السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مربك ومرتبك

مربك ومرتبك
9 سبتمبر 2008 00:07
الثقافة كلمة مربكة، لم يتم الاتفاق على تعريف واضح ومحدد لها بعد، فهي ليست الأدب والفن والإبداع، وهي أقرب إلى كلمة حضارة، كونها تشمل الإنجازات الإنسانية الشاملة، بل إنها أقرب إلى الإنسانية، كونها تسعى إلى تحقيق ماهية البشر وكننهم· ويمكن أن نطلق لقب (مثقف) على الإنسان المنشغل، وليس المشتغل، بإحدى معارف العلوم الإنسانية والعلمية، وهو انشغال يدخل من بوابة ضيقة، ليفضي إلى بوابات تتسع لتطال الإنسان وتأملاته في الخلق والوجود والفلسفات، وصولاً إلى تشكيل موقف غير حاد ومنفتح، ليستوعب المواقف الأخرى، ولهذا فإن كلمة ثقافة مربكة، أو على الأصح، تبدو مربكة؛ لأنها -كما هو مشاع- تتعلق بإيجاد حالة ثقافية تتسم بمجموعة من الملامح والسمات والتوجهات، وليس بالضرورة أن تكون تلك العناصر متشابهة أو متفقة، ولكنها لا بد أن تكون منسجمة، ليس في مضمونها، وإنما في آلية إدارتها والتعاطي معها، وتوفير الأجواء الملائمة لتفاعلها، في بيئة صحية تحترم قدرات الإنسان الفكرية والإبداعية، وهنا يبدأ دور المؤسسة· إن إطلاق صفة (مربكة) على الثقافة إطلاق إيجابي، فالثقافة المستكينة الخامدة النمطية لا تحرك مياه المجتمع وقيمه وحاضره، ولا تبني مستقبله، ولهذا لا بد للحالة الثقافية أن تكون متوقدة، توقد شعلتها مؤسسات أكثر اتقاداً من حيث تقبلها للرأي الآخر، والموقف الآخر، وفلسفة الآخر، ومن هنا يمكننا القول إن الثقافة المربكة لا تصنعها مؤسسة ''سلطة مرتبكة''· والارتباك ينتج عن محاولة السيطرة المطلقة على الحالة الثقافية، التواقة للتخلص من كل ما هو نمطي ومستبد وأحادي النظرة، ولهذا، فشلت الأنظمة الشمولية في إيجاد حالة ثقافية إنسانية؛ لأنها تعاملت مع المبدع والمفكر كمنفذ ومترجم لمنهج سياسي واقتصادي صارم· إن محاولات تحويل المبدع (المثقف) المفكر إلى منفذ لا يقتصر على الأنظمة الشمولية، وإنما يشمل أنظمة تتراوح بين الجمهورية والملكية، حيث الصوت الواحد يطغى على بقية الأصوات، ويسعى إلى تشكيل جوقة (كورال)، تردد ما يتفتق عنه عقل ذاك الصوت· لقد ابتليت الإنسانية بشخصيات من هذا النوع على مر العصور، وشملت شخصيات وجدوا في المؤسسات الفكرية والإبداعية والعلمية، وكانت النتيجة خلق بشر آليين قبل اختراع الإنسان الآلي، إلا أن هذه الحقب لم تدم، وسقطت مع سقوط الأشخاص، ولم يتوقف التاريخ عندها، بسبب تعارضها مع منطقه ومنطق الطبيعة والإنسانية، وبذلك، تكون تلك الشخصيات قد حرمت الأمة من تكوين ثقافة/حضارة، تستند إليها الأجيال في قراءة تاريخها، دون أن يضطروا للاستعانة بوثائق الآخر· ثقافة مربكة، تربك السائد وتزلزله، هذا ما نحتاجه في وطننا العربي، وهذه مهمة الأفراد المثقفين، شرط أن يعملوا لوجه الثقافة، وليس لوجه الوجاهة! Akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©