الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قبل أن يصبح الانفصال واقعاً

18 نوفمبر 2009 21:54
السودان يموج بحراك سياسي لم يشهد له مثيلا من قبل حتى بعد ثورة أكتوبر (1964) أو انتفاضة أبريل (1985) وهما الحادثان المنفصلان اللذان أديا الى سقوط الدكتاتورية العسكرية الأولى (انقلاب الجنرالات بقيادة الفريق عبود) والثانية (انقلاب مايو بقيادة العقيد نميرى)، فقد أعقب سقوط كلا الانقلابين إجراء انتخابات ديمقراطية تصورها الناس بداية مرحلة دائمة من نظام حكم ديمقراطي مستقر ومستدام. هذه الأيام السودان مشغول ببداية التسجيل الانتخابي وهذه الخطوة الأولى في مسيرة شاقة لاستعادة الديمقراطية، وإنهاء أحادية الحكم الذي فرضه حزب الجبهة القومية الإسلامية على السودان، وقطعت بذلك مسيرة الديمقراطية السودانية التي كانت هي شريكة فيها، وكان لها فيها قرابة ثلث مقاعد الجمعية "البرلمان". الانتخابات التي يفترض أن تجرى بعد اكتمال عملية تسجيل الناخبين تعني بالنسبة للسودان أمراً مصيريا، فهي أولا إحدى ثمار اتفاقية نيفاشا التي أوقفت حرب الأخوة الأعداء، ووضعت خريطة الطريق الذي يقود في نهايته إلى استعادة الديمقراطية التعددية وتقرير المصير بالنسبة للعلاقة بين الشمال والجنوب؛ وبكل مافي هذه الاتفاقية من مثالب وعيوب وأخطاء تنبه اليها الكثيرون فقد قبلها الطرفان العسكريان (حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية )، فقد وافقت عليها المعارضة السودانية ممثلة بالتجمع الوطني الديمقراطي على مضض، وتحت ضغوط دولية وأخوية عربية وأفريقية. ويعد التسجيل للانتخابات القادمة أول خطوات الطريق في المسار الذي حددته اتفاقية نيفاشا، لذلك فان البلد المشغول بمعركة تسجيل الناخبين الآن يعيش حالة من الحراك السياسي لم تشهد لها البلاد مثيلا من قبل، وحتى في الانتخابات الأولى في تاريخ السودان التي جاءت بالجمعية التأسيسية الأولى (البرلمان). هذا الحراك السياسي فرض نفسه على جميع الأحزاب السودانية ليس سهلا ومعبد الطريق، إذ تحيط به مخاوف عدة وتسوده اتهامات بين المعارضة والسلطة الحاكمة، وتواجه مفوضية الانتخابات القومية -مؤسسة مستقلة ومحايدة بحكم الدستور المؤقت- برئاسة الزعيم القومى "أبل ألير" الضغوط الكثيرة والدعوة بالأصوات العالية لتمديد فترة التسجيل المحدد لها نهاية هذا الشهر نوفمبر، ومفوضية الانتخابات القومية. في وسط هذا الجو المكهرب ارتفعت من جديد أصوات الانفصاليين الجنوبيين والشماليين وأصبح من الممكن القول بموضوعية بان انفصال الجنوب عن الشمال، أقرب الاحتمالات من تحقيق وحدة البلد، وقد وصفت الحركة الشعبية وحزب الأمة القومي علنا بأن الأوضاع التي تمر بها البلاد "جد خطيرة"، وحذرا من انهيار العملية السلمية حال استمر حزب المؤتمر الوطني في التلكؤ في إنفاذ استحقاقات التحول الديمقراطي، وطالبت الحركة الشعبية بإجراء حوار شمالي- شمالي، وتنفيذ إصلاحات جذرية في بنية الدولة، وقالت هنالك شبه مجاعة بالبلاد، وحذر حزب الأمة من حرب سماها قارية قد تطال كل البلاد. مخاوف أهل السودان من وحدويين جنوبيين وشماليين من انفصال الجنوب، لها مبرراتها وأسبابها الموضوعية، فقد أضاعت حكومة الإنقاذ ومعها المجتمع الدولي الفرصة التاريخية لتحويل شعار (الوحدة الجاذبة) الى واقع بتلكؤهما ونقضهما للوعود المنصوص عليها في الاتفاقيات والعهود الدولية والسودانية، وذلك بتنفيذ مشاريع تنمية الجنوب وإعادة تأهيله خلال الفترة الانتقالية، وذلك هو لب وجوهر الشكوى الجنوبية. كما إن الاتهامات المتكررة بنقض الوعود من جانب الشمال، ساعد على ارتفاع الصوت الانفصالي والذي طال حتما الحركة الشعبية التي قال مؤسسها الراحل: إن الحركة الشعبية خاضت أول معاركها العسكرية ضد الانفصاليين التي سفكت فيه دماء عزيزة دفاعا عن وحدة السودان. إن المطلوب اليوم وفيما تبقى من الوقت الثمين جدا، أن يتحرك الأشقاء العرب وبصورة عاجلة وجادة من أجل وحدة السودان واستقرار أحواله، وهكذا فإن المطلوب من الأشقاء العرب أن يكملوا ما قصر وتقاعس عنه المانحون الأجانب، وأن يدفعوا بمشاريع التنمية الجنوبية المتفق عليها حتى يشعر المواطن الجنوبي الذي أصبح نهباً لدعاة الانفصال بقيمة وأهمية الوحدة في حياته ومستقبله. إن الزمن المتبقي على إجراء الاستفتاء وتقرير مصير الجنوب ضيق؛ والسودان يمر بأزمة وجود حقيقية، وفي مثل هذه الأزمات والمواقف تنجلي معاني الأخوة والتضامن العربي، إن تقسيم السودان لا يهدد أمن الشمال وحده، ولكنه يشكل خطراً وتهديدا دائمًا للأمن القومي العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©