الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عالم ألماني يهاجم نظرية هنتجتون لأن الثقافات ليست هياكل جامدة

عالم ألماني يهاجم نظرية هنتجتون لأن الثقافات ليست هياكل جامدة
18 نوفمبر 2009 23:06
لم يقتنع كثير من الباحثين والمفكرين بنظرية صامويل هنتجتون وجوهان جالتونج عن الصراع بين الحضارات والثقافات، وراح بعضهم يقدم ما يمكن أن نعده أفكارا بديلة تدحض من الأساس نظرية الصراع والصدام، ومن هؤلاء عالم الاجتماع الألماني دييتر سنغاس الذي ذهب الى أن الصدام لا يكون بين الحضارات والثقافات، بل قد يكون داخل الحضارة والثقافة الواحدة، ودعا إلى ضرورة التفاهم حول الصراعات الثقافية وقدم كتابا بهذا المعنى حمل عنوان “الصدام داخل الحضارات” نقله الى العربية المترجم شوقي جلال وأصدرت مكتبة الأسرة المصرية طبعة خاصة منه. ينتقد سنغاس التعامل مع الثقافات باعتبارها هياكل جامدة أو ابنية مصمته وهو ما يفسر لماذا يجري التعامل في الخطاب الأكاديمي واليومي مع الإسلام ومع الكونفوشية والهندوسية والثقافة الغربية ذاتها باعتبارها حضارات متمايزة ومناطق ثقافية منعزلة يسهل تحديدها وهذا الفهم يغفل سلسلة التصورات المتناقضة داخل كل ثقافة وحضارة ومن هنا يصبح الإسلام اي الثقافة الإسلامية كتلة متجانسة صماء، ولهذا السبب يجري فهم الإسلام وتفسيره باعتباره خطرا داهما على الغرب، رغم ان الثقافة الإسلامية لدى أصحاب النظرة المحايدة ـ في الغرب ـ تتألف من فرق ومذاهب غلب الصراع بينها على علاقاتها الودية، بل ان الصراع بين هذه الفرق أدى الى انقراض وتآكل بعضها. صورة تقليدية ونفس الأمر ينطبق على الصورة التقليدية عن الغرب والتي تبناها كثير من الشرقيين أو غير الغربيين بلا تأمل ودراسة حقيقية حيث يجري تصوير الثقافة الغربية باعتبارها تجسد التنوير والنزعة الفردية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الكلمة والتعبير والتعددية وحرية المرأة وغير ذلك، بيد إن ذلك التصور يغفل عدة أمور منها إن النزعتين العقلانية والليبرالية داخل اوروبا خاضت صراعا طويلا ومريرا ضد التقاليد القديمة ولم تتمكن من النجاح إلا بصعوبة بالغة وفي فترة متأخرة نسبيا ويغفل الأوروبيون وغير الاوروبيين ان التنوير داخل اوروبا أفضى الى ظهور تيارات فكرية وسياسية مناهضة للتنوير ومعادية للحداثة، مثل النازية والفاشية وغيرهما، وهذاجزء من الواقع الأوروبي كما هو جزء من فلسفة التنوير ذاتها.. والمعنى ان الاختلافات والصراعات الداخلية كانت طابعا مميزا لجميع الثقافات التقليدية قبل ان نتعرض لضغوط الحداثة الواردة إليها من الخارج أو حتى النابعة من الداخل، حدث ذلك في الصين وداخل الكونفوشية وكذلك في البوذية اما الهندوسية فقد عرفت منذ بداية ظهورها تعدد الآراء والخلافات بينها حول الإلهيات وغيرها وأما الإسلام فهو دين قائم على الوحي والنص المنزل لذا لم يعرف انشقاقات وخلافات من هذا النوع ولكن عرف تعدد المذاهب والمدارس الفقهية ووقعت صراعات مريرة بينها أحيانا. ويشهد الغرب منذ النصف الثاني للقرن العشرين ما يسميه المؤلف عملية اختلاف روحاني حيث لم تكن عملية الصراع داخل كل ثقافة على حدة مسألة هامشية أو عرضية بل كانت تمثل عنصرا جوهريا في مسألة تأكيد وبناء الذات ثقافيا وتطورها باستمرار ولولا المواجهات الحادة ثقافيا حول المبادئ الأساسية لكل ثقافة من الثقافات الكبرى، لكان من الممكن ان تظل جذور كل ثقافة مجرد رؤى ذات أهمية محلية خالصة وربما غيبها النسيان، لذلك كان الصراع جزء أو عنصرا أنتج آثارا بعيدة الأهمية بالنسبة لجميع الثقافات البارزة، ومن هنا فإن الجدل الثقافي المنطلق من أفكار هنتجتون على المستوى الدولي غير مثمر إذ أنه يقوم على افتراض غير واقعي وغير تاريخي، وهو ان كل حضارة مختلفة تماما عن الأخرى. إشارات عرضية ويلاحظ سنغاس أن صموئيل هنتجتون رغم اهتمامه بالحضارات فإنه لا يقدم غير النزر اليسير مما يمكن أن يكون معروفا أو تتاح معرفته عن كل حضارة فهو يقدم إشارات عرضية عن الحضارة الصينية خاصة ما يتعلق منها بالقيم الأساسية للكونفوشية السائدة كمسلمات في كثير من المجتمعات الآسيوية ويساوي بين هذه القيم السلوكية وقيم أخرى مثل السلطة الاجتماعية وخضوع حقوق ومصالح الفرد لحقوق ومصالح المجموعة وأهمية الرضا والقبول وتجنب المواجهة وحفظ ماء الوجه وان تكون الكلمة العليا للدولة وللمجتمع على الفرد. هنتجتون يكاد يتغاضى عن الحضارة الإسلامية فلا يذكر شيئا كبيرا عنها، رغم ان الكثير من المعلومات والأفكار معروفة حولها والمفارقة في ذلك انه لا يعتبر الإسلاميين أو الأصولية الإسلامية المشكلة الرئيسية بل يعتبر ان الإسلام ذاته هو المشكلة ويفترض ان الحضارة الإسلامية حضارة مختلفة تماما وبالكامل عن جميع الحضارات الأخرى خاصة الحضارة الغربية ووصف الإسلام بانه دين يتصف بطابع العنف. ويرفض بشدة الافتراضات الشائعة بين الباحثين في الغرب والتي تذهب الى إمكانية وقوع انفجار وصراع شديد بين العالمين الإسلامي والغربي، وعلى غرار الحروب الصليبية، وقد نشطت تلك الافتراضات بعد 11 سبتمبر عام 2001 فلا توجد خطوط منازعات ولا حتى البدايات الاولى لذلك وإذا كانت هناك نزاعات وصراعات قاسية وشديدة فعلا حتى تلك التي تقع داخل البلدان العربية الإسلامية ذاتها أو داخل العالم الإسلامي ككل، فهي ليست نزاعات دينية صرفة بل متعلقة بعملية التحديث وتشبه تلك التي شهدتها بلدان أوروبا بين القرنين السادس عشر والعشرين. ويحذر سنغاس من التصور الذي يروج في الغرب عن أن الإسلام شيطان جديد وهذه الصورة تعيد صورة الصراع بين الغرب والشرق الى زمن الحروب الصليبية وهناك من يقولون انه محاولة ميكيافيللية لاستبدال الإسلام بالشيوعية ليكون الإسلام العدو الجديد بعد سقوط الشيوعية، ويثبت ان صورة الشيوعية كعدو لم تكن موجودة في الحرب الباردة منذ الخمسينيات ومن ثم فسقوط الشيوعية لا يعني انه كان هناك عدو اختفى ويجب ان يحل محله عدو جديد هو الإسلام كما ان التركيز على الإسلام كشيطان وكعدو يخلق حالة وهمية لدى الناس في الغرب ومواجهة تلك الحالة تتم بنشر معلومات عن الإسلام وعن المجتمعات الإسلامية وان الصراع داخل المجتمع الإسلامي نفسه ليس صراعا دينيا و إن الدول والمجتمعات الإسلامية تواجه مشكلة وتحدي التحديث لكنها لا تواجه مشكلة دينية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©