لننه على الفور جدلاً عقيماً لن يفضي بنا إلا لمتاهات جديدة لن نعرف لها مخرجاً، ولنقل إن المنتخب الإماراتي بتعادله الأخير ببانكوك أمام المنتخب التايلاندي، يكون قد أجهز على ما بقي من آمال في بلوغ المركز الثالث الذي يحيل على ملحق أخير للحلم المونديالي، ولنعفي أنفسنا من فتح السلخانات وتقطيع لحم كل من تسبب في هذا الإخفاق المؤلم.
ما حقيقة اليوم بلغة الأرقام لا بلغة العواطف؟ أن الأبيض خرج من السباق، بما فرط من نقاط وبما سفه به نفسه فنياً وتكتيكياً إلى الدرجة التي أفقدته القدرة على مطابقة ذاته، فلا أعرف أحداً استبعد المنتخب الإماراتي من دائرة المرشحين للتأهل لمونديال روسيا قبل بدء التصفيات، وما أجمع الناس على أن الأبيض هو الأكثر حظاً ليعود ثانية لمسرح المونديال بعد حضوره الأول التاريخي قبل 27 سنة بإيطاليا، إلا لأنهم كانوا يقدرون قيمة الجيل الحالي وقدرته على كسب رهان العالمية، بعد أن نجح في الحصول على علامة التميز كاملة آسيوياً وخليجياً، ويقدرون أيضاً ما أحيط به هذا الجيل من عناية فاقت كل التصورات.
بالقطع ليس من مصلحة الكرة الإماراتية أن تطيل البكاء على اللبن المسكوب، برغم غلغلة الحزن والإحباط بسبب تهشم الحلم على صخرة واقع مرير، وليس من مصلحتها أيضاً أن تبحث للإخفاق عن جناة مفترضين، فهناك حاجة لاستثمار الجولتين المتبقيتين من تصفيات كأس العالم أمام الأخضر السعودي وأمام أسود الرافدين، من أجل تقويم فني لهذا المنتخب والشروع من الآن في ورش التحديث بما هو متاح من كوادر بشرية.
إن وجود مدرب خبير بشؤون المنتخبات التي تلعب على أعلى مستوى، كفيل بأن ينقل التدبير الفني والتكتيكي والرياضي وحتى النفسي للأبيض، إلى مستويات ترتفع عن التنافر وتبيد التأرجح وحتى الاهتراء الذي اعترى تعاطي الأبيض مع مباريات بعينها في السباق المونديالي المحموم، ليظهر مرتبكاً ومفككاً، فغابت في لحظات مفصلية كل الجوانب الإبداعية والفنية لهذا المنتخب.
إن العبور السريع لمرحلة ما بعد الإخفاق بكل حمولاتها النفسية السلبية، يحتاج من اتحاد الكرة إلى مقاربة موضوعية للمرحلة القادمة أولاً، وإلى قوة إقناع لجعل كل أطياف العائلة الكروية تلتف حول مشروع الانبعاث ثانياً وإلى جدية أكبر في تنزيل الرؤية الجديدة المتوافق عليها ثالثاً، ويحتاج هذا العبور السريع بالخصوص إلى نوع من السلم الرياضي الذي يقدم للمدرب الأرجنتيني إدجاردو باوزا مساحات كبيرة للاشتغال في العمق بعيداً عن ضغط النتائج الآنية وهوسها.
عدد اليوم
