الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأميركيون ينعون ثقافة الفرنسيين

الأميركيون ينعون ثقافة الفرنسيين
20 ابريل 2011 20:00
نعت مجلة “تايم” الأميركية في نسختها الأوروبية، وفي مقال بقلم دونالد موريسن ما سمته: “موت الثقافة الفرنسية”. وهذه ليست المرة الأولى التي ينعى فيها الإعلام الأميركي على الفرنسيين موت ثقافتهم، وذلك في إطار الصراع الإنجلو ـ ساكسوني والفرانكوفوني. ويسوق الأميركيون حججا مختلفة للبرهنة على رأيهم هذا، لكن كاتب مقال مجلة “تايم” أورد هذه المرة حجة جديدة، هي أن الثقافة الفرنسيّة بصفة عامة، والأدب الفرنسي بصفة خاصة، قد “تبرجزت” (أصبحت ثقافة وأدبا برجوازيا) وأنها أصبحت غير قادرة على التجدد والتجديد، ودليله إنه لا وجود اليوم لأديب فرنسي معاصر مشهود ومعترف به على الصعيد العالمي. وقد أثار هذا المقال ضجة وردود فعل حتى أن سفير الولايات المتحدة الأميريكية بباريس نشر مقالا انتقد فيه موقف مجلة “تايم”، وقال لتهدئة خواطر الفرنسيين “إن الثقافة ليست مباريات ومسابقات وليست بضاعة استهلاكية تنتهي بانتهاء تاريخ صلاحيتها”، مضيفا “إن وزارة الثقافة الفرنسية تنفق كل عام 4.4 مليار دولار من أجل دعم الثقافة”. المدافعون عن الثقافة الفرنسية يقولون إن الأدب الفرنسي لم يشهد تقهقرا مثلما ذكرت مجلة “تايم”، وهم يؤكدون إنه إذا تساءل البعض: “أين يوجد اليوم روائي يشبه بالزاك أو فلوبير؟ فإنه يمكن أن نلقي نفس السؤال عن الأدب الروسي أو الأميركي: فأين في روسيا اليوم روائيا في قيمة تولستوي أو دويستفسكي؟”. ويضيف المدافعون أن لا أحد في فرنسا كان يتصور عام 1860 قيمة الروائي غوستاف فلوبير، ذلك أن قيمة الأديب الحقيقية، حسب النقاد، لا تظهر دائما في العصر الذي يعيش فيه، وإن عبقرية الكاتب مهما كان لا يعترف بها معاصروه، وأن وزن أي روائي أو مفكر أو أديب لا يظهر إلا بعد مضي ردحا من الزمن. ويعترف النقاد أن الأدب الفرنسي قد حقق انتعاشة بعد الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية هي المركز للأدب وهيمنت على الثقافات الأخرى. انفتاح فكري والملفت إن الادباء الأجانب المقيمين في فرنسا هم الذين يعطون “نكهة” للثقافة الفرنسية اليوم، ومن بين أهم الكتاب الأجانب الذين يعيشون في فرنسا ويكتبون بلغة موليير الفرنسية ـ وهم كثر ـ الطاهر بن جلون من المغرب، وأمين معلوف من لبنان، وإدواردو مانيه من كوبا، وأندري ماكين من روسيا، ونانسي هستن من كندا، وآنا موييهAnna Moi من الفيتنام، وDai Sijie من الصين، وكذلك جين غرين من الولايات المتحدة الأمريكية، ومرسداس دابمروزس وروجا لازاروفا من بلغاريا، وبيا بنترسون من الدنمارك، وآكي شيمازاكي من اليابان، وجوليو منغيني من إيطاليا، وكلهم ألفوا روايات ناجحة باللغة الفرنسية. وكل هؤلاء أضافوا إلى اللغة الفرنسية وآدابها من خلاصات ثقافاتهم التي اكتسبوها في بلدانهم الأم. وقد حققوا بواسطة كتاباتهم بالفرنسية شهرة عالمية. وتقول نانسي هستن “إن الكتاب الأجانب الذين اختاروا التأليف باللغة الفرنسية هم أكثر انفتاحا فكريا من الكتاب الفرنسيين، لأنهم جاؤوا من الخارج”. ويسجّل لأوجين غرين (61 عاما) وهو كاتب سيناريو وكاتب مسرحي وروائيّ ولد بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو يقيم في فرنسا منذ أربعين عاما، أنه من فرط فتنته باللغة الفرنسية راح يغذي هذه اللغة ببعض المصطلحات الجديدة من خلال فرنسة بعض الكلمات الإنجليزيّة. فكلمة tramway إستبدلها بـ Tramouais وهو يرى في عمله اللغوي هذا مظهرا من مظاهر “المقاومة” ضد ما أسماه “العولمة والاستعمار اللغوي”. جوائز أدبية والجدير بالملاحظة أن عددا قليلا من الكتاب الأجانب المقيمين في فرنسا تحصلوا على أهم جائزة أدبية فرنسية وهي جائزة “غونكور” مثل الأميركي جوناثن ليتل Jonathan Littel، كما فاز بهذه الجائزة عتيق رحيمي، وهو شاعر وكاتب أفغاني مقيم في باريس، عن رواية ألفها بالفرنسية عنوانها: Syngue Sabour pierre de patience “حجرة الصبر” (وهذه الحجرة وفق الأساطير الأفغانية لها قوة سحرية ويبوح إليها الإنسان بأسراره)، والرواية هي قصة امرأة تتذكر، وهي ترعى زوجها المريض ما عانته من حرمان عاطفي وفقدان للحرية، وهي تفتح قلبها لتبوح بكل ما اختزنته في وجدانها، وتسترجع في ألم شريط حياتها. إنها صرخة غضب لامرأة تشعر بالظلم والقهر في صمت وصبر. وعن اختياره لأول مرة الكتابة باللغة الفرنسية يقول عتيق رحيمي: “إن لغتي الأصلية هي اللغة الفارسية، وهي لغة تفرض علي قيودا ورغم إنها لغة تستوعب التعبير بدقة عن الحب والألم إلا إنها لغة تفرض عليّ ممارسة رقابة ذاتية، لذلك وجدت في الفرنسية ملاذا لانطلق للتعبير بكل حرية”. ويعد منح لجنة التحكيم جائزة “غونكور” لكاتب أجنبي حدثا في حد ذاته، إذ على امتداد التاريخ الطويل لهذه الجائزة الشهيرة فإنها لم تمنح لغير الفرنسيين إلا مرات قليلة، وكانت من نصيب الروائي المغربي الطاهر بن جلون مرة، والروائي اللبناني أمين معلوف مرة أخرى. ويرى النقاد أن الكثير من الروائيين الفرنسيين الشبان يكتبون قصصهم انطلاقا من تجاربهم الشخصية، في حين إن الروائيين الأجانب الذين اختاروا الكتابة باللغة الفرنسية مثل عتيق رحيمي أو جوناثن ليتل يكتبون عن عالم خارجي ويلتفتون إلى الآخر خلافا لزملائهم الفرنسيين. ومن بين أشهر الروائيين العرب اليوم الذين يكتبون باللغة الفرنسية الجزائري ياسمينة خضرا (اسمه الأصلي محمد مولسهول) وقد عاش هذا المؤلف وترعرع في الصحراء الجزائرية و له أكثر من 22 رواية كلها مكتوبة باللغة الفرنسية، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 30 لغة. روايته الأخيرة “مايدين به النهار إلى الليل” بيع منها 230 ألف نسخة، وهي قصة عاطفية تدور أحداثها أثناء الحرب الجزائرية، واعتبرت مجلة “إقرأ” LIRE الشهرية الفرنسية المختصة في شؤون الكتاب والأدب ياسمينة خضرا أفضل روائي يكتب باللغة الفرنسية لعام 2008. وردا عن سؤال ردده النقاد ومفاده: كيف أمكن لهذا الرجل الذي كان يحلم بأن يكون شاعرا عربيا بدويا أن يصبح أحد أكثر الكتاب الفرنكفونيين المقروءين؟ يجيب ياسمينة خضرا بقوله: إن المنعرج حصل لديه بعد مطالعته لرواية “الغريب” لألبير كامو، ويضيف: “لقد أدركت أن عبقرية كامو تكمن في بساطته، فقد نجح في أن ييسر فهم العبثية بكلمات بسيطة، وهذا ما شجعني على أن أفكر وأن أكتب باللغة الفرنسية وأصبح روائيا”. واختار ياسمينة خضرا الأحداث التي تدور حوله مواضيع لرواياته، ففي روايته “الاعتداء” L’attentat يروي قصة عملية انتحارية، وفي روايته “خطاف كابول” يعالج مسألة حركة “طالبان” وممارساتها التعسفية ضد العائلات الأفغانيّة الفقيرة البسيطة، وكل هذه الروايات حافلة بالأحداث االساخنة والمواضيع الحارقة المرتبطة بما يدور في العالم، خلافا للروايات التي يكتبها الفرنسيون وجلها تأملات ذاتية ومستمدة أحداثها من قصص شخصية، وهو ما أحدث مللا لدى القراء، والحقيقة ان اللغة الفرنسية أغرت الكثير من الكتاب الأجانب على امتداد القرن العشرين والكثير منهم اختاروا أن يكتبوا بها مؤلفاتهم على غرار الأيرلندي صامويل بيكيت والروماني يوجين يونسكو والتشيكي ميلان كونديرا وغيرهم كثر. يقول ياسمينة خضرا: “عندما أكتب باللغة الفرنسية، فإنها ليست نفس اللغة التي يكتب بها الفرنسيون الأصليون وإنما هي فرنسية خاصة بشخص فرانكوفوني.. إني أسرّب فيها شيئا من حساسيتي كبدوي، وهذا ربما هو سرّ إقبال الفرنسيين على اقتناء ومطالعة رواياتي التي يجدون فيها ما يشدّهم”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©