الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نماذج الخصوبة والعقم في الفكر

نماذج الخصوبة والعقم في الفكر
23 يونيو 2010 20:39
تعزز المشهد الثقافي المغربي والعربي بصدور كتاب رايا دوناببقسكايا (1910 ـ 1987)، وهي فاعلة اجتماعية نشيطة ومنظرة معروفة في أوساط الحركة العمالية واليسارية بأمريكا. وتعدّ المؤلفة “مؤسسة لفلسفة الإنسية الماركسية بأمريكا ومنظّرة للتحرر النسوي. وطيلة حياتها التي قضتها في الحركة الاشتراكية، أغنت المؤلفة نظرية رأسمالية الدولة، وفلسفة الإنسية الماركسية كما هي متأصلة بين العمال السود، والحركات النسوية بالولايات المتحدة الأمريكية”. ومنذ أواسط الخمسينيات طورت رايا” فلسفة الإنسية الاشتراكية”. ونشرت كتابها المهم “الاشتراكية والحرية”، والذي أعاد تأسيس “الأصول الأمريكية والمفاهيم الإنسية الأممية لفكر ماركس”. وترجم هدا الكتاب إلى عدة لغات هي الإيطالية والفرنسية والصينية واليابانية والاسبانية والفارسية. وخلال ما يربو على أربعة عقود من العمل السياسي والنظري، قامت رايا دوناييفسكايا بإظهار “تلازم الفلسفة والتغيير الاجتماعي كجدلية للتحرير. وقد طورت تلك المفاهيم وصاغتها في ثلاثة أعمال بارزة هي: الماركسية من 1776 إلى اليوم، الفلسفة والثورة من هيجل إلى سارتر، ومن ماركس إلى ماو، روزا لوكسومبورغ: تحرير النساء وفلسفة الثورة عند ماركس 1981. إلى جانب ما سبق نشرت دوناييقسكا مجموعة أعمالها حول الحركة النسوية في كتاب: تحرير النساء وجدلية الثورة. ومند وفاتها قام زملاؤها بنشر مجموعة كتاباتها حول نظرية رأسمالية الدولة ـ مقاربة الإنسية الماركسية لرأسمالية الدولة ـ في 1992، وحول الديالكتيك الهيجلي ـ سلطة السلبية: مختارات حول الديالكتيك عند هيجل وماركس في 2002”. وقد برع في ترجمة هذا الكتاب القيّم الباحث المغربي المعطي منجب بتكليف من مؤسسة فيكتور فيكتور سيرج. عن الحرية في تقديمه لهذه الترجمة يقول المعطي منجب: “إن من بين الدواعي التي دفعتني إلى رفع هذا التحدي أن اليسار العربي لم يهتم بالقدر الكافي بمسألة الحرية في الماركسية والتيارات الفكرية المستلهمة منها أو من الاشتراكية بشكل عام. فهذا الكتاب في طبعته العربية يهدف من بين ما يهدف إليه إلى إثارة الاهتمام لدى القراء العرب بمن فيهم المختصين الأكاديميين في تاريخ الفكر السياسي إلى أن الاتجاه التحكمي داخل الحركة الاشتراكية ليس إلا اتجاه من بين اتجاهات أخرى تجاذبت الفكرة الاشتراكية. فكما حدث لكل المنظومات الفكرية الكبرى، بما فيها الديانات التوحيدية، فإن كل حركة اجتماعية أو سياسية أوّلتها حسب سلم القيم السائد في البيئة الثقافية التي تمتح منها أو حسب الظروف التاريخية والاقتصادية وأحيانا تبعا للمصالح السياسية الآنية. إن نصوص دوناييفسكايا تتميز بعمق فلسفي وفي نفس الوقت بحس واقعي ندر عند الماركسيين الأرثودوكس. وهي مع كل هذا، كما يؤكد غريمان أحد رفاق دربها الشباب، مفكرة عصامية خالصة. فهي لم تدرس بهارفارد أو إيم آي تي لكنها أفحمت أساتذة مثل هذه المؤسسات الذائعة الصيت فاعترفوا بحذاقتها الذهنية الرفيعة عند نقاشها لهم حول الحرية عند هيجل أو حركة التاريخ عند ماركس”. إن تناول رايا دوناييفسكايا لمسألة الحرية ـ برأي المترجم ـ يتخذ شكلين أساسين: نظري وعملي، فهي تحاول أن تبرهن مثلا على أن الرأسمالية كنسق اجتماعي تعمل موضوعيا على مراكمة كل الشروط الممهدة لوجود يتمتع فيه الإنسان، أي إنسان، بالحرية. لكن هذا النظام نفسه ـ أي الرأسمالية ـ يحول دون تحقيق الحرية والعقلانية بل يسير في اتجاه تأييد الكد الذي يحول دون تفتح ملكات الإنسان فردا وجماعية. فهي تناقش بشكل رائع فكرة الحرية عند هيجل. إن دوناييفسكايا تخلص إلى القول إن الحرية هي القوة الكامنة، وهي أهم وأقوى عنصر داخل النسق الفكري الهيجلي. بل إنها تشير ولو بشكل ضمني أن المفهوم الماركسي حول الوعي الطبقي للعامل البسيط يجد جذوره في كتاب هيجل “ظاهراتية العقل” الذي اطلع عليه ماركس الشاب. إن نقاش دوناييفسكايا البالغ الخصوبة لمقولات هيجل حول الحرية والعقل نقاش له راهنية خاصة في المنطقة العربية. فهيجل تحمس بشكل منقطع النظير للثورة الفرنسية وما أحوجنا اليوم ـ يقول المترجم ـ “لعنفوانها التاريخي بمنطقتنا. ومصدر حماس الفيلسوف الألماني هو القطيعة الحاسمة التي حققتها في تاريخ البشرية والمتجسدة في إخضاع الواقع الاجتماعي السياسي للعقل. وكما يقول غازي الصوراني “ما أروع ـ هيجل ـ في قوله “كل ما ليس عقلي يجب أن يصبح عقليا”. فمتى نؤمن بالعقل؟ إن الواقع العربي يجب أن يتحول إلى واقع عقلاني. ذلك هو المدخل الضروري نحو التغيير الديمقراطي المنشود”. إن هيجل يشبه ذلك الطفل المنبهر بالقوة الخارقة لكائن عجيب هو الورح المطلق حيث يقول دون تردد أن نابليون يمثل روح العالم وقد استوت على صهوة جواد، لم كل هذا الانبهار؟ لأن هيجل المثالي قارب 1789 كبرهان على بداية عصر تاريخي جديد، عصر يميزه خضوع أنساق المجتمع البشري للعقل. قراءة دولية يعرفنا هذا الكتاب بشكل موسع على المؤلفة، حيث نقرأ في الصفحات الاولى من الكتاب: أن رايا دوناييفسكايا “كتبت بشكل موسع عن أحداث العالم، والتطورات السياسية في العالم الثالث من الخمسينيات إلى الثمانينيات من القرن العشرين، ولاسيما ما يتعلق بالعالم العربي والشرق الأوسط، وكتبت سلسلة من التحليلات حول الثورة الإيرانية لسنة 1979 ترجمت إلى الفارسية، وانتشرت بقوة بين التيارات الثورية في هذا البلد. انخرطت رايا أيضا في حوار شامل مع العديد من السياسيين والمفكرين منهم بعض المشاهير أمثال هربرت ماركوس، وإيريك فروم، وهانا باتاتو، وأدريان ريش. توجد أوراق ومخطوطات رايا دوناييفسكايا في مجموعة رايا دوناييفسكايا “الإنسية الماركسية ـ نصف قرن من تطورها العالمي ـ 1500 صفحة، المحفوظة بأرشيف واين ستاد أونيفرسيتي الخاص بالشغل والشؤون الحضرية في دروات ميشيغان، وموجودة أيضا في مكتبات أخرى على الميكروفيلم، وهذه المجموعة تحتوي أيضا على مخطوطاتها، ورسائلها، ومسودات كتاب كانت بصدد تأليفه قبل وفاتها وهو “جدلية التنظيم والفلسفة: الحزب وأشكال التنظيم المتولدة عن العفوية”. العالم الآلي تحدثنا مايا دوناييفسكايا في الفصل الأول من كتابها قائلة “إن العالم الآلي الحديث تولد “عن ثلاث ثورات خلال القرن الثامن عشر، وهي: الثورة الصناعية والثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، أثناءها طرحت كل الأسئلة الأولية حول الأزمة الحديثة. وفي الحقيقة فإننا نعيش المرحلة الاساسية للتناقضات التي نشأت عن التصنيع. ومن غير المعقول ألا تتم معالجة هذه التناقضات في عهدنا هذا الذي جابه التصنيع منذ نشوئه. على أن أكبر تجل لهذه التناقضات هو الدولة المطلقة للحزب الواحد. وبذلك يظل المشكل الأساسي مطروحا حول ما إذا كان بإمكان الإنسان أن يكون حرا؟. وتقول “إن مجمل الأزمة العالمية الحالية يتجلى في الحاجة إلى تحول كامل يفرض نظرة فلسفية مستقبلية شمولية. لأنه بإمكاننا اليوم فهم الثورات الفكرية للقرن الثامن عشر أكثر من أي وقت مضى، فقد عملت الثورة الصناعية على هدم النظام الإقطاعي القديم، كما برهن العمل الإنساني، تحت ضغط آلات الحكاية والنسيج والأفران والآلة البخارية للرأسمالية، على إمكانيات مستقبلية لتحقيق ثروة أكبر من اكتشاف الذهب، فتحت آفاق التجارة داخل القارة الأمريكية العذراء، فحتى فقدان المستعمرات في العالم الجديد، لم يحد من تطور الرأسمالية الإنجليزية. على عكس فرنسا المتخلفة عن الركب، التي وقفت فيها الملكية والامتيازات القديمة للنظام الإقطاعي عقبة أمام البرجوازية الناشئة. لقد شهدت سنة 1776 ولادة الدولة الأمريكية، في نفس الوقت أصدر فيه آدم سميث مؤلفه “ثروة الامم”، الذي طبع نشوء الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، حيث كان للثورة الصناعية وقع كبير على الاقتصاد السياسي الإنجليزي، كما كان للثورة الفرنسية نفس الوقع على الفلسفة المثالية الألمانية، مما نتج عنه النظيمة الفلسفية لجورج ولهيلم فريدريخ هيجل، وكان آنذاك أكبر فيلسوف مثالي ألماني. ولا يمكن فهم هذه الثورات الفكرية بشكلها الكلي إلا على ضوء الثورات الحركية، خاصة التطور الحاصل في الثورة الفرنسية الكبرى.” إضافة إلى محتوى وأهمية الكتاب ومؤلفته تتحفنا المقدمة القيمة التى كتبها المفكر والفيلسوف الألماني الشهير هربيرت ماركيوز . صدر هذا الكتاب في طبعته الإولى 2010 عن “دفاتر وجهات نظر” وبمساهمة مركز إبن رشد للدراسات والتواصل ومركز فيكتور سيرج بفرنسا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©