السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمال الصين... ما وراء الاحتجاجات

22 يونيو 2010 23:20
العمال يثورون في "جمهورية العمال"... في مقاطعات الصين الجنوبية التي احتلت منذ زمن طويل المكانة التي كان يحتلها "الغرب الأوسط" الأميركي، باعتباره "الحزام الصناعي الأول" في العالم، أضرب العمال في عدد كبير من المصانع. ولا يعرف أحد حتى الآن عدد المصانع المهددة بالإغلاق، أو تلك التي توقف العمل فيها بالفعل. ويقول محامٍ أميركي أمضى وقتاً طويلاً في التعامل مع هؤلاء العمال، إن ذلك العدد يقترب من 1000. وسبب تلك الاضطرابات ليس سراً، فصعود الصين إلى التفوق العالمي "كمياً وليس نوعياً" تم على حساب العمال الذين ظلت الحكومة حتى فترة قريبة تقيد أجورهم داخل نطاق معين لتبقي على أسعار الصادرات منخفضة "على نحو اصطناعي". ولم تكن هناك اتحادات تدافع عن حقوق هؤلاء العمال؛ لأن ما يعرف بـ"الاتحاد العام للنقابات التجارية لعموم الصين" (ACFTU)، الذي يسيطر عليه الحزب الشيوعي الصيني الرسمي، ليس اتحاداً حقيقياً يقوم بما تقوم به الاتحادات غالباً في الدول الأخرى؛ لأن العمال لا يختارون قادته الذين يعينون في أغلب الأحوال من بين أعضاء مجلس إدارته. وعلى الرغم من أن الأولوية الأولى تُعد قاعدة حديدية لا سبيل للتهاون بشأنها، فإن الثانية تُعد ظرفية، أي تتوقف على الظروف. فبعد أن تم تأسيس القوة الصناعية الصينية بالفعل، وأقبلت العديد من كبريات الشركات الصناعية والتجارية العالمية على الاستثمار والوجود بقوة في السوق الصيني إلى درجة أصبح معها قيام تلك الشركات بنقل نشاطها إلى مكان آخر ضرباً من الخيال، فإن سياسة تقييد وكبح ارتفاع الأجور التي اعتمد عليها الحزب الشيوعي الصيني، في إطلاق قطاعه الصناعي على المستوى العالمي أصبحت تسبب للحزب في الوقت الراهن من المشكلات ما يفوق تلك التي ساهمت في تذليلها في المقام الأول.. من تلك المشكلات على سبيل المثال، عدم المساواة في الأجور، وهي مشكلة منتشرة على نطاق واسع في الصين.. فالغالبية العظمى من الشباب الصيني الذي نال قدراً أفضل من التعليم، والذي أصبح بالتالي أكثر معرفة بتفاصيل الرخاء الصيني، والمصاب بالإحباط وخيبة الأمل بسبب عدم قدرته على حصد نصيبه المستحق من هذا الرخاء، لم يعد مقتنعاً بالاكتفاء بجني بعض المكاسب الهامشية المتمثلة في انتقاله من القرى إلى المدينة، أواستبداله حياة العمل في الحقل بالعمل في المصانع. فبعد أن أصبح هؤلاء الشبان قادرين على الدخول إلى "الإنترنت"، والاطلاع على ما يتم في هذا العالم، والمكانة البارزة التي أصبح وطنهم يتمتع بها فيه، لم يعد من الممكن إقناعهم بالبقاء في المزرعة أو في المصانع التي تستغل العاملين لديها لساعات طويلة، مقابل أجور زهيدة، لا تسمن ولا تغني من جوع. من هنا، يمكن فهم موجة الاحتجاج المستمرة و"شبه" التأييد الحكومي للعمال المضربين. ففي الأسابيع الأخيرة، وبعد أن أغلقت مصانع "هوندا" ومصانع أخرى، قامت بعض الحكومات الإقليمية برفع أجور العاملين في تلك المصانع، في الوقت الذي تعهد فيه المسؤولون الحكوميون بعلاج الصعوبات العديدة التي يعانيها عشرات الملايين من العمال المهاجرين من المناطق الزراعية إلى المدن. وذهبت الحكومة إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث سمحت لأجهزتها الإعلامية بتغطية أخبار الإضرابات، وهو ما أتاح الفرصة لممثلي العمال للتعبير عن الكثير من شكاواهم. المتابع لما دار في تلك الاحتجاجات والإضرابات، وللطريقة التي تصرفت بها الحكومة، لا بد أن يخرج باستنتاج مؤداه أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يتصرف بطريقة توحي بأنه ليس لديه ما يخشى على فقده جراء تلك الاحتجاجات، وهو ما يمكن تفسيره في الحقيقة من خلال معرفة أن الغالبية العظمى من شكاوى واحتجاجات العمال المضربين، قد انصبت على انخفاض الأجور وظروف العمل السيئة، وهي أمور يعتبر المسؤول عنها في المقام الأول هم أصحاب المصانع من الرأسماليين والشركات الأجنبية، ولم يصرح هؤلاء العمال بأي شيء ينطوي على شبهة تحد لهيمنة الحزب الحاكم على مقدرات حياتهم. وفي معرض التعليق على ذلك، يقول المحامي الأميركي المذكور آنفاً: "هناك بعض المطالب المتعلقة بالاتحادات الخاصة... ولكن معظم العمال الذين قابلتهم، كانوا حريصين على عدم الخروج على قواعد النظام القانوني القائم حالياً في الصين. فهم في الأساس يريدون رفع مستوى أجورهم، ولا يريدون مثلاً التمتع بحرية المشاركة في السجال السياسي في البلاد. فالاتحادات الصينية أو الاتحاد العام المنظم لها تختلف تمام الاختلاف عن منظمة التضامن البولندي التي كانت حركة عمالية لها مطالب سياسية". وقد قابلت الحركات العمالية الحقيقية في مختلف أنحاء العالم أنباء الإضرابات الصينية بنوع من الصمت غير المعهود عنها، على النقيض مثلاً من الدعم المعنوي والمادي الذي قدمته من قبل لمنظمة التضامن. وليس معنى ذلك أن تلك الحركات لم تكن مرحبة بأخبار الإضرابات الصينية، وإنما كل ما هنالك هم أنهم كانوا يخشون أن يؤدي دعمهم العلني لتلك لدفع الحكومة الصينية لرد الفعل التقليدي الذي تلجأ إليه الحكومات القمعية عادة في مثل هذه الحالات، وهو اتهام المشاركين في الإضرابات بأنهم عملاء لقوى خارجية، ثم شن حملة قمع عنيفة ضدهم. شيء شبيه بهذا يحدث في الولايات المتحدة التي تضاءل نفوذ اتحاداتها العمالية كثيراً على مدى الأربعين عاماً الماضية. ربما تكون الشيوعية الصينية مختلفة جد الاختلاف عن الرأسمالية الأميركية حقاً، ولكن الغريب أنه في كلا النظامين قد يؤدي إقدام العمال على المجاهرة برفع أصواتهم إلى عواقب وخيمة. هارولد مايرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©