الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
8 سبتمبر 2008 00:03
مات العزيز فرعون مصر، وافتقرت زليخا زوجته وعمي بصرها، وجعلت تتكفف للناس، فقيل لها: لو تعرضت للملك يوسف ''عليه السلام'' ربما يرحمك ويعينك، فطالما كنت تحفظينه وتكرمينه· ثم قيل لها: لا تفعلي لأنه ربما يذكرك بما كان منك إليه من المراودة والحبس فيسيء إليك ويكافئك على ما سبق منك اليه· فقالت: أنا أعلم بحلمه وكرمه· فجلست على رابية في طريق خروجه - وكان يوسف ''عليه السلام'' يركب في زهاء مائة ألف من عظماء قومه وأهل مملكته - فلما أحسّت زليخا به قامت ونادت: ''سبحان من جعل الملوك عبيداً لمعصيتهم، والعبيد ملوكاً بطاعتهم''!· فقال: من هذه؟ من أنت؟ قالت: أنا التي خدمتك بنفسي، وأكرمت مثواك بجهدي، وكان مني ما كان، وذقت وبال أمري، وذهبت قوتي، وتلف مالي، وعمي بصري، فصرت أسأل الناس، فمنهم من يرحمني ومنهم من لا يرحمني· وبعدما كنت مغبوطة أهل مصر كلها، صرت مرحومتهم وهذا جزاء المفسدين· فبكى يوسف ''عليه السلام '' بكاءً شديداً وقال لها: هل في قلبك من حبك لي شيء ؟ قالت: نعم، والذي اتخذ إبراهيم خليلاً لنظرة إليك أحب إلي من ملء الأرض ذهباً وفضة· فأرسل إليها يوسف أنه يريد الزواج بها، فقالت للرسول: أنا أعرف أنه يستهزئ بي· هو لم يردني في أيام شبابي وجمالي فكيف يقبلني الآن، وأنا عجوز عمياء ؟! فتزوجها وصلى إلى الله باسمه العظيم الأعظم أن يرد إليها ما فقدته، فرد الله سبحانه وتعالى عليها حسنها وجمالها وشبابها وبصرها كهيأتها يوم راودته عن نفسه· وولدت زليخا له: أفراثيم ومنشا، وطاب في الإسلام عيشهما حتى فرّق الموت بينهما· وكان يوسف وهو ملك على خزائن الأرض يجوع ويأكل خبز الشعير فقيل له: لما تجوع وبيدك خزائن الأرض؟ قال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع· العمران ذكر أن الإسكندر المقدوني لما استقام ملكه في بلاده سار يختار أرضاً صحيحة الهواء والتربة والماء، حتى انتهى إلى موضع الإسكندرية، فوجد في موضعها آثار بناء عظيم، وعمداً كثيرة من الرخام، في وسطها عمود عظيم كتب عليه بالقلم المسند - وهو القلم الأول من أقلام حمير وملوك عاد: ''أنا شداد بن عاد، شددت بساعدي البلاد وقطعت عظيم العماد، من الجبال والأطواد، وأنا بنيت إرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وأردت أن أبني ها هنا كإرم، وأنقل إليها كل ذي إقدام وكرم، من جميع العشائر والأمم، وذلك إذ لا خوف ولا هرم، ولا اهتمام ولا سقم· فأصابني ما أعجلني، وعما أردت قطعني، مع وقوع ما أطال همّي وشجني، وقل نومي وسكني، فارتحلت بالأمس عن داري لا لقهر ملك جبار، ولا لخوف جيش جرار، ولا عن رهبة ولا عن صغار، ولكن لتمام المقدار، وانقطاع الآثار، وسلطان العزيز الجبار· فمن رأى أثري وعرف خبري وطول عمري ونفاذ صبري وشدة حذري فلا يغتر بالدنيا بعدي، فإنها غرارة تأخذ منك ما تعطي وتسترجع ما تولي''· وكلام كثير يُري فناء الدنيا ويمنع من الاغترار بها والسكون إليها· نزل الإسكندر متفكراً يتدبر هذا الكلام ويعتبره· ثم بعث فجمع الصناع من البلاد وخط الأساس وحشد العمد والرخام وأتته المراكب بأنواع الرخام، وأنواع المرمر من جزيرة صقلية وبلاد إفريقية وأقاصي بحر الروم مما يلي مصبه· وحمل إليه أيضاً من جزيرة رودس· لما بنيت الإسكندرية وشيّدت، أمر الإسكندر أن يكتب على أبوابها: ''هذه الإسكندرية أردت أن أبنيها على الفلاح والنجاح، واليمن والسعادة والسرور، والثبات في الدهور، فلم يرد الباري عز وجل ملك السماوات والأرض ومفني الأمم أن يبنيها كذلك، فبنيتها وأحكمت بنياتها، وشيدت سورها، وآتاني الله من كل شيء علماً وحكماً وسهل لي العلم· وجوه الأسباب فلم يتعذر عليّ شيء في العالم مما أردته، ولا امتنع عني شيء مما طلبته، لطفاً من الله عز وجل، وصنعاً بي وصلاحاً لي ولعباده من أهل عصري والحمد لله رب العالمين، لا إله إلا الله رب كل شيء· ورسم الإسكندر بعد هذه الكتابة وكل ما يحدث ببلده من الأحداث بعده في مستقبل الزمان: من الآفات، والعمران، والخراب، وما يؤول إليه إلى وقت دثور العالم· وكان بناء الإسكندرية طبقات، وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسير تحتها الفارس بيده رمح، ولا يضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة، وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق وتنفسات للضياء ومنافذ للهواء· وكانت الإسكندرية تضيء بالليل بغير مصباح لشدة بياض الرخام والمرمر، وأسواقها وشوارعها مقنطرة بالآجر لئلا يصيبها المطر· وكانت آفات البحر وسكانه - على ما زعم الأخباريون من المصريين والإسكندرانيين - تختطف بالليل أهل المدينة فيصبحون وقد فقد منهم الكثير· ولما علم الإسكندر بذلك اتخذ الطلسمات على أعمدة هناك تدعي المسال، وهي باقية إلى هذه الغاية، وكل واحد من هذه الأعمدة على هيئة السروة، وطول كل واحدة منها ثمانون ذراعاً، على عمد من نحاس وجعل تحتها صوراً وأشكالاً وكتابة، وذلك عند انخفاض درجة من درجات الفلك وقربها من هذا العالم· وعند أصحاب الطلسمات من المنجمين والفلكيين أنه إذا ارتفع من الفلك درجة وانخفض أخرى في مدة يذكرونها من السنين نحو ستمائة سنة تأتي في هذا العالم فعل الطلسمات النافعة المانعة والدافعة· وقد ذكر هذا جماعة من أصحاب الزيجات والنجوم وغيرهم من مصنفي الكتب في هذا المعنى، ولهم في ذلك سر من أسرار الفلك·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©