السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرح الشاعر

مرح الشاعر
18 نوفمبر 2009 22:29
رواج أخبار بشار يعد الظاهرة الأولى في الشعر العربي لكثرة نوادره وغرابة طرائفه، وكلها تتضمن مفارقة واضحة في الموقف قبل التعبير، قول أبو الفرج مثلا: حدثني محمد بن الحجاج قال: جاءنا بشار يوما فقلنا له: مالك مغتما؟ فقال: مات حماري، فرأيته في النوم، فقلت له: لم مت؟ ألم أكن أحسن إليك؟ فقال: “سيدي خذ بي أتانا عند باب الأصبهاني يتمتني ببنان... وبِدِلٍّ شجعاني يتمتني يوم رحنا بثناياها الحسان وبغنج ودلال سل جسمي وبراني ولها خدُّ أسيل مثل حدّ الشيفران فلذا متّ ولو عشت إذن طال هواني” فقلت له: ما الشيفران؟ قال: ما يدريني، هذا من غريب الحمار! فإذا لقيته فاسأله. فانظر لبشار كيف يوجه سخريته لعالم البشر بابتكار هذه الأبيات الغزلية على لسان حماره الذي مات من العشق، وتأمل رده على من سأله عن كلمة مخترعة وكيف أنها من غريب الحمار على وزن أشكال الغريب التي كان يعنى بها العلماء في عصره في مجالات الجدّ واللغة ليغيظهم، وحواره المزعوم مع حماره عن سبب الموت في إشارة ناقدة وجريئة تمس ما هو أشد خطرا في وجدان الناس من اللغة والحب. وقد كان معاصروه يرصدون خلطه بين المستويات، مما يولد الطرافة ويصنع المفارقة، وكما يرد في الموشح للمرزباني من قول ابن عبيد الله بن عمار: بشار أستاذ المحدثين الذين عنه أخذوا، ومن بحره اغترفوا، وأثره اقتفوا، يأتي من الخطأ والإحالة بما يفوت الإحصاء مع براعته في الشعر والخطب (أي النثر)، وقد قيل إنه ينظم الشذرة (من الذهب) ثم يجعل إلى جانبها بعرة، فمن ذلك قوله: وربما زرت أخا ماجدا تشقى بكفيه الدنانير وهذا أجود كلام وأحسن معنى، ثم يتبعه ببيت يقول فيه: فتى يباري كأسُه كفَّه جودا، وبعض الجود خنزير ويقول في تغزله: إنما عظم سليمى خُلَّتي قصب السكر، لا عظم الجمل وإذا أدنيت منها بصلا غلب المسك على ريح البصل وتكمن طرافة البيت الأول في تصويره باعتباره سباقا بين الكأس والكفّ، فهو تمثيل لحالة من السكر والنشوة يفقد بها الكرم معناه، بل يصبح خنزيرا ممقوتا مدنسا، وهذا مما لا يطيقه الذوق العربي، فيتحول إلى هجاء لاذع لمن يملكون المال دون حكمة. وأما الغزل فهو يتظرف فيه باعتبار عظم سليمى خليلته من قبيل قصب السكر الذي يغري بامتصاصه، لا عظم الجمل الصلب العنيف، ثم يتظرف برسم صورة شيقة لها إذا قربت منها بصلا فغلب مسكها ريح البصل، وهو غزل مشوب بقليل من السخرية والفكاهة والاعتماد على الحس المباشر الفظ، مما كان يطبع بشار بهذه الغلظة والخشونة في انتقامه من الأصحاء وتعريضه بمزاياهم المزعومة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©