الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وثيقة السياسة الخارجية»... وملامح التوجهات الروسية

«وثيقة السياسة الخارجية»... وملامح التوجهات الروسية
22 يونيو 2010 23:15
قبل الزيارة المزمع أن يقوم بها ديمتري ميدفيديف لواشنطن هذا الأسبوع، تسربت وثيقة روسية من وثائق السياسة الخارجية، تجعل الكثيرين من مراقبي الشأن الروسي يتشككون في حقيقة أن الرئيس الروسي يحول بلاده إلى وجهة جديدة أكثر ميلاً للغرب. فالقراءة المتمعنة لهذه الوثيقة ـ 18000ـ كلمة لا تدعم مثل هذا التفكير الرغبوي. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الروسية لم تجادل بشأن صحة هذه الوثيقة، فإنها -والكريملن أيضاً- لم يصدراها بشكل رسمي حتى الآن على العكس من الوثيقة الخاصة بـ"العقيدة العسكرية الروسية"، التي أُصدرت في شهر فبراير. وبخلاف وثيقة السياسة الخارجية المتسربة، لم تُقابل وثيقة "العقيدة العسكرية الروسية" بحرارة في الغرب بسبب نبرتها المناوئة للغرب بشكل واضح. فوفقاً لهذه الوثيقة، فإن التهديدات الثلاثة الأساسية لروسيا هي: توسيع نطاق حلف "الناتو"، والجهد الذي يقوم به للاضطلاع بـ"الوظائف الكونية بالمخالفة لقواعد القانون الدولي"، ونشر قوات أجنبية "أي أميركية" في الدول المجاورة لروسيا، ونشر منظومات الدفاع الصاروخي الاستراتيجي التي ستقوض الأمن الكوني، وتنتهك العلاقات المتبادلة القائمة بين القوى المختلفة في مجال الصواريخ النووية. وثيقة السياسة الخارجية، على النقيض، أكثر تدقيقاً، وأكثر تركيزاً على النواحي الاقتصادية، وتتجاهل إلى حدٍ كبيرٍ، ولكن ليس تماماً، الرطانة القتالية التي تتسم بها الوثائق العسكرية عادة. ولكننا مع ذلك نجد -مرة أخرى- أن القراءة المتمعنة تكشف بوضوح أن أهداف السياسة الخارجية الروسية، تتراصف بشكل يكاد يكون تاماً، مع تلك الواردة في وثيقة العقيدة العسكرية. فعلى سبيل المثال تسعى وثيقة السياسة الخارجية إلى دفع الولايات المتحدة للتخلي عن الأفعال الهادفة لنشر عناصر من نظام دفاع صاروخي في أوروبا، تمتلك القدرة على تقويض قدرات الردع الروسية، والاتجاه بدلاً من ذلك لتشكيل "مجموعة دفاع صاروخي"، تتكون من الدول ذات الاهتمام. تسعى تلك الوثيقة أيضاً إلى تأكيد التعاون مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تتبنى موقفاً إيجابياً تجاه الاتحاد الروسي، ويأتي على رأسها جمهورية ألمانيا الفيدرالية، وفرنسا، وإيطاليا وإسبانيا -على النقيض من أعضاء الاتحاد الأحدث من دول شرق القارة. بشكل عام، تدعم الورقة بوضوح، تأسيس مجال نفوذ روسي، مؤكدة الحاجة لتعزيز "كومنولث الدول المستقلة"، الذي أُسس في الحقبة ما بعد السوفييتية. والعمل على المواجهة الفاعلة للمحاولات التي تقوم بها القوى الواقعة خارج هذه المجموعة، للتدخل في علاقات روسيا مع ذلك الكيان، أوعرقلتها للجهود التي تبذلها من أجل الترويج للغة والثقافة الروسية في تلك الدول. تتحدث الوثيقة أيضاً عن تقديم دعم تكنولوجي متطور للمنطقة المطالبة باستقلالها في "أبخازيا" الواقعة داخل حدود جمهورية جورجيا -ولكنها لا تأتي على أي ذكر لجورجيا ذاتها. ودول لاتفيا، وليتوانيا، واستونيا - بشكل خاص -يجب أن تهتم بالخطط الروسية الرامية لتوسيع وجودها الاقتصادي في منطقة البلطيق نظراً -كما جاء بالوثيقة- لـ"الهبوط الحاد في معدل جاذبية تلك الدول لاستثمارات دول الاتحاد الأوروبي، والتدهور الكبير في قيمة أصولها الوطنية"، ومن الموضوعات المتكررة في الوثيقة موضوع استخدام الأموال الروسية لشراء كل الأصول الحيوية في تلك البلاد في محاولة من موسكو لتعزيز سيطرتها عليها من خلال الاقتصاد. تسعى الوثيقة أيضاً إلى اجتذاب أوكرانيا ورومانيا "إلى مدار التعاون الاقتصادي مع روسيا"، وتدفع في اتجاه تكوين "كونسورتيوم" لإدارة وتطوير نظام نقل الغاز في أوكرانيا وإلى "حصول المستثمرين الروس على حصص متحكمة في المشروعات الأوكرانية الكبرى". أما بالنسبة للولايات المتحدة، فتسعى الوثيقة إلى الحصول على تصديق منها على "اتفاقية التعاون النووي" التي حولها أوباما مؤخراً للكونجرس، وإلى رفع العقوبات المفروضة على المشروعات الروسية، وعلى زيادة التعاون الثنائي بين الدولتين وإلى الحصول على وضعية الدولة الأكثر رعاية. والوثيقة لا تقدم شيئاً في المقابل. فعلى الرغم من أنها تثني على نهج أوباما "التعددي"، فإنها تحذر من "إضعاف" وضعه السياسي في الولايات المتحدة؛ لأن ذلك يمكن أن يفتح الباب لما تصفه الوثيقة بـ"إعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، أي لاتخاذ مواقف وتبني سياسات أقل صداقة ووداً تجاه روسيا. في الوقت نفسه، تدعو الوثيقة إلى التعاون المستمر مع إيران في "طيف عريض من الموضوعات والقضايا" بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة، وإلى تعزيز التعاون العسكري مع المجلس الثوري في ميانمار، وإلى زيادة مبيعات الأسلحة إلى دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. نخلص من كل ما سبق إلى أن هذه الوثيقة الروسية الخاصة بالسياسة الخارجية ليست موالية للغرب على الإطلاق. فوثيقة العقيدة العسكرية المعلنة رسمياً، قد تكون تعبيراً فجاً عن النوايا الروسية، إلا أن وثيقة السياسة الخارجية -غير الرسمية- والأكثر تركيزاً على التفاصيل الدقيقة لا تختلف عنها كثيراً من حيث الجوهر. وخلال زيارة ميدفيديف يجب ألا يخطئ أحد فيفهم أن وثيقة السياسة الخارجية تمثل وجهاً أكثر وداً لروسيا. فروسيا تحت حكم ميدفيديف، تبقى دولة نستطيع أن نقوم ببعض العمل معها، ولكن الفوارق الكبيرة بين مصالحنا وقيمنا ومصالحها وقيمها تبقى واسعة، وهذه حقيقة لا يجب أن نحاول إخفاءها أو التغطية عليها. ديفيد جيه. كرامر نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة للشؤون الأوروبية والأوروآسيوية في إدارة بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©