السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا وأصداء التوجه نحو «الشرق»

تركيا وأصداء التوجه نحو «الشرق»
23 يونيو 2010 21:15
على الدوام كانت تركيا خريطة مفتوحة على جميع الإمكانات بحيث تلامس حدودها الشرقية العراق فيما تجاور من ناحية الغرب أوروبا، وهي المكان الذي تصدح فيه موسيقى بتهوفن جنباً إلى جنب مع صوت الآذان، هذا بالإضافة إلى أن البلد بأغلبيته المسلمة هو عضو في حلف شمال الأطلسي، ومرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وإنْ كانت تركيا في الحقيقة غير مرحب بها من قبل الأوروبيين، فإنها حالياً تضع عينها على الشرق وترسل وسطائها الماليين وتجار الفستق والدبلوماسيين إلى جميع أنحاء المنطقة، هذه المنطقة الموزعة بين البحث عن قيادة جديدة وفي الوقت نفسه متخوفة منها. وبالطبع لا يمكن إغفال المكانة المهمة، التي باتت تتمتع بها تركيا في الشرق الأوسط سواء بمنطق الأمور، أو بتخطيطها هي في ظل تراجع القوى العربية وانشغالها إما بتداعيات الأزمة الاقتصادية، أو الخوف من البرنامج النووي الإيراني، هذا في الوقت الذي صعد فيه نجم تركيا بعد مساعيها للمصالحة مع سوريا، وطي صفحة الخلافات معها وتحسين علاقاتها مع إيران لتصبح- رغم قلق بعض الدول العربية الواضح، المتحدث باسم الفلسطينيين في المنطقة والقوة المتحركة صاحبة المبادرة في الشرق الأوسط. وعن هذا الصعود، يقول "أصلي إيداتسباس"، المعلق بصحيفة "مليات" التركية "إن الحكومة الحالية المحافظة تتبنى أيديولوجية تناسب الشرق الأوسط وعموم العالم الإسلامي، كما أنه لا يوجد مكان لتركيا ضمن أوروبا على الأقل هذا ما يبدو على المدى القريب"، وقد جاءت الأزمة الأخيرة المرتبطة بالهجوم الإسرائيلي الدامي على "أسطول الحرية" المتوجه إلى غزة لتزيد في توتير العلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل وتركيا، رغم أن هذه الأخيرة كانت من أقرب الحلفاء إلى الدولة اليهودية ضمن العالم الإسلامي، لا سيما في ظل التعاون العسكري الوثيق بينهما وحجم التبادل التجاري الذي وصل بين البلدين إلى 5.2 مليار دولار في السنة. ولا تخفي الولايات المتحدة خشيتها من هذا الانعطاف التركي ناحية الشرق، الذي قد يعرقل طموحات واشنطن في المنطقة، فقد أقحمت تركيا نفسها وبشكل متزايد في الشؤون الفلسطينية، وبدت وكأنها تعانق "حماس" التي تسيطر على غزة وتعتبرها الولايات المتحدة وإسرائيل منظمة إرهابية، وهو المسار الذي أكسب رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان -الذي بدأ بداية متواضعة- شعبية متنامية في العالم الإسلامي، حيث شرع الآباء الفلسطينيون في تسمية أبنائهم على اسمه، هذا في الوقت الذي يتساءل فيه الكتاب العرب عن بعض القادة العرب الذين غالباً ما يُنظر إليهم على أنهم يتعرضون لضغوط من الغرب، وعن السبب وراء غياب هذا الزخم الذي أظهره أردوغان في الدفاع عن القضية الفلسطينية، فإن هذه التساؤلات غذت مشاعر الغيرة لدى بعض العواصم في الشرق الأوسط التي تنظر إلى التحرك التركي على أنه تدخل لزعزعة ميزان القوى في المنطقة، وذلك رغم تصاعد حجم معاملات تركيا التجارية مع المنطقة من مجرد خمسة مليارات على مدى الثماني سنوات الماضية إلى أكثر من 31 مليار دولار حالياً. لكن ليس الجميع في المنطقة ينظر بتخوف وريبة إلى الدور التركي الجديد، بل هناك من يعتبر الطراز الإسلامي للديمقراطية التركية، وتبنيها لاقتصاد السوق كمقاربة براجماتية مفيدة، ليس فقط في التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، بل في التعامل أيضاً مع القوى الناشئة في العالم مثل الصين والهند، وهو ما يؤكده "رضا كفياني"، المحلل الإيراني بقوله "لقد تحولت تركيا إلى مثال يحتذى به في العالم الإسلامي، بحيث أثبتت التجربة التركية أن السياسة الإيرانية القائمة على تصدير "الثورة" لم تؤد إلا إلى تعزيز التطرف، فيما استطاعت السياسة الديمقراطية التركية إلى إفراز تعاطف حقيقي مع الفلسطينيين ودفع العالم إلى الضغط على إسرائيل". أما بالنسبة لمصر، فالمشكلة الأساسية حسب "سامح سرور"، المحلل السياسي في القاهرة، هي ذلك الصدى الذي تخلفه تركيا لدى "عامة الشعب" قائلاً "إن المصريين كانوا دائما يؤيدون النظام الذي يعارض إسرائيل ناهيك عن الذي يندد بالسياسات الإسرائيلية...لكن تركيا هي أيضاً بلد علماني حقق تطوراً مالياً ملحوظاً وتربطه علاقات مع الغرب، بحيث تمثل كل ما يصبو النظام المصري إلى تجسيده". بيد أن التحرك الدبلوماسي التركي ليس بدون حدود، لا سيما بعد تجاهل الغرب لمبادرتها مع البرازيل وتوصلهما معاً إلى اتفاق مع إيران سارعت واشنطن إلى إقصائه، هذا بالإضافة إلى تحديات أخرى تواجهها تركيا في مجال الحفاظ على حقوق الإنسان وعدم الانزلاق إلى ممارسات سابقة، وما قد يحدثه مغازلتها للرئيس الإيراني، والرئيس السوداني، عمر البشير، المطلوب للعدالة الدولية، من أضرار تلطخ صورتها لدى الاتحاد الأوروبي؛ لكن بعد محاولات تركية متكررة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدأت أنقرة تركز على الإمكانات التي يتيحها الشرق دون أن تقطع تماماً علاقتها الغربية، فحسب "مصطفى كرهان"، مدير شركة للطاقة في تركيا، "لا شك أن المزج بين الإسلام والقومية الذي جاء به حزب "العدالة والتنمية" يتجه نحو الشرق بعدما أدرك الحزب بأنه من الأفضل لتركيا أن تكون الأخ الأكبر في الشرق الأوسط على أن تظل الأخ الأصغر في أوروبا"، لكن مع ذلك من غير المرجح أن تصبح تركيا الصوت الموحد في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل انقسام العالم العربي وانشغال قادته بكثير من المشكلات الداخلية. جيفري فيلشمان محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي انترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©