الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المصريون يبتكرون وظيفة «المشهلاتي» لمواجهة الطوابير الطويلة

المصريون يبتكرون وظيفة «المشهلاتي» لمواجهة الطوابير الطويلة
16 ابريل 2012
أدت كثرة الطوابير التي يقف فيها المصريون يوميا للحصول على السلع والتردد على المصالح الحكومية لاستخراج تصاريح وأوراق لا غنى عنها كشهادات الميلاد ورخص السير مرورا بدفع فواتير الكهرباء والتليفونات والماء وتذاكر القطارات إلى ابتكار مهنة جديدة لكسب شيء من المال يسمى من يحترفها «المشهلاتي»، وهو شخص تجده في كل مكان مزدحم يتقدم إليك عارضا خدماته في تسهيل مهمتك وتجاوز الطابور مقابل مبلغ تدفعه «إكرامية»، وأحيانا يحدد «المشهلاتي» تسعيرة مقابل ما سيؤديه لك من خدمات يحصل على جزء منها في البداية والبقية عند الانتهاء. ظاهرة «المشهلاتي» انتشرت مؤخرا في المجتمع المصري، وساعد على ذلك الأزمات التي تمر بها البلاد مثل نقص البنزين والسولار وقلة المعروض من أنابيب البوتاجاز، والتكدس اليومي على منافذ بيع الخبز وتراخي العاملين في المصالح الحكومية عن أداء واجباتهم بدعوى أن لهم مطالب فئوية ما يؤدي إلى تزاحم أصحاب الحاجة في طوابير. تصنيفات المهنة «المشهلاتي» أحيانا يكون أحد صغار العاملين في المصلحة الحكومية فهو عامل نظافة أو ساع يستفيد من معرفته بالعاملين في المكان إلى تسهيل حصول من يقصدونه على الخدمة، وهناك نوعية أخرى من المشهلاتية وهم ناس أجبرتهم ظروف البطالة وقلة فرص العمل على اتخاذ زحام الطوابير وسيلة للكسب، وذلك من خلال نظرة ثاقبة للزبون الذي دفعته ظروف الحياة للمرور على الطابور فيتقدم الواحد منهم عارضا خدماته. وأحيانا يتولى «المشهلاتي» الوقوف بدلا من الزبون في الطابور إلى أن يصل لمقدمة الشباك فإذا كان الأمر يستدعي حضور صاحب المصلحة يقوم من مكانه ويتقدم فورا أو يتولى المشهلاتي الموضوع للنهاية ويحصل على أجره من صاحب المصلحة وفي أحيان أخرى يكون المشهلاتي على علاقة طيبة بالعاملين في المكان ونظير مبلغ يدفعه لهم من الإكرامية التي يحصل عليها. هناك أنواع أخرى من المشهلاتية حيث يلجأ البعض إلى الاستعانة بـ»صديق» كي يذهب بدلا عنه لدفع الفواتير الخاصة بالخدمات التي يحصل عليها ويكافئه بعد ذلك نقديا أو بهدية عينية. وفي كثير من الأحيان يكون هذا الصديق عاملا بسيطا تحت إمرته يكلفه بالانصراف من مكان العمل والتوجه إلى طابور المصلحة لقضاء تلك الخدمة له ويكافئه فور عودته إلى جانب التغاضي عن تقصيره في العمل. وفي كل عمل يكون هناك شخص يقوم بدور المشهلاتي، ويحرص زملاء العمل على نصح بعضهم بالاستعانة به، وفي المقابل يقوم العامل البسيط بذلك كنوع من المجاملة، وكسب ود رؤسائه إلى جانب أن عمله هذا يدر عليه دخلا. و»المشهلاتي» هو الذي يختار الزبون الذي يخدمه من خلال نظرته إليه ومعرفة قدرته على أن يدفع له الأجر المناسب نظير تسهيل مهمته في الحصول على الخدمة، ويتم هذا الأمر دوما في هدوء ويسر. حكايات وروايات كثيرة تحفل بها ذاكرة المصريين عن تجاربهم مع «المشهلاتي» وكم دفعوا له وكم وفر عليهم من الوقت والجهد نظير ذلك. وكثيرون يرون فيما يقوم به «المشهلاتي» نوعا من الفهلوة والذكاء وتفتيح المخ ويختصرون العمل كله في مقولة «ينفع ويستنفع». إلى ذلك، يقول أسامة عبدالرحيم «كنت أحتاج إلى تبديل بعض البيانات في أوراق إثبات الشخصية وذهبت للسجل المدني مبكرا للحصول على الورق، ولكني فوجئت بنحو 100 شخص سبقوني في الطابور وجاءني شاب في الثلاثين من العمر واقترح عليَّ إحضار الورق في مقابل خمسة جنيهات فوافقت لأنني لا أستطيع تحمل الانتظار بالساعات». تفتيح مخ يقول جمال عبدالعظيم، الذي يعمل سائقا بأحد مكاتب تأجير السيارات «كثيرا ما أحتاج إلى «المشهلاتي» لاسيما وقت الأزمات في محطات البنزين حيث تصطف السيارات طوابير أمام كل محطة للحصول على احتياجاتها ما يعني إهدار وقت وجهد كثير لذا لا أتوانى في البحث عن «مشهلاتي» يحضر ما أحتاج إليه من وقود وغالبا ما يكون أحد العاملين في محطة الوقود». ويشير إلى أنه يلجأ إلى المشهلاتي دوما في أي موقف آخر يحتاج فيه إلى الانتظار في الطابور ولا يرى في الأمر ما يعيب وإنما هي شطارة وتفتيح مخ. الأمر نفسه يتكرر في إدارات المرور والتأمينات ومصلحة الأحوال المدنية ومبنى مجمع التحرير فأينما وجد الزحام وجد المشهلاتي. وهناك نوع آخر من «المشهلاتية» يكتسب رزقه من الطوابير أمام مكاتب السفارات العربية والأجنبية بالقاهرة حيث يتردد عليها المصريون للحصول على تأشيرة هجرة أو عمل، ووجد «المشهلاتية» في ذلك فرصة لكسب الرزق من خلال عملهم بصورة جماعية حيث يجد من حضر لتوه إلى السفارة نفسه في آخر الطابور، وهناك العشرات يسبقونه مما يعني أن عليه الانتظار لساعة أو أكثر وربما لا تسعفه مواعيد عمل السفارة في إنجاز المهمة التي حضر من أجلها، ويجد من يتقدم إليه ويعرض عليه هامسا مكانا في مقدمة الطابور مقابل إكرامية تتراوح ما بين 50- 100 جنيه، وعند الموافقة يصطحبه إلى مقدمة الطابور ويقوم بإخراج شاب آخر يعمل معه تكون مهمته فقط حجز الدور في الطابور لمن يدفع، وهو ما يتقبله بقية المنتظرين في الطابور، وهكذا دواليك ويطلق على هؤلاء وصف «مشهلاتي مكان»، وهم عادة ما يكونون مجموعة أفراد يوزعون العمل فيما بينهم. ومن هؤلاء سعيد جابر (28 سنة)، الذي يعمل «مشهلاتي مكان» حيث يتنقل في طوابير الانتظار أمام السفارات المختلفة حسب كثافة التردد عليها، وكان يقف أمام السفارة السعودية حيث موسم الحج. ويقول «عملي وسيلة لأكل العيش بدلا من البطالة؛ فنحن نتعب في الوقوف بالطابور كي نقدم خدمة ميسرة للزبون الذي يتردد على السفارة للحصول على تأشيرة أو ختم أوراق، ويساعدنا في ذلك ارتباط السفارة بمواعيد عمل فنجد من يأتي في وقت متأخر من اليوم، ويحرص على دفع السعر الذي نحدده نظير وصوله إلى باب السفارة في أسرع وقت». ويشير إلى انه وبقية زملائه يتقاسمون في نهاية اليوم ما حصلوا عليه من مال، مؤكدا أن رزقه حلال مائة في المائة فهو يقدم خدمة بموافقة من يحتاج إليها بلا ضغوط أو استغلال حاجة. ويوضح أن ما يقوم به لا يمكن أن يكون مهنة يعتمد عليها طيلة العمر، ولكنها وسيلة مؤقتة لكسب الرزق بشكل مشروع إلى أن يجد عملا مناسبا بأجر يوفر له مستلزمات الحياة. غالبية المصريين يواجهون مشاكل في سداد الفواتير كشفت شركة «إيبسوس» العالمية لأبحاث السوق في دراسة أخيرة لها عن السوق المصري أن قرابة 85 في المائة من المصريين يواجهون مشاكل في سداد الفواتير المتعلقة بالخدمات التي يحصلون عليها بمختلف أنواعها، وأن غالبية المصريين يفضلون الاستعانة بشخص آخر للوقوف بدلا منهم في الطوابير لسداد الفواتير. والدراسة، التي شملت 400 شخص ينتمون إلى طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة في القاهرة والإسكندرية، أكدت أن الكثيرين يؤكدون أن الفواتير الخاصة بتسجيل السيارة والتأمين عليها وتجديد رخص القيادة، في مقدمة قائمة الفواتير التي تسبب متاعب وتتطلب تغيباً عن العمل ولذا فالحل الاستعانة بـ»المشهلاتي». وأشارت الدراسة إلى أن المصريين يرون في الاستعانة بالمشهلاتي وسيلة مضمونة وأكثر أمانا من الخدمات العصرية التي توفرها الجهات والشركات من خلال خدمة التحصيل من المنازل عبر مندوبيها أو عبر مواقع الإنترنت من خلال الفيزا كارد، إلا أن غالبية المشاركين في الاستطلاع لفتوا إلى أن هذا الخيار يفتقر إلى ضمان خصوصية المنزل، ويحمل مخاطر على الأمن الشخصي لأفراد الأسرة إلى جانب أن الفيزا من الممكن استغلالها من خلال القراصنة على شبكة الإنترنت فيتعرض صاحبها للسرقة.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©