الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موظفون يتمارضون.. وتقارير طبية في ملعب «الضمير»

موظفون يتمارضون.. وتقارير طبية في ملعب «الضمير»
19 نوفمبر 2009 23:55
لاحقني جلال الموظف الذي كان قد أدلى بالحديث حول رأيه بالإجازات المرضية، متخوفاً من ذكر اسمه أو وضع صورته... حتى أنه قرّر سحب ما قاله غير مقتنع بوضع أقواله من دون ذكر الاسم، أو من خلال استخدام اسم مستعار. أما لماذا راح جلال يؤكد سحب كل أقواله، حتى ارتأينا وضعها تحت اسم مستعار، فلأنه تخوّف من ردود فعل مرؤوسيه في العمل في حال نشر المادة، مع أن كلامه لا يشير إليهم لا سلباً ولا إيجاباً، وقد تمت مناقشة الموضوع بشكل عام، كما تم اختياره بشكل عشوائي للأخذ برأيه الشخصي، وليس بوصفه موظفاً يعمل تحت مسمى معين في مؤسسة معينة. كان جلال قد استفاض بالكلام عمّا عنده، مشيراً إلى موظفين يدّعون المرض نتيجة الكسل ويلجأون إلى أطباء يعرفونهم للحصول على تقرير طبي، ولا يتورعون عن الذهاب إلى الجهة الرسمية المعنية للتصديق على التقرير... الأمر الذي أشار اختصاصي أمراض الأذن والأنف والحنجرة، الدكتور محمد تيم، إلى صعوبته مع لجوء هيئة الصحة إلى التشدّد في المسألة، معتبراً بأن الطبيب الذي يقوم بهذا الأمر من دون داع مرضي للإجازة غير مسؤول وغير أمين. كما أوضح أنه في المقابل، وخوفاً من فقدان الوظيفة، مع أن قانون العمل يحمي من يثبت أنه مريض وغير قادر على ممارسة عمله بشكل سليم، قد يأتون إلى العمل، وقد بلغت حرارتهم الأربعين درجة مئوية، معرضين زملاءهم للعدوى، في سبيل عدم سماع تذمر رب العمل، وفي ذلك يقول الدكتور تيم إنه يقنع المريض في سبيل علاجه، وفي سبيل عدم تسببه في العدوى لزملائه بملازمة فراشه. وكانت هيئة الصحة- أبوظبي قد أعلنت في الأسبوع الثاني من نوفمبر على لسان مدير دائرة التنظيم الصحي في الهيئة، الدكتور علي عبيد آل علي، أنَّها قد ألغت الترخيص الطبي الخاص بأحد الأطباء نهائياً، وأدرجته في قائمة المحظور عليهم ممارسة المهن الصحية. وكان الطبيب قد جاء على رأس قائمة أكثر الأطباء المانحين لإجازات مرضية (بلغت الإجازات المرضية التي منحها هذا الطبيب في يونيو 2009، 195 إجازة وفي أبريل 155 ومايو 136 وذلك في العام ذاته). كما أوردت “دنيا” في تحقيق سابق للزميلة هناء الحمادي عن الغياب عن العمل والاستحصال على تقارير طبية من بعض الأطباء من دون أي مسوغ طبي أو صحي يمنع هؤلاء من مزاولة أعمالهم. علاج ذاتي هيام، من جهتها تستاء من اللجوء إلى الطبيب حين تمرض، فهي تعالج الإنفلونزا التي تصاحبها حرارة متوسطة الارتفاع من عندياتها، بمعنى أنها تقوم بمعالجة نفسها، فتتوجه إلى الصيدلية وتشتري المضاد الحيوي، وعبوة من فيتامين سي، وتبدأ بشرب السوائل، وهي ترى أن النوم يساعدها كثيراً. استياؤها يجيء لاضطرارها للذهاب إلى الطبيب كي تحصل على تقرير يشرح سبب غيابها ليوم أو يومين عن العمل، ومن ثم التوجه إلى هيئة الصحة للتصديق على التقرير. وتقول: “لن يهرب عملي مني، فإن تغيبت سوف أجده متراكماً على كاهلي حين أعود من إجازتي المرضية وعليّ إنجازه بمهلة قياسية... أستاء حين أمرض، وأستاء من اضطراري للتأخر عن يوم العمل للتصديق على التقرير، وأحياناً أتخلّى عن يوم أو أكثر من إجازتي السنوية كي لا أدور في هذه الحلقة”. أما غادة فتقرّ أنها حين كسرت قدمها ورأى الطبيب أن عليها الراحة التامة بسبب عدم التمكن من تجبير القدم إنما فقط تثبيتها لأسباب طبية، بكت بمرارة خوفاً من فقدانها لوظيفتها، مع العلم أنها مطلعة على قانون العمل وعلى القانون الداخلي للمؤسسة التي تعمل بها، وقد وقعت على استلامه، والقانون الداخلي للمؤسسة يتوافق مع قانون العمل الذي يحفظ حقها ويمنع طردها من العمل إذا تعرضت لسبب صحي يحول دون تواجدها وقيامها بالعمل لفترة زمنية محددة. أما إذا تجاوزت هذه الفترة الزمنية وإن للضرورة، فيعود الأمر للمؤسسة نفسها في اتخاذ قرار الاستغناء عن الخدمات التي تقدمها. وبحسب أحد المحامين الذي رفض ذكر اسمه، فإن قانون العمل واحد في كل البلدان بشكل عام، فحتى لو كان في أساسه يحافظ على حقوق الموظفين والعمال، فهو أيضاً يظهر حقوق المؤسسات المشغّلة، إذ لا يجوز تجاوز فترة معينة في الإجازات الطبية، وإلا تحوّلت المؤسسات إلى مراكز خيرية وهذا ليس من مهامها إنما من مهام وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية. وفي هذا السياق عينه، ثمة سن للتقاعد على اعتبار أن الشركة لا تحل مكان “دار العجزة” على سبيل التشبيه لا الحكم في المسألة. وفي ذلك، يخبر الدكتور تيم “أن بعض المرضى الذين يتخوفون من تراكم العمل على كاهلهم، يفضلون أخذ العلاج والتوجه إلى عملهم، إنما، وبحسب خبرتنا، نقنع المريض بضرورة الراحة لسببين، الأول هو اقتناعنا في مدى مساهمة الراحة في العلاج، وهذا أمر يحدّده الطبيب بمعلوماته وخبرته المهنية، وثانياً لتحاشي احتكاك المريض بزملائه في العمل خوفاً من انتقال العدوى في بعض الحالات المرضية”. وفي المقابل، يفيد الدكتور تيم أن “بعض الموظفين أو العاملين يتمارضون، بمعنى أنهم يدعون المرض تجاه المسؤولين عنهم، ويأتون إلى عيادة الطبيب ويطلبون تقريراً طبياً لتغطية احتيالهم، وحين يشعرون أن الطبيب لا يقبل بهذا الأمر، يصطنعون المرض أمامه، ولكن أمرهم يكشف بسهولة”. ويضيف:”إذا لم أقتنع بصحة ما يقوله مدعي المرض، فلا أحرر له تقريراً طبياً، أما إذا رأيت أن المرض واقعي فربما أنصح المريض بالاستراحة يومين بدل اليوم الواحد”. كسل الصباح تانيا، تعاني أحياناً من كسل غير عادي في الصباح، وتشعر أن ليس بوسعها الخروج من المنزل والتوجه إلى العمل، وتقول:”أروح أقنع نفسي بالتحرك من مكاني وأتمكن من ذلك إنما بصعوبة، وأعرف ضمنياً أن العمل أفضل بكثير من الجلوس في المنزل من دون فعل أي شيء مهم، لكنني لجأت إلى معالجة نفسية لعلمي بأنني أعاني من أمور ليس بوسعي ذكرها، وحين وجدت أن كسلي وانعزالي ناتج عن اكتئاب وصل إلى مراحل مرضية، كا لابد من البدء بالعلاج، وقد استغرقت بعض الوقت للاقتناع بالخضوع للعلاج، واستدعت المرحلة الأولى الاستراحة في المنزل وتناول بعض الأدوية، وتخوفت من ردة فعل القيّمين على الشركة التي أعمل فيها ولكن، الحمد لله، وجدتهم متجاوبين ومشجعين، كما أن ما عانيت منه لم يخرج من باب المسؤولية عن شؤون الموظفين وهذا أراحني كثيراً خصوصاً أنني أسمع تعليقات من عدد من الزملاء تظهر عدم ايلاء المرض النفسي شأنه، هذا إذا لم يذهبوا للقول إنه جنون وخبل”. المرض النفسي بما أن الأمراض النفسية تحتاج إلى علاج طبي كما الأمراض العضوية، التي تحتاج إلى علاج، فإن القانون الذي ينظم علاقة الموظف بالشركة والعكس لناحية الإجازات المرضية، يعترف به، وفي هذا يقول الدكتور تيم:”قد يحتاج المرض النفسي بالإضافة إلى العلاج أخذ إجازة، وتقدير هذا الأمر يعود إلى الطبيب المعالج. وبرأيي فإن الشركات في الإجمال تريد إنتاجية من الموظف أو العامل، ولن يساعدها بشيء تواجد الموظف أو العامل في المكتب أو في موقع العمل من دون إعطاء إنتاجية، ومن هنا تعرف أن أداء الموظف أو العامل لديها ليس بالأداء الصحيح في فترة المرض والعلاج أو بداية العلاج (ويؤكد أن لكل علاج متطلباته التي تستدعي الإجازة المرضية أو لا تستدعيها)”. أدعياء المرض بين المتمارضين والمرضى الحقيقيين، تضيع المسألة، ويرى فهد أن الموظف أو العامل الصادق الذي يتمتع بوجدان وضمير مهني، هو الذي يتحمل الأعباء في المحصلة، لأن العمل نفسه يتحوّل من المتمارض إلى غير المريض المتواجد في عمله، كما أن كثرة “التمارض” (أي ادعاء المرض) تجعل من أصحاب المؤسسات يشكون في التقارير الطبية المقدمة إليهم. وفي هذا، يشدد الدكتور محمد تيم على أن “الإجازة المرضية مسؤولية وأمانة في عنق الطبيب، الذي عليه أن لا يحرر تقرير الإجازة المرضية إلا عند الحاجة الفعلية”، مشيراً إلى بعض الحالات الإدعائية المفضوحة من مثل القدوم للمعاينة، ولأخذ تقرير طبي بإجازة مرضية قبل ثلاثة أيام أو أكثر، وبالطبع هو لا يمنحهم ما يبغون. ويثني على هيئة الصحة- أبوظبي لأنها ومن خلال لجنتها الطبية، تجعل من ادعاء المرض وفقدان الضمير أمراً صعباً،خاصة أنَّ الوسائل المعتمدة لديها، والتفتيش الذي تقوم به بدقة، يجعل من المسيئين إلى المهنة خارج المنظومة، ويكفي أنها لا تصدق على الإجازات التي يمنحونها وهي غير ناتجة عن ضرورة طبية.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©