الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نون النسوة».. ضمير قارئ مبني على الحركة

«نون النسوة».. ضمير قارئ مبني على الحركة
20 ابريل 2011 20:00
في لحظة وعي فارق، ربما، تحسست مجموعة من النساء الإماراتيات والعربيات المقيمات في الإمارات عطشاً للثقافة والمعرفة، فقررن أن يجتمعن معاً، من كل الجغرافيات والأمكنة، وبكل الشوق والتوق المعرفي، ليتشاركن شغفهنَّ بالقراءة، هذا الفعل الفرداني الحميم الذي يعيشه المرء في طقس عزلوي اختياري ليصطاد فرحه ويرحل به ومعه على أجنحة الخيال الى عوالم الإبداع والمبدعين. قررن أن يخرجن هذه الخبرة الشخصية جداً الى حقول الفعل الجماعي، وأن يتقاسمن جمالها ومتعتها معاً في أحضان مكان صغير وحميم استطاع أن يؤلف بين عقولهنَّ و... قلوبهنَّ، وأن يمنحهنَّ من الفرح ما يخفف وطأة الشعور بالغربة وفقدان الأهل والوطن. هكذا نشأ “الملتقى” الصالون الثقافي الذي أسسته وتديره أسماء صديق المطوع، والذي تلتقي فيه 20 امرأة من الإماراتيات والعربيات المقيمات في الدولة كل أسبوعين لمناقشة رواية يكنَّ قد اتفقن سلفاً على قراءتها ومن ثم مناقشتها في جمعهنَّ هذا الذي التأم منذ 11 عاماً وما يزال. لم تكن طريقهنَّ إلى “الملتقى” مفروشة بالورود لكن رغبتهن في الاقتراب من ذلك النور الرائع: نور الوعي، جعل الصعب أمامهنَّ سهلاً، وحوَّل بعض الصعوبات والعقبات النابعة من طبيعة الظروف المجتمعية آنذاك إلى حوافز تدفعنَّ اكثر للتمسك بهذا الحلم الذي بدأ يولد أمامهن ورقة ورقة... وفي مكان ما، غائر وبعيد في أرواحهنَّ كانت تنمو ورود المحبة حاملة في كل يوم صداقة تكبر... وفي مكان ما، موارب وبعيد، خلف حائط الزمن كان النجاح ... ينتظرهنّ. كان ما حدث شبيهاً بـ (اقرأ غصباً عنك)... هكذا بدأ الحديث عن “الملتقى”، وهنا التفاصيل... الحكاية من أولها تعود بداية تأسيس “الملتقى”، إلى العام (1999)، عندما قررت مجموعة من النساء أن يعملن معاً عملاً ثقافياً مشتركاً.. بدأن في تجمع نشأ في أول الأمر “صغيراً - كما تقول أسماء المطوع - ثم نضج واشتد عوده حتى صار ما هو عليه الآن”. وتعيد المطوع السبب في نشأة “الملتقى” إلى شحِّ القراءة الذي دفعها الى التفكير “بتأسيس ملتقى أو منتدى ثقافي قرائي وجعله ضرورة وأولوية لا يمكن تجاوزها، لذا كان ما حدث شبيهاً بـ “اقرأ غصباً عنك”. ولأن الأعمال المغايرة تبدأ من الذات، من حماسة شخصية ورغبة مؤرقة، اندفعت المطوع الى الفكرة مسنودة بتجربتها الذاتية المتأثرة بوالدها صدّيق “رحمه الله”، الذي كان - حسب قولها - “قرّاء كبيراً” وبدعم زوجها (أبو غانم) الذي أعتقد أنه ممن تنطبق عليهم مقولة مشهورة هي: “وراء كل رجل عظيم امرأة” مع تعديل بسيط تصبح بمقتضاه كالتالي: “إلى جانب كل امرأة ناجحة رجل منفتح ومتفهم”. وذات يوم التقت المطوع بامرأة أميركية من أصل يوناني تدعى (دمي) تدير صالوناً ثقافياً أجنبياً. كانت تلك “مفارقة حقيقية” - حسب وصفها - لكن الحسنة الكبيرة التي خرجت وصويحباتها منها تمثلت في “التعرف على المزايا والآفاق التي يمنحها صالون أدبي يكون روّاده وأعضاؤه من المواطنين والجالية العربية في أبوظبي”. هكذا بدا لها أن الفكرة معقولة تماماً، فشرعت بتأسيس الصالون. وكان يضم في عضويته وقتذاك: شهلاء خلفان، ريم المتولي، سلامة المريخي، رنا منزلجي وزينب فرح، وتم الاتفاق على توسعته بترشيح عضوات يتوفر فيهن أمرين اثنين: حبّ القراءة ومحاولة تفعيلها. بمرور الوقت غادر “الملتقى” جدرانه وحيِّزه التقليدي فبات يستضيف أهم المبدعين العرب والأجانب الذين تصف المطوع استجابتهم بأنها “رائعة”، وتؤكد أن الأمر برمته “تم بمبادرة فردية وباستجابة من المبدعين”، وتقول: “هنا أود الإشارة إلى أن فكرة المكان لم تعد هي الأمتار المربعة التي يمثلها الصالون، بل إن كل عضو من أعضاء الملتقى يشكل جزءاً من المكان، وبتمام الأعضاء تكتمل فكرة المكان.. فالأعضاء هم المكان الحقيقي، وهم صالون “الملتقى”. تراسل الأثر مع اتساع قاعدة معارف الملتقى، بدأ يحقق نوعاً من تراسل الأثر المجتمعي، وأخذ في الخروج إلى المحيط بشكل مؤسساتي وبحلة مختلفة. من هنا شارك “الملتقى” في معرض أبوظبي الدولي للكتاب منذ عام 2009 بشكل مميز، ولفتت مشاركته الأخيرة في 2011 انتباه الجمهور والفعاليات الفكرية والثقافية عبر برنامج متكامل أقيم في جناح تم تخصيصه له، ومن خلال مشروعه الموسوم بـ “تلوين اللوحة” الذي حمل فكرة إبداعية خلاقة مفادها تحويل العمل الروائي إلى لوحة، كما وقع “الملتقى” مع مؤسسة الإمارات على اتفاقية تقوم بموجبها المؤسسة بدعم جهود الملتقى في مشروع “مقهى وكتاب” لنشر ثقافة القراءة بين جموع الشباب، وتحويل المقهى إلى فضاء للحوار الثقافي والفكري. وتتوقع المطوع أن “يتمكن المشروع من تشكيل حالة ثقافية اجتماعية تسهم فيها جمهرة من المثقفين ورواد المقهى في الخطة الاستراتيجية الثقافية والمعرفية للدولة بشكل عام ولمدينة أبوظبي بشكل خاص”. وفي سياق تطوره وتعدد غاياته الثقافية ذهب “الملتقى” أبعد في مراميه فاتجه الى الفكر والفلسفة، وأنجب ابنة صغيرة اسمها “المجموعة المفكِّرة”، وهي مجموعة ثقافية تأسست مع جامعة السوربون العريقة تجتمع شهرياً في نقاش فلسفي في علم الجمال. كما استطاع أن (يفرخ) ملتقيات صغيرة في القاهرة وبيروت حملت اسم: “ملتقى أسماء الأدبي في القاهرة” و”ملتقى أسماء الأدبي في بيروت”، تعلق عليها المطوع بقولها: “إن خطوات كهذه تؤكد بلا ريب على نجاح التجربة ومحاولة استلهامها في أماكن مختلفة”.. وإذ تبدي رضاها عن ما وصلت إليه الفكرة تأمل أن يعمل “الملتقى” عبر موقعه الإلكتروني على تسهيل التواصل الجاد مع أصدقاء الملتقى من المثقفين والمهتمين بالقراءة، بالإضافة إلى تعميم التجربة، ليس على المستوى المحلي وحسب، بل الإقليمي والعالمي أيضاً. لكن لماذا الرواية؟ تجيب أسماء المطوع: “لم يكن خياراً سهلاً، بل وكان أحد المعوقات التي واجهتنا، لأنه يلمس جوهر عمل الملتقى، فكان علينا إيجاد من ينحاز إلى هذا الخيار. وبالطبع لم يكن ذلك ممكناً لأنه سيكون على حساب التفريط بالأجناس الأدبية الأخرى. كانت الرواية خياراً جوهرياً لأنها تشتمل بالضرورة على مجالات أوسع للنقاش وتبادل الآراء التي تقود إلى الاختلاف الصحي، وهو ما كنا نبحث عنه. فالاختلاف ميزة مدهشة والرواية جعلتنا نواجه هذه الميزة الفريدة بحب. كما أن الرواية، بطابعها الحكائي، تؤمن مساحة واسعة من الأفكار والأمكنة والثقافات والبيئات. إنها جغرافيا هائلة وكبيرة تمنحنا القدرة على أن نكون جزءاً من نسيجها حتى نجد أنفسنا ملتحمين بها. وفي هذه السياقات وجدنا أن الرواية ساعدتنا في التواصل مع أنفسنا، وجعلتنا من خلال قوانينها في السرد والحبكة والنمو الدرامي مشدودين إليها”. النسوة.. واستبطان الذات كان من نتاج تلك الحالة الجدلية والحوارية المتنامية أن تغيرت قناعات عديدة لدى المشاركات، سواء على صعيد الشخصية والسلوكيات الحياتية أو على صعيد النقد والقراءة وطرق التعامل مع العمل الإبداعي... لقد كسبنَ أشياء وتركنَ أشياء وتعلمنَ الكثير، وهنَّ يجمعن على الدور المهم الذي لعبه “الملتقى” في إنضاج وعيهنَّ النقدي، وتطوير ملكة الكتابة لديهن، وعلى الطابع الديموقراطي الذي يسود النقاش وجو الحرية الذي يوفره. ويؤكدن على طابعه الإنساني بوصفه تجربة شخصية واجتماعية ثرية حملت في داخلها كماً كبيراً من الدفء والمودة والتناغم – رغم اختلاف الجنسيات والأعمار والخلفيات الاجتماعية والطبقية – يصعب أن يتوفر في جمع كهذا حتى وصلنَ الى مرحلة يشعرن فيها أنهن أسرة واحدة، وأن لقاءهن ضروري ومهم، بل ويأتي في قائمة أولياتهنّ. تصف “أمينة الهندي” انضمامها الى “الملتقى” بأنه “من أهم الاحداث في حياتي”. وتعتبر تعرفها الى سيدات الملتقى “نوعاً من الغنيمة” وتقول: “أصبحت في السنوات الأربع الاخيرة، وهي عمر وجودي فيه، اكثر نضجا ووعيا، وتعلمت كيف اقرأ نقداً وأنقد ما أقرأ وما ينقده غيري”. وترى “جميلة خانجي” أن الملتقى “رحلة استكشافية نغوص فيها في أعماق ذواتنا حيث تجتهد كل واحدة منا في التعبير عن وعيها بالرواية، ودرجة تفاعلها وتذوقها لمعانيها المباشرة والرمزية”. ويمتد أثر هذه التجربة الفريدة الى تنمية الذات وتوسيع الثقافة والإفادة من الوقت بعيداً عن الخوض في صغائر الأمور، ولهذا تنظر إليه خانجي باعتباره “محاولة تنموية جادة وتجربة ثقافية أثرت بشكل خاص في تطوير الذات”، كما أنها تجد فيه “ترجمة لمعنى التزام الانسان، وخاصة المرأة، التزاماً بدافعية ذاتية نحو التنافس الثقافي الايجابي والموضوعي والمحايد بحيث تكون المكافأة الحقيقية لنا هي متعة القراءة وتذوق وعينا بها”. ويحمل الملتقى، حسب خانجي، رسالة سامية وهو “تقنية ممكنة وممتعة لعلاج حالات الإرهاب الفكري والأيديولوجي والاجتماعي الذي نعاني منه في زمننا هذا، وهو أداة لتفعيل قيم التواصل الإنساني بما تحمله من عناصر كاحترام الغير والتسامح حتى لو اختلفنا في الآراء”. وترى “خديجة حمودة” في الملتقى “مدداً ثقافياً راكم لديها رصيداً من المعرفة والخبرة عبر القراءة، التي تبرز من بين وسائل مختلفة للمدد الثقافي تبزُّ في فعاليتها وسائل أخرى استحدثت في القرن الماضي وما لبثت أن اكتسبت صبغة مادية تجارية تخبو فيها القيم الثقافية”، وهي هنا تشير الى شيوع نمط من “التثقف التلفزيوني” الذي تعترف أن تجربة القراءة التشاركية خلصتها منه، إذ “تبدل ذلك النمط التلفزيوني لديَّ لصالح القراءة كنهج أساسي لنهل الثقافة، وصرت أكثر التزاماً بالقراءة مقابل الوسائل الاستهلاكية الشائعة”. وتنظر “رنا منزلجي” الى الملتقى بوصفه “نسيجاً ثميناً في حياة كل منّا، وقد زاده البعد الاجتماعي متانةً حيث الصداقات التي تكونت بُنيت على أساس قوي من الفهم المتعمق للآخر”. وتنوه إلى قيمة الموضوعية التي يتحلى بها الصالون مؤكدة أن “شعاره دائماً أن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية، بل هذا الاختلاف هو ما يولّد الإثارة والمتعة الفكرية التي نشعر بها بعد كل لقاء”، بيد أن هناك ما هو أعمق، حيث أخذتها فكرة التحاور والنقاش “إلى تقنية مختلفة من القراءة فيها تركيز أعمق، وقراءة لما بين السطور، وتأويل للواقع، وسبر لأغوار الأفكار بطريقة تحليلية توصلني للتوقف عند منعطفات في الكتاب وفي دواخل نفسي لم أكن لأتوقف عندها في قراءتي الشخصية”. إدمان جميل بدأت ريم الصواف زكريا رحلتها مع “الملتقى” منذ تأسيسه، وبات مع الوقت جزءاً من المشهد اليومي لحياتها وضرورة لا تستغني عنها. كانت تبحث عن شيء مختلف يضفي على حياتها طابعاً مميزاً ويوسع أفقها الذهني والثقافي، فحصلت عليه بانتسابها للمجموعة، ولهذا تعتبر الفوائد التي حققتها “كبيرة وثمينة جداً” تذكر منها: “احترام رأي الآخر، واحترام الكاتب والكتاب وتقدير مهنة الكتابة، والقراءة ما بين السطور الأمر الذي ساعدني في إنضاج الوعي النقدي للرواية، والثقة في عرض أفكاري ورأيي أمام المجموعة، بعد أن كنت أشعر برهبة عند الحديث”. ومثل ريم الصواف بدأت ريم المتولي علاقتها مع “الملتقى” منذ تأسيسه، وهي تصفه بـ “ملاذ وإدمان”، وتضيف: “حين اتّقدت فكرة “الملتقى” تحمستُ، وخطوت بحب وراء ما أحب، فباتت له بصمته الخاصة في حياتي. وإذا كنّا قد قرأنا عشرات الكتب وأفدنا منها، فإننا استطعنا أيضاً أن نتآلف إنسانياً.. ونتعلم من تجارب بعضنا البعض لصياغة سمات شخصياتنا، فبات مع الأيام ملاذ أرواحنا، وإدماناً منعشاً يهوّن حدة الواقع”. وتذهب زينت صالح فرح الى منحى آخر وهو اكتساب معرفة كيفية انتقاء الكتاب العربي. تقول: “لقد دفعني الى الانضمام فضولي وعدم مقدرتي على انتقاء كتب بالعربية لأن الكتاب العربي قليلاً ما يُعرِّف بالكتاب أو موضوع الكتاب كما الحال في الكتاب الإنجليزي مثلاً”. لكن الأمر صار أبعد من ذلك، وتشرح قائلة: “باتت المودة بيني وبين سيدات الملتقى هي المحرك لما أقرأه لأنني أترقب بفارغ الصبر السويعات التي أقضيها برفقة أخواتي في الكتاب التي منحتنا القدرة على تحملنا لبعضنا البعض وللأفكار الجديدة أو الغريبة”. بالنسبة إلى سعدية الجابري العبادي يتميز الملتقى بأنه “حلقة رائعة تأخذ القراءة بشكل جدي جداً وليس لمجرد التسلية وملء الفراغ”. أما انضمامها إليه فقد “أحدث تطوراً نوعياً في طريقة تعاملي مع الكتاب والرواية، فقد كان عليّ أن أجد أسلوباً لأنقل ما تعلمته وما استفدت منه، وأن أبحث عن خلفيات الأحداث وما وراء الشخصيات ليكون نقاشي على مستوى نقاش باقي الأخوات. ولهذا كنت في كثير من الأحيان أبحث عن مصادر لأؤكد أفكاري واستنتاجاتي وأوضحها”. وتعتقد سلامة درويش أن فكرة الصالون الأدبي “فكرة عظيمة لتشجيع القراء على القراءة والبحث”، وتلمح الى أن اللقاءات بالنسبة إليها “ضرورة، وليست تسلية”، وأن الملتقى كان له “تأثير إيجابي واضح على عضواته”. وترى سلامة المريخي أن فكرة الصالون هي “فكرة خلاّقة ومبدعة تنم عن إدراك كبير وبصيرة ثاقبة”، وتقول: “إن البعد الثقافي يُتيح لنا الالتقاء بالمثقفات العربيات، كما يُسهم في زيادة الثقافة والاطلاع على كل ما هو جديد في عالمنا. أما الفائدة التي جنيتها فهي كبيرة ونفيسة فقد أسهم الصالون في فتح آفاق جديدة ما كنت سأبلغها، وأسهم في توسيع مداركي ومعرفتي وفهمي لأمور كثيرة كانت تغيب عن مخيلتي، وقد أثر على شخصيتي من الناحية الثقافية والاجتماعية، وأسهم في بناء عملية التحليل النقدي لديّ وعزز فكرة تحويل الرأي الى فكرة مدونة يتم نقاشها”. كسر الروتين المعرفي انضمت “سميرة سمرين” الى “الملتقى” لتحسن لغتها العربية وتتعرف على أنواع مختلفة من الأدب، وقد تحقق لها ذلك. واليوم لا تعاني مشكلة الفهم والاندماج مع المجموعة التي وجدتها في البداية بسبب عدم تمكنها اللغوي، وتعيد الفضل في تحقيق “هذا المستوى الاندماجي”، حسب قولها، إلى “الملتقى” وتجربته. وهو في رأيها “يفتح، وبشدة، آفاق الثقافة والمطالعة، ويُعطي فرصة للتعرف على المبدعات ويُثري الإبداع”. وبانضمامها الى الملتقى شعرت “سيما أحمد اللنجاوي” أنها دخلت “حديقة الرواية العربية وسماء الأدب”، حسب قولها، وهو ما تعتبره “إضافة هامة لي في حياتي، بعد أن كان اهتمامي منصباً على مجال تخصصي الدراسي في الهندسة ونظم المعلومات، وقد شعرت أنها حقاً تمثل انعطافة في سيرتي الذاتية وكسراً للروتين اليومي، خاصة وأنا بعيدة عن وطني البحرين وأسرتي”. “شهلاء خلفان”، من المؤسسات أيضاً، لكن علاقتها بالقراءة لم تبدأ مع “الملتقى” بل منذ نعومة أظافرها لأن القراءة هوايتها الأولى. وتجد أن “فكرة الانضمام بحد ذاتها جيدة، وجعلت من الكثيرات يعشقن القراءة”. وتعتقد أن الصالونات بعامة “تسعى الى تكريس الهم الثقافي والاجتماعي”، وتشير إلى أن “الاقتصار على الرواية مدة طويلة يجعل المرء محدود المدارك. لذا يجب الاهتمام بمعارف أخرى منها: معرفة شخصيات عالمية، والأديان والمعتقدات وعادات الشعوب، والوقائع التاريخية والآثار وغيرها”. أما عايدة قسيسية فقد ترجمت إعجابها عملياً بأن نظمت - كما تقول - مجموعة أسمتها “سيدات النخبة”. وتضيف: “أشعر أن لي تأثير على محيطي بالنسبة لرأيهم في الأدب”. وتؤكد أن “قراءاتي ومناقشاتي للكتب جعلتني أتعامل مع الجميع بتعقل وتفهم وتعاطف، فأضفى هذا تقديراً واحتراماً أعمق لعلاقتنا”. وتصف غادة تحسين جماعة الملتقى بأنهن “عصبة” وتقول: “بداية كان هناك كتاب ومضمون وكانت هنالك فكرة. نقاش وآراء وتحليلات.. وبمرور السنين توطدت رابطة الكتاب بين العضوات وأصبحنا عصبة وأصبح التفريق بين المنحى الثقافي والاجتماعي صعباً علي”. وترى أنها منذ انضمامها للمجموعة ازدادت “نضجاً ثقافياً من حيث تقبل الرأي الآخر واحترامه، ومن حيث طريقة طرح الموضوع ومناقشته وصقلت عندها موهبة الاستماع والاستمتاع”. مختبر الفتنة مع الدهشة، والرغبة في معرفة عوالم جديدة أوسع، بدأت علاقة فاتنة السراج مع “الملتقى” الذي تقول عنه: “لقد صنعنا من خلاله عالمنا الخاص وصومعتنا الخاصة وابتدعنا كوناً شخصياً مستقلاً هدفه الإبداع وتذوقه. واختبرنا سحر الكلمة وفتنة البيان وقدرة اللغة الأدبية على عبور الحدود والسدود واختراع المعجزات”. وتصف “السراج” الفوائد التي تحققت لهنَّ بأنها “أدارت رأسي ورأس كثيرات من زميلاتي الجميلات كأننا في مغارة علي بابا، نلتقط الكنوز واحداً تلو الآخر، كان رأسي يمتلئ مع كل رواية بالمعلومات التي خلقت عندي الوعي النقدي، حيث حفزني الصالون على العمل والدراسة من خلال البحث في المكتبات الأدبية عن كتب النقد لدراسته ليكون سنداً عند نقدي للرواية”. وترى كريمة الشوملي أن “الملتقى” “استعادة لزمن القراءة واستغلال أي لحظات مسروقة من هموم الحياة والوجود في القراءة، وأنه مبادرة تدعو للتفكير بطريقة مختلفة، فتفتح النوافذ بين الأنا والآخر، كما تفتح فضاء آخر على الذات”، مؤكدة أن ما يلفتها فيه هو “وجهات النظر المختلفة التي تعتمد على النقد الموضوعي وإبداء الرأي بحرية لا تحدها قيود حمراء ولكن المعيار هو الذائقة والجمال والصدق”. أما “موزة الهاملي” فتعلمت من التجربة أن ترى المواقف والشخوص “بصدر أرحب وحكمة أكبر، وأن لا تصدر أحكاماً عشوائية على البشر بمختلف جنسياتهم ودياناتهم وأفكارهم، وأن تضع دائماً نفسها في مكان الطرف الآخر والشعور بما يشعر”، وكل ذلك وسع مداركها وأفكارها وحبها للناس والحياة على حد تعبيرها. وترى أن الصالون “أدخل على أعضائه تطوراً في ملكة التحليل والنقد الأدبي بشكل أعمق. أما على صعيدي الشخصي فقد تمكنت من إخراج وإبعاد أفكاري ومعتقداتي الشخصية التي أؤمن بها من التأثير على محتوى وجمالية النص، ونقده بشكل موضوعي بعيداً عن الأحكام الشخصية”. ويتجلى جمال الصالون في أنه “مهما كانت الاختلافات في وجهات النظر، ومهما احتد النقاش والجدال، ففي النهاية اختلاف الرأي لا يفسد للود والمحبة قضية”. وتنبه “ناديا طرابيشي” إلى أن فكرة قيام هذا الصالون وغيره “ضرورة حتمية في عصر تنتشر فيه بكثرة الصناعة الهوليودية والفضائيات، ما يستلزم تثبيت موقع الكتاب في طليعة وسائل نقل المعرفة”. وتشير الى أن اجتماعهنَّ “تحول من حلقة نقاش حول كتاب الى محفل ثقافي بحت، بفضل النشاطات الثقافية الأخرى التي نمارسها. وقد ساهم هذا التنوع في صقل مهارة الاستماع عندي وفي تعزيز القدرة التعبيرية لدي، وأصبحت نشوة القراءة تكتمل عندي بكتابة نقدي الذي كنت أشعر تدريجياً بغناه اللغوي وبشموله على عناصر النقد بشكل افضل”. من جهتها، تخرج نهى صُليب من كل جلسة “متشبعة بغذاء روحي وذهني يساعد على الرقي والتفاعل مع المجتمع بطريقة أفضل”، فالصالون بالنسبة إليها “وعاء كبير لاحتضان الثقافة والفكر، وتغذية عملية التخيل والتصور، وتوسيع مدارك الذهن، وتحسين الحس الفني والجمالي للغة العربية”، وقد أحدثت لقاءات “الملتقى” تغييراً شاملاً في كيانها وفي طريقة تفكيرها وحكمها على الأحداث وأضافت لها، على ما تقول، مركز رؤية تحليلية يحلل دائماً قبل الحكم واتخاذ أي قرار. والخلاصة - تضيف - هي أني تشبعت بثقافة أصيلة خدمت فكري الإنساني، فيما صار الملتقى أشبه بـ “جامعة دول عربية مصغرة محبة لبعضها البعض”. وتلفت نور تميمي الى أن الصالونات “تفرض التزاماً بالقراءة، كما تُعطي فرصة للتآلف حول أمر موحد بدلاً من الأحاديث العادية”. ويمثل الصالون الأدبي بالنسبة لها فرصة للبوح وحرية التعبير، وتضيف: “إضافة الى كون الملتقى هو مساحتي الزمنية للتعبير الحر عن نفسي، فإن الاستماع الى الآخرين قد أثرى أفكاري”. وهي ترى أن قراءة رواية ما، ومن ثم الاجتماع مع صاحبها “خبرة مثيرة فعلاً”، كما أن هذه التجربة برمتها بمثابة “مكافأة للقارئ إذ يشعر أنه أنجز مهمته على أكمل وجه”. وتلمح الدكتورة هاجر الحوسني الى “الجدية” التي تسم عضوات “الملتقى” و”التزامهن بالوقت والاختيار الموفق للكتب والمؤلفات التي تتم مناقشتها”. وتقول: “بالرغم من قصر فترة انتسابي لهذا الملتقى إلا أنه كانت لهذه اللقاءات فائدة أدبية ومعرفية كبيرة لي، سواء من النقد الأدبي للأخوات أو من الضيوف الأدباء والكتّاب الذين يشاركون في جلساته. هذا بالإضافة الى الفائدة النفسية التي حصلت عليها نتيجة المشاركة في مجال يختلف عن المجال العلمي الذي اعتدت عليه”. عشقها للقراءة وشغفها بالأدب دفع “هناء صبحي” كغيرها من السيدات المشاركات للانضمام الى ما وصفته بـ “هذا التجمع الثقافي الرائع والعرس الأدبي الحقيقي” حيث تختلف الآراء وتتصادم أحياناً لكنها في النهاية إثراء لنا جميعاً. معقبة بما يشبه الاعتراف: “ما أحلى “الملتقى” إنه نافذتي وملاذي”. أما “هنادي غزّاوي الصلح” فلها مع الكتاب حكاية تطول فصولها، لكنها تختصرها بالقول: “كان الكتاب دائماً صديقي، هديتي في أعياد الطفولة، وملاذي الذي كنت أهرب إليه في بيننا العتيق الذي صار اليوم موغلاً في الذاكرة. ذلك الكتاب الذي أخذني من الواقع الى الحلم الملون الأساطير، مكوناً حضوري وشخصيتي، عاد ليدركني في مرحلة أخرى غيرت حياتي، اذ أخرجني من مرحلة القراءة مع الذات إلى القراءة مع المجموعة”. كان ذلك - كما يبدو - تغيراً نوعياً، فمنذ تلك اللحظة التي تزيد على عقد من الزمن، صار يوم النقاش “يوم فرح واحتفالية، يوم اجتماع عائلي يدعم لي، عند كل مناقشة، بنائي الثقافي والروحي”. وهي ترى أن سمعة “الملتقى” الطيبة جاءت لأنهن “أخذن الكتاب بجدية وفرضنها على كل من حولهن”، وتختم: “الملتقى” كتاب يُقرأ وصوت يُسمع، وحوار يُعمق، وأفق يتسع، وحدود عربية تُمحى واحترام يتجلى في احترام الآخر ورأيه، وتجربة رائعة. وأنا لم أكن لأكون ما أنا عليه اليوم لولا خوضي لتجربة البوح هذه، وكسر حاجز الصمت”. الآن، وبعد مرور أكثر من عقد على التأسيس بات “الملتقى” واحداً من الفعاليات الثقافية التي تمارس حضوراً لافتاً على صعيد مؤسسات المجتمع المدني، ما جعل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” تعتبره واحداً من أنديتها الـتي يبلغ عددها 3700 ناد تنتشر في قرابة 100 بلد وترعى نشاطاته، كما دفع مهرجان الجنادرية الثقافي في العام السابق 2010 إلى تكريم مؤسسته وصاحبة فكرته أسماء صدّيق المطوع ضمن نخبة من رائدات الثقافة والأدب تقديراً للجهود التي بذلتها في تأسيس وإدارة هذا الصالون الأدبي الذي عزت هي نجاحه إلى “جهود عضواته الكريمات”. لكن الأجمل من هذا وذاك، أن عضواته قرأنَ وناقشنَ طوال هذه السنوات 216 رواية عربية وعالمية، وهذا وحده ما يبقى في الروح، وهو الكفيل بأن يؤشر على أهمية “الملتقى” ومنحه من القيمة والألق ما لا تمنحه كل شهادات التقدير والمشاركة. ويبقى أيضاً الإعجاب بـ “نون النسوة” التي لم تعد ضميراً يتصل بفعل مبني على السكون بل بفعلٍ قرائي مبني على الحركة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©