الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن البذخ والجمال والحس العام

16 ابريل 2012
الجمال هاجس بشري فطري، يقترن البحث عنه مع الفن والغرائب والجديد، لكن أصله يبقى في الطبيعة بمعناها الفلسفي، أي هذا الكون البديع الذي يثير في كل ومضة إليه سؤالاً تلو السؤال. أي أن مرجعيته تكمن في الكون وطبيعة الخلق مهما تقدمت تقنيات التدخل البشري فيه. أحياناً يلتقي الجمال مع البذخ، ويفترقان أحياناً، وأحيانا يتناقضان. وهـذا يظهر حـولنا وفي حيـاتنا اليومية ويتحول من وقت إلى آخر إلى قضية رأي عام مثلما يحصل مع برامج بعض الفضائيات والنجوم والاتهامات بالبذخ والإسراف في الإنتاج والزينة دون طائل “جمالي” واضح. إذن متى يمكن التمييز وتحديد الفواصل؟ كثيراً ما يحصل خلط “شعبي” بين الفن والجمال، لكن التمييز بينهما غير صعب مهما كانت علاقة القربى بينهما. الفن أقرب إلى إعادة خلق أو تقديم مكونات مادية محسوسة بما يترك لدينا إحساساً جميلاً، بصراً أو سمعاً أو لمساً، وهو يعتمد على عناصر متوافرة أساساً. أما الجمال فيتعلق أكثر بالوجدان والإحساس والمشاعر وبالانسجام بينها. مسألة ملتبسة جداً. كثيرون حاولوا وضع أسس ونظريات للجمال، لكن بقي عصياً على التحول إلى علم قائم بذاته، فهو أقرب أن يكون فوق العلم والمعادلات، ولهذا بقي ما كتب عن “علم الجمال” محاولات، أو خواطر أكثر منه علماً، فكثير منه لا يثير أي متعة، وقليل منه قد يثير الاهتمام، ومن ذلك أن هذا الذي أسموه علم الـ”استيتيكا”، هو تأمل الجمال وهو أكثر الفكر النقي تحرراً من إملاءات الإرادة، إنه خارج الأجندة وأي تدخل فيه “للمنفعة أو لأهداف سياسية سيفسد المعنى الحقيقي للجمال”. وقد أعجبني ربط بعض المعنيين بهذا “العلم” بين الجمال من جهة وبين المنطق (الكسندر جوتلب بوجامارتن) وبين الأجزاء الحسية والعقلانية من طبيعة الإنسان (فريدريش شيلر)، بل إن بعضهم ذهب إلى اعتباره وسيلة من وسائل مكافحة ومقاومة المعاناة (آرثر شوبنهاور). وفي كل ذلك، يصبح الجمال حاجة دائمة تتسق مع أصل الإنسان، بأحواله المتغيرة والمتقلبة، بما فيها أوقات المأساة، فهو جزء أصيل منه، ومن الطبيعي أن يكون الاهتمام به استثنائياً من قبل العاملين والمهتمين في الرأي العام. لكن الصدمة تقع خلال سعي هؤلاء إلى الإبهار بما يمس قواعد المنطق والعقل والإحساس بالمعاناة. إنها اللحظة التي ينقلب فيها اهتمام الجمهور إلى فجور البذخ بدلاً من جمال الشيء أو الموضوع. والتمييز مسبقاً بين الأمرين ليس صعباً أبداً. هذا ليس علماً، هذا حس عام. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©