الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الروائي البرتغالي.. حفيد العروبة

الروائي البرتغالي.. حفيد العروبة
23 يونيو 2010 20:38
كتاب “الذكريات الصغيرة” لجوزيه ساراماجو سيوطد علاقته بالقارئ والإنسان العربي عموما، فالكاتب البرتغالي الأشهر والاهم والذي يعتبر أكثر الكتاب العالميين المعاصرين عداء للصهيونية وإسرائيل ومناصرة للشعب الفلسطيني يعلن في هذه الذكريات أصوله العربية، ويؤكد أن جده عربي، وانه كان يعمل راعيا ويعيش منعزلا على حافة نهر “الألموند” في المنطقة التي يتقاطع فيها مع نهر “التاجو” في البرتغال. وليس فقط الجد الذي يؤكد ساراماجو انه عربي وإنما قريته ايضا، في الأصل عربية، وساراماجو يجزم بالقول ان اسمها “ازينهاجا” محرف من الكلمة العربية “زنقة” التي تطلق على الأزقة والحارات وحتى الأسواق في القرى والمدن العربية. كتاب “الذكريات الصغيرة” صدر عن سلسلة “الجوائز” بالقاهرة بترجمة أحمد عبداللطيف، وهو يروي طفولة ساراماجو منذ ولادته في قرية “ازينهاجا” ذات الماضي العربي الواضح في العادات والتقاليد والمعتقدات وحتى الملامح “وجوه خمرية وملامح مدببة وعيون صغيرة ضيقة” ويحكي انتقاله مع أسرته وهو طفل الى العاصمة البرتغالية لشبونة وتنقله المتكرر بين أحيائها الفقيرة ودراسته المتواضعة هناك ثم بداية اشتغاله في مهن يدوية كصناعة الأقفال واصلاح السيارات في الورش المنتشرة بأحياء لشبونة الفقيرة، و”الذكريات الصغيرة” وظروف وملابسات الخمسة عشر عاما الأولى من عمر ساراماجو الذي بلغ السابعة والثمانين هذا العام. طفولة صعبة لعل اهم ما يكشفه ساراماجو في هذا الكتاب فضلا عن أصوله العربية، الحياة القاسية في طفولته، والتي تثبت أن الموهبة الأصيلة المتدفقة لا يحول دون تحققها ونجاحها أي شيء حتى لو كان الجوع، فقد ولد ساراماجو في أسرة معدمة جدا لا تكاد تجد ما تأكل وتعيش في حجرتين ضيقتين ومليئتين بالحشرات والصراصير، وها هو ساراماجو يعترف بمرح: “كل ليلة كنت أنام والصراصير تمرح على وجهي”، وفي هذه الأجواء عاش طفولة بائسة، قاسية، وسط بيئة اجتماعية كان من السهل جدا أن تنتج متسولا أو لصا، وفيها يتعرض وهو طفل لحادثة اغتصاب في منتهى الغرابة والقسوة، حيث قامت عصبة من أطفال الشوارع في لشبونة باختطافه وتكتيفه وقام احدهم بغرس قضيب حديدي في مؤخرته مما أدى به الى فقد الوعي والإشراف على الموت حتى أنقذ بشبه معجزة، غير أن ساراماجو يروي هذه الواقعة، وغيرها من مرارات طفولته كخوفه وكرهه الدائمين لجديه لأبيه، برهافة أقرب للمرح والسخرية بل وأحيانا الزهو بالانتماء للحضيض دون الإحساس بالمرارة والظلم الاجتماعي المتعارف عليه في سير الكتاب الذين نشأوا في بيئة فقيرة، خصوصا من العرب. والطريف والصادم أيضا في هذه المذكرات هو الإفصاح عن تلك العلاقة المتوترة العدوانية التي ربطت ساراماجو بوالده حتى سنواته الأخيرة، وإلحاحه في تأكيد أن والده ابن رجل لقيط تربى في الإصلاحية: “جدي جيرونيمو كان قد تم تسليمه وهو صغير لدار لقطاء خاصة ببيت الرحمة بسانتام، والشك في هذا الأمر لا يستحق العناء”، و”في دار الرحمة للقطاء كانوا يسمونه العصا السوداء بسبب سحنته السوداء”، أما والده الذي كان يعمل في شرطة لشبونة فيصفه بأنه “فلاح سوقي كان يحمل الفأس على كتفه والآن اصبح رجلا في الشرطة، رجل شرطة يعرف المعلومات الطازجة ويحمل سلة مليئة بالأخبار الجديدة عن العاصمة”، وظلت علاقته متوترة بوالده سنوات طفولته وشبابه وفي آخر المذكرات يقول انهما لم يتصالحا إلا قبيل سنوات قليلة من وفاته. والأكثر طرافة اعترافه بان اسم عائلته “ساراماجو” التي تعتبر الآن من أشهر عائلات البرتغال، خصوصا بعد فوزه بجائزة نوبل ليس اسما لعائلة معروفة بل إنه ليس اسما لعائلة من الأساس، فهو يؤكد أن موظف السجل المدني كان مخمورا حينما سجل اسمه في دفتر المواليد يوم ميلاده عام 1922 وبدا له أن اسم والده “سوسا جيرونيمو” قصيرا صغيرا لا يليق بطفل بريء مقبل على الحياة وأضاف له اسم “ساراماجو” من عنده! الجد العربي أما جد جوزيه ساراماجو العربي الذي يعتبر أصل القرية التي ولد فيها فهو جده لأمه، وهو يعتبر جده الأساسي أو الوحيد في ظل العداوة الطويلة المستحكمة بين أسرته وجديه لأبيه، وساراماجو يبدو شديد الإعجاب والزهو بجده لأمه ويؤكد نسبه العربي قائلا: “جدي العربي، الذي لم يتبق أثر مكتوب عنه في ازينهاجا، ليس اختلاقا رومانسيا فعلته لازين شجرة عائلتي المتواضعة وإنما هو حقيقة جينية مؤكدة، هذا الرجل كان يعيش خارج القرية، في كوخ من الصفصاف، وكان يملك كلبين ضخمين يبثان الخوف في الزائرين عندما ينظران لهم في صمت، بلا نباح، وكانا لا يكفان عن النظر حتى ينصرفوا “وذات يوم قتل احد زواره” ذهب الى الكوخ ليطلب من العربي تفسيرا للتغرير بإحدى بنات القرية فلكمه لكمة فقضى عليه”! غير أن ساراماجوا لم يكتف بذلك، وأكد أصوله العربية التي يبدو انه يواجه بالتشكيك فيها بحادثة غريبة غامضة الى حد، حادثة لم يتضح لماذا اعتبرها “واحدة من الحقائق القاسية على أصوله العربية”، وملخصها انه ذات يوم وهو طفل سقط في الشارع وانكسرت رجله وبينما دمه ينزف ويئن مر رجل دين ونظر اليه بتعاطف مفتعل ينطوي الى نوع من العنصرية وانسحب بهدوء دون أن يكلف نفسه عناء مساعدته وينهيها ساراماجو قائلا: “ربما مفكرا في أحفاده الأحباء المختلفين عن هؤلاء الصبية أطفال الشوارع الذين لم يجدو من يربيهم”، دون ان يوضح لقرائه العلاقة بين الأصول العربية والأطفال المشردين في شوارع لشبونة! واللافت في “الذكريات الصغيرة” خلوها من الأحداث السياسة، رغم أن ساراماجو المولع بالسياسة ويعتبر من الكتاب المناضلين الثوريين، ودائم المشاركة في التجمعات والتظاهرات السياسة الرافضة للظلم والجور السياسي ـ ومنها مشاركته في وفد حملة جائزة نوبل الذي أصر على زيارة الراحل الكبير محمود درويش في رام الله ودعم الشعب الفلسطيني في عز الحصار الاسرائيلي ـ ومع ذلك فإن طفولته تكاد تخلو من الأحداث السياسية، ولا يذكر فيها إلا القليل من الأخبار العابرة عن الحرب الأهلية الإسبانية، وهي أخبار سرعان ما توقف عن متابعتها بعدما اتضح أنها مراقبة ومفلترة بحكم انحياز حكومة البرتغال للدكتاتور فرانكو ضد الثوار المطالبين بالعدل والحرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©