الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سارة بالين»... نعمة ونقمة داخل الحزب «الجمهوري»

20 نوفمبر 2009 23:10
ماكس بلومنثال زميل كاتب بـ«معهد ذي نيشن» ومؤلف كتاب «عمورية الحزب الجمهوري: داخل الحركة التي عصفت بالحزب» لا نفوذ يضاهي نفوذ "سارة بالين" مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس في انتخابات نوفمبر 2008 الآن، خاصة وأن الحزب يأمل في استعادة قوته في العام المقبل 2010، اعتماداً على حيوية قاعدته الشعبية الصاعدة أيديولوجياً؛ فهي التي نشرت فكرة دفاع الديمقراطيين عن "عيادات الموت" باعتبارها جزءاً من خطتهم الخاصة بالرعاية الصحية، ما حرض المحافظين على معارضة مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية؛ كما كان تأييدها للمرشح اليميني المحافظ المغمور "دو هوفمان" في انتخابات ولاية نيويورك التي جرت مؤخراً، سبباً رئيسياً في خروج "ديدي سكوزافافا" مرشح جمهوري معتدل ويتمتع بشعبية عالية من حلبة التنافس الانتخابي على مقاعد الكونجرس هناك؛ أما كتاب مـذكراتها الصادر حديثاً "المروق: سيرة حياة أميركية" فيعد الأكثر مبيعاً لعدة أسابيع سابقة لنشره على موقع أمازون الإلكتروني المتخصص في بيع ونشر الكتب. غير أن هناك جانباً آخر لنفوذ "سارة بالين" هذا؛ فقد حذر بعض كبار وحكماء الجمهوريين خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2008 مما وصفوه بـ"قوة بالين التدميرية"؛ وأصر هؤلاء على وصفها كذلك بأنها شخصية استقطابية يهدد تطرفها بتسريع انزلاق الحزب نحو هاوية سياسية لا يعرف مداها؛ وكتب المحلل والمعلق السياسي "ديفيد بروكس" -الذي عرف بغزارة كتاباته وتعليقاته على المرشح الرئاسي السابق جون ماكين- واصفاً سارة بالين بأنها "سرطان الحزب الجمهوري القاتل" في إحدى مقالاته المنشورة في "وول ستريت جورنال". كما نعتتها "بيجي نونان" -كاتبة سابقة لخطابات الرئيس رونالد ريجان، وكاتبة صحفية في "وول ستريت جورنال" بأنها "ضحلة وغير مؤهلة". وفي شهر يونيو الماضي حذر "ستيف شميدت" -الاستراتيجي السابق لحملة جون ماكين الانتخابية الرئاسية من أن يكون ترشيح الحزب الجمهوري لسارة بلين للمنصب الرئاسي في انتخابات عام 2012 سوف يكون كارثياً. يذكر أن المعلومات المتوفرة عن آخر استطلاعات الرأي التي أجريت، تؤيد هذا التشاؤم، فقد أشارت نتائج استطلاع للرأي العام الأميركي أجرته "مؤسسة جالوب" في التاسع عشر من أكتوبر المنصرم، إلى أن أغلبية الأميركيين تنظر إلى حاكمة ولاية ألاسكا السابقة على أنها شخصية استقطابية وأقل الساسة الأميركيين شعبية؛ ومنذ تخليها عن منصبها للتفرغ لكتابة مؤلفها المذكور أعلاه، انخفضت شعبيتها إلى 50 في المائة. غير أن استطلاع "جالوب" الأخير أكد انخفاضها إلى نسبة 40 في المائة. ولا يقل عنها شعبية بين كافة الساسة الأميركيين الآن سوى "جون إدواردز" السيناتور الديمقراطي السابق، بسبب إنجابه طفلا غير شرعي أثناء خوضه معركة الترشيح للسباق الرئاسي عن حزبه. لكن وفيما لو كانت "سارة بالين "سرطاناً قاتلاً لحزبها الجمهوري" -كما جاء في الوصف- فما الذي يمنع حزبها من إقالتها سياسياً وإعطائها إجازة مفتوحة للتمتع بهواية الصيد التي عرفت بعشقها لها؟ وكيف تصاعدت شعبيتها إلى كل هذا الحد إثر هزيمتها الكارثية في انتخابات العام الماضي الرئاسية؟ في رأيي أن الإجابة عن هذين السؤالين تقع خارج حدود نتائج استطلاعات الرأي العام، وتكمن في التركيبة النفسية للحركة التي تتبناها، وهي التركيبة التي تفرض سيطرتها إلى حد كبير على القاعدة الشعبية للمحافظين. المقصود هنا تلك الثقافة الإنجيلية المتعمقة التي شكلتها الكوارث الشخصية الخاصة بالأفراد الذين يروجون لها ويؤمنون بقيمها، في مواجهة مرآة العالم الخارجي الليبرالي المحيط بتلك الشخصيات. وعن طريق تسليط الضوء على أزماتها الشخصية وكونها "ضحية" للصحافة الليبرالية، استطاعت "سارة بالين" إنشاء رباط قوي بينها، ودعاة تلك الثقافة الباطنية المحافظة، وهي من العمق والتعقيد إلى درجة تتجاوز كافة التحليلات السياسية المنطقية. وبالنتيجة فقد تحولت مهنة "بالين" السياسية إلى أداة مكنت الجناح اليميني الإنجيلي المحافظ من التعبير عن هويته الخاصة الأشد عمقاً وتضاداً مع المجتمع العلماني المحيط، وممثليه رموز ذلك المجتمع في إدارة "أوباما" الحالية. وفي نظر قادة الحركة اليمينية المحافظة المتطرفة وأتباعها، لم تبد "سارة بالين" في نظر هؤلاء مجرد سياسية خائبة متعثرة، إنما هي ملاك رحمة نزل عليهم من السماء فجأة لينتشلهم من حضيض الأزمات والفضائح الشخصية الذي سقطوا إليه، إلى قمم جبال "الحياة الأميركية الحقة"! ولمن يستعصي عليه فهم هذا التحليل النظري المجرد للتركيبة النفسية الخاصة بقادة وأتباع هذه الحركة الإنجيلية المحافظة التي تمثلها "بالين" وغيرها، فما عليه سوى تأمل المعاني التي تنطوي عليها أزمة "بالين" الخاصة ذات الصلة بحمل ابنتها "بريستول" المراهقة سفاحاً، وكيف أثرت تلك الأزمة الخاصة على مسار الحركة اليمينية المحافظة بكاملها. فقد بلغ ببالين مدى تلك الأزمة حد تتويج الطفل الحديث الولادة "تريج" ملكاً على عرش الاجتماع الحزبي الجمهوري العام. وكان قصدها من حمل الطفل إلى الاجتماع القومي المذكور، التأكيد على صلابة الحزب المحافظ في معارضته لسياسات الإجهاض التي يدافع عنها الخصوم الليبراليون. ثم إن "بالين" لم ترعو بعد أن انهارت الأسواق المالية وكسد الاقتصاد الأميركي، وباءت حملتها المشتركة مع "جون ماكين" بالخسارة في انتخابات عام 2008، إنما ازدادت جموحاً بلغ بها حد "المروق" متجاهلة بذلك تحذيرات "جون ماكين" الحكيمة من مهاجمة "أوباما" وكيل الانتقادات له أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية؛ وعلينا القول إن "بالين" ترمز الآن إلى مستقبل حزبها، بقدر رمزيتها للمخاطر الكبيرة المحدقة به. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©