الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليابان... وإعادة قراءة التاريخ الآسيوي

16 ابريل 2013 21:56
بانكاج ميشرا كاتب وروائي هندي كان المطر يتهاطل بقوة الأسبوع الماضي، عندما زرتُ ضريح ياسوكوني المثير للجدل في طوكيو، الذي يخلد ذكرى اليابانيين الذين ماتوا في سبيل «القضية الامبراطورية». ومع ذلك، ظلت الحافلات السياحية توصل أفواجاً من الزوار اليابانيين الكبار في السن. وقد تلقيت نظرات رضا، بل وحتى ابتسامة باهتة من امرأتين يابانيتين، بينما كانتا تقفان تحت المطر أمام ضريح قاض هندي يدعى «رضا بينود بال». «بال» هذا كان القاضي الهندي الوحيد فيما يسمى «محاكمات طوكيو»، وهي النسخة اليابانية من «نورمنبيرج». وفي رأيه القانوني المؤلف من 1235 صفحة، صوت بال بتبرئة اليابانيين الـ 25 المتهمين من قبل القوى المتحالفة بجريمة «غير مسبوقة» هي «التآمر ضد السلام». وعلى نحو غير مفاجئ، أضحى «بال» بطلاً في أعين اليابانيين، الذين كانوا يشعرون بأنهم ضحايا أكثر من شعورهم بأنهم مذنبون بخصوص الاحتلال الياباني لجزء مهم من آسيا. وهو مازال محط احترام وتقدير، مثلما أخبرني بفخر أكثر من وطني ياباني التقيتهم الأسبوع الماضي. كما أن رئيس الوزراء «شينزو آبي»، الذي يرغب في مراجعة اعتذار اليابان عام 1995 عن حربها الآسيوية، من المعجبين به. والأكيد أن بال لم يكن يؤيد النزعة العسكرية اليابانية التي حصدت أرواح الملايين عبر آسيا؛ ولكنه كان يجادل بأن آلاف اليابانيين المتورطين في فظاعات خلال الحرب - مجرمي القسمين «باء» و»جيم» - قد تعرضوا للإعدام أو السجن منذ مدة. وفي جميع الأحوال، فإن «بال» لم يكن الوحيد الذي لاحظ عيوباً حقيقية في محاكمات طوكيو. كما كان «بال» يجادل بأنه رغم «وحشيتها»، إلا أن النزعة التوسعية لليابان لم تكن غير مسبوقة. ذلك أنه على غرار كل القوى الإمبريالية والصناعية الحديثة، كانت اليابان تسعى إلى الدفع بطموحاتها الكبيرة والرد على تهديدات متصوَّرة. وهناك نقاط أخرى أثارها «بال» حذرت من الدفاع باسم القيم والأخلاق عن حرب اليابان في آسيا؛ ولكنه جادل بأن قصف المدن اليابانية والحرق النووي لهيروشيما وناجازاكي ينبغي اعتبارها أيضاً جرائم حرب كبيرة. والأكيد أن لاعقلانية الاحتلال الأميركي لليابان فتحت مجالاً واسعاً للوطنيين المحافظين، حتى في وقت أصبحوا يمثلون فيه القوةَ الأكثر موالاة للولايات المتحدة في اليابان. ويمكن رؤية شعورهم بالشفقة على الذات وتظاهرهم بالتقوى بوضوح في متحف «ياشوكان» المجاور لضريح «ياسوكوني». غير أن «ياشوكان» يتعامل مع الدقة التاريخية بكثير من الحرية كبيرة، حيث يصور غزو مانشوريا في 1931، الذي دشن مرحلة جنونية على نحو خاص من النزعة الحربية اليابانية، باعتبارها «دفاعاً شرعياً عن النفس». هذا في حين تتم الإشارة إلى «مذبحة نانجينج» لعام 1937 باعتبارها «حادث نانجينج» الذي تعرض فيه «جنود صينيون بملابس مدنية» لـ«قمع شديد». كما يصف الخطاب المعتمد الهجومَ على ميناء «بيرل هاربر» الأميركي في 1941 باعتباره رداً على عدائية أميركا الشريرة؛ ويقول إن اليابان التي دخلت الحرب مكرهَة، استمرت في السعي وراء السلام، ولكنها صُدت على نحو فج من قبل الحلفاء، ثم تعرضت لقصف وحشي عنيف لحملها على الاستسلام، ولكن ليس قبل أن «تحرِّر» معظم آسيا من الهيمنة الغربية. ولا شيء يُضعف هذه السلسلة من أنصاف الحقائق وعمليات الإغفال والحذف الصريح، أكثر من الفشل في الاعتراف بأن حملة اليابان الآسيوية، التي حصدت أرواح أكثر من 10 ملايين شخص في الصين لوحدها، مثلت كارثة بالنسبة لمعظم الآسيويين. إلا أنه من الإجحاف أن نتوقع من حكام اليابان المحافظين اليوم التنديد على نحو منتظم بامبراطورية بلدهم التي لم تعمر طويلاً، وتقديم اعتذارات -متى يطلب منها ذلك - لأعدائها السابقين في وقت يقترح فيه حزب المحافظين البريطاني الاحتفاء بماضيهم الامبريالي في كتب التاريخ الدراسية بعد مراجعتها. بيد أنه خلال العقد الماضي أُرغمت اليابان أخيراً على أن تكون أكثر وعياً بمكانتها في آسيا، في وقت صعدت فيه منافستها القديمة الصين إلى الواجهة كقوة عالمية، وانشغلت فيه الولايات المتحدة بحروب عديمة الجدوى في كل من العراق وأفغانستان. واليوم وبينما تبحث اليابان - بارتباك - عن هوية جديدة داخل آسيا، فإنها قد تقدِّر، مثلما كتب جيف كينجستون، المتخصص في اليابان المعاصرة، «المزايا الممكنة لتطمين أعدائها السابقين». وبالنسبة لمعظم الآسيويين، فقد ظلت اليابان خلال العقدين الماضيين دولة مرتبطة بأميركا- غير قادرة، أو غير راغبة في الابتعاد عن محتلها السابق عبر رسم طريق مستقل لنفسها. ولكن اللافت في الوقت نفسه أن بلداً آخر كان محتلاً في السابق، وحليفاً مقرباً من الولايات المتحدة، كألمانيا، انتقل إلى مركز أوروبا، ويقوم حالياً بتشكيل ملامح مستقبل القارة. ورغم أنه لاتزال بعيدة عن تبني «سياسة آسيوية جديدة»، إلا أن اليابان أخذت تبدي مؤشرات صغيرة على صعيد مد جسور جديدة مع جيرانها الآسيويين، خاصة أولئك الذين لديهم نزاعات، أو خصومات مع الصين، وحتى في وقت لاتزال تحتمي فيه تحت المظلة الأمنية الأميركية، حيث قام شينزو بزيارة إلى كل من إندونيسيا، وفيتنام، ومنغوليا خلال الأشهر الأخيرة. غير أن حكام اليابان المحافظين سيحتاجون إلى فهم أكثر رحابة للتاريخ من أجل القيام بهذه المهمة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©