كلها تعاملت مع الإرهاب بنفس رخاوة وتراخي المجتمع الدولي. فلا إجماع على إرهاب «الحوثيين» و«الإخوان» وحزب«نصر الله» و«حماس» و«النصرة».. وهناك أيضاً نفس سيناريو اعتبار الإرهابيين معارضة، بينما الحق الذي لا ينبغي أن ينكره أحد هو أن من يحمل السلاح ليس معارضاً أبداً وإنما هو إرهابي، ونحن في أمة العرب لدينا مصطلحات ترفع ضغط الدم مثل المعارضة المعتدلة والمعارضة المتشددة والمعارضة السياسية والمعارضة المسلحة. وقد فعلنا ذلك في سوريا عندما دعمنا ما سميناها المعارضة المسلحة، بما يعني أننا ندعم الإرهاب والإرهابيين. وقد لعبت قطر مع إدارة أوباما الأميركية لعبة دعم وتمويل فتن «الخريف العربي» تحت عنوان دعم المعارضة.. وفي الخريف العربي اجتمع المتضادون وتحالف المتناقضون على هدم الأمة كلها فرأينا تحالف قطر وأميركا و«حماس» و«الإخوان» وإيران وتركيا وإسرائيل والليبراليين والملاحدة والشيوعيين. فكان تحالف الشياطين من أجل أن تسقط هذه الأمة. ولم يجمع هؤلاء مبدأ ولا قيمة ولا فضيلة بل جمعهم المال والتربح من المتاجرة بأنقاض أمة العرب بعد هدمها. وبالفعل تحول النظام العربي كله إلى أنقاض ما زال مقاولو الهدم يتاجرون فيها ويتربحون منها. ولم نجد منذ عصف بنا «الخريف العربي» مقاول بناء واحداً، ويبدو أننا لن نجد. وعندما انتفضت دول المقاطعة العربية ضد بنك الإرهاب القطري وجدنا الآن المثبطين والمحبطين والباحثين عن حل يرضي جميع الأطراف. يرضي دول المقاطعة ولا يغضب قطر ومن وراءها. ولم يقل لنا أحد كيف ستكون الوساطة في أزمة كهذه. لقد وقع ما لم نتمنه أبداً، لكنه وقع وقضي الأمر. فهل يمكن أن يعود المقاطعون إلى المربع الأول من أجل نجاح الوساطة؟ وهل يمكن أن تعود قطر إلى أحضان أشقائها دون أن تخفي خنجراً في خاصرتها وهي تحتضنهم؟ وهل يمكن أن يعيد العرب النظر في قواعد اللعبة كلها. ويتعاملون مع الإرهاب كصفقة واحدة بلا تجزئة ولا انتقاء ولا معايير مزدوجة؟ فما يحدث في سوريا إرهاب ضد نظام حكم. وما يحدث في اليمن إرهاب ضد نظام حكم، ولا توجد في الوطن العربي كله معارضة وإنما هي مجموعات إرهابية شاذة تضرب باللسان أو بالقلم أو بالعبوات والأحزمة الناسفة. لا بد أن يسحب العرب جميعهم اعترافهم بما يسمونه المعارضة، فليست في أمتنا معارضة عندها البديل أو المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الآخر. ولكنها شراذم سبابة وشتامة ووقحة وقاتلة ومخربة ومتربحة وتقبض ثمن الإرهاب والخراب تحت عنوان المعارضة والمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والناشطين والمستضعفين في الأرض كما تزعم ثورة الملالي الإيرانية. لا بد أن يلعب العرب بقواعد جديدة ليست فيها انتقائية ولا معايير مزدوجة ولا كيل بمكيالين ولا نفاق سياسي ولا دعم للإرهاب بوصفه معارضة وإيواء إرهابيين يعملون ضد دولهم.. لا بد أن نتخلى عن الرخاوة والتراخي فقد بلغت التراقي! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©