السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان وشبح المجـاعة

20 نوفمبر 2009 23:10
السودان بلد يخترقه النيل العظيم من أول نقطة حدودية في جنوبه إلى آخر نقطة في شماله، وينساب النيل الأزرق من حدوده الشرقية مع إثيوبيا حتى يلتقي بالنيل الأبيض في الخرطوم. وفي جنوب السودان وشماله عدد من الأنهار والنهيرات؛ مثل بحر الجبل وبحر العرب ونهر الدندر والرهد ونهر عطبرة وخور بركة وخور القاش. وبعد هذا كله فالأمطار تهطل في السودان بمعدل يبدأ كثيفاً في المنطقة الأستوائية ثم يقل قليلا في مناطق السافانا الكثيفة والخفيفة، ولا يتوقف هطول الأمطار أو يشح إلا في أقصي شمال البلاد بعد خط العرض 13 أو نحو ذلك. هذا السودان يعاني الآن مما يسميه المراقبون نذر المجاعة، في حين يطلق عليه المسؤولون تعبير "فجوة غذائية"، والتسمية طلاء لتخفيف وقع المشكلة. لقد اعترف وزير الزراعة بالمشكلة في بيان أدلى به أمام البرلمان، وأشار إلى بعض الأرقام مثل قوله إن المساحات المزروعة بمحصول الفول السوداني نقصت هذا العام بنسبة %14. أما القطن، وهو مصدر هام للنقد الأجنبي، فقد تقلصت الأراضي التي زرعت به بنسبة %63 وعد الوزير بأن الحكومة ستقدر على معالجة الوضع. وعلى الصعيد الأهلي، فقد حذرت الأحزاب السياسية المعارضة واتحادات المزارعين من خطورة الوضع وقالت إن الشهور القادمة ستشهد تفشي المجاعة أو ما يشبهها في كثير من أنحاء البلاد. ومن الحقائق التي أعلنها هؤلاء أن %50 من المناطق المزروعة في منطقة القضارف (وهي أهم منطقة لزراعة الذرة، والتي تعد الغذاء الرئيسي لأغلب السودانيين)، أصبحت خارج دائرة الإنتاج. أما في منطقة سنار فالنقص في الإنتاج يقدر بنحو %20، وتزيد نسب التدهور أو تقل قليلا في كل المناطق الرئيسية لإنتاج الذرة، ومنها منطقة "هبيلة" في كردفان، وكذلك منطقة الدندر والرهد وغيرها. ونبحث عن أسباب هذا التدهور الذي ينذر بمجاعة قادمة في الطريق. يتضح من تصريحات المسؤولين أنهم يعزون هذا التدني في الإنتاج الزراعي لسبب واحد هو شح الأمطار هذا العام. وهذا تعليل صحيح للأزمة، لكنه ناقص لأنه يختصر المشكلة في سبب واحد ويهمل أو يتناسى الأسباب الأخرى التي يمكن حصرها في التالي: - اتجاه الحكومة نحو الاهتمام بالبترول وإعطاء عناية جادة وعملية للقطاع الزراعي بشقيه؛ زراعة الأراضي الصالحة للزراعة والعناية بالثروة الحيوانية. - سوء السياسات وعدم التخطيط في ذلك القطاع الحيوي (الزراعة). - تحميل المزارعين عبئاً ثقيلا من الديون مما انتهي بعضهم إلى السجون، بينما هرب آخرون تاركين مواصلة مهنة الآباء والأجداد. - تصفية مشروع الجزيرة العملاق المؤهل لزراعة أكثر من مليوني فدان، والسعي لخصخصته وبيعه للقادرين من المواطنين أو الأجانب. وقد كثرت وتعددت الأصوات المنادية بإلغاء ما يسمى "قانون مشروع الجزيرة" لعام 2005، وشملت قائمة المطالبين "اتحاد مزارعي الجزيرة" الموالي للحكومة. لكن لا مجيب حتى الآن لتلك الصرخات المتتالية. -تفشي الفساد الذي طال كل أو أغلب أجهزة الدولة، وقد أعلن على لسان مؤسسات عالمية محترمة أن السودان انحدر إلى مقربة من القاع مقارنة بالدول العربية، وحتى الدول الإفريقية. وهناك أمل ضعيف أعلنه وزير الزراعة حيث تحدث عن وجود مخزون استراتيجي من الذرة في منطقة القضارف قدره 100 ألف طن يمكن أن يكفي لتغطية الحاجة لهذا المنتوج خلال عدة أشهر قادمة، لكن بعد ذلك تبدو الصورة كالحة. وإلى وقت قريب كان يُؤمل من السودان أن يصبح سلة غذاء العالم العربي، بل بالغ البعض في تفاؤلهم فزعموا أنه يمكن أن يصبح سلة غذاء العالم. والآن، لا هذا ولا ذاك قد تحقق، فالسودان يبحث عن وسائل تحميه من شبح المجاعة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©