الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غربة المونودراما...

غربة المونودراما...
20 ابريل 2011 20:23
حقق مسرح المونودراما في الإمارات قفزات نوعية ملموسة منذ بداية انطلاق مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما في العام 2003، حيث قدم هذا المهرجان أربع دورات من الفن المسرحي الراقي قدمت خلالها خمسون عرضا مسرحيا من مختلف بلدان العالم العربي والغربي. وبعد مرور ما يقارب ثماني سنوات على بدء هذا المهرجان وما أحدثه من حراك ثقافي ومسرحي كبير على المستوى المحلي والعربي، ثمة سؤال يطرح نفسه: هل مسرح المونودراما وفقا لتجاربه في الفجيرة والعالم العربي هو مسرح النخبة المثقفة محليا وعربيا وحتى على المستوى العالمي أم للمهمشين البسطاء حظ فيه؟ وبالرغم من أن هذا النوع من المسرح يستلهم مادته وتجاربه الناجحة والأكثر شهرة من قضايا طبقة المهمشين في كل بلد ووطن، إلا انه عندما تطرح تلك القضايا لا توجه إلى ذات الطبقة إذ تصادف لغة جديدة ذات مصطلحات مسرحية غاية في التعالي وتكون المعالجة ذات أبعاد فلسفية ورمزية صادمة للغاية فيخرج المشاهد البسيط مصابا بنوع من الدوار المزمن. وإذا تجاوزنا في الأساس الاختلاف الكبير في آراء المثقفين في العالم حول كينونة هذا المسرح وأهميته في خلق وتشكيل وعي الإنسان قياسا بما يفعل المسرح التقليدي، إلا أن مسرح المونودراما لا يراه ولا يتابعه بل ولا يستطيع هضمه بسهولة ويسر أصحاب تلك التجارب الحقيقيين من المهمشين في الأرض الذين من المفترض أن هذا المسرح يقدم لهم حلولا نهضوية لمشكلاتهم باعتبارهم مادته الاساسية. وما دام مسرح المونودراما لا يستهدف تلك الفئة صاحبة الحق الشرعي في رؤية وفهم النص الذي يناقش مشاكلهم، إذا ما جدوى هذا المسرح؟ وهل هو مسرحا يقدم عروضه للفئات المثقفة وللنقاد من أجل تقديم رؤاهم النقدية في ندوات لا يحضرها في الأساس سوى فئة قليلة من هؤلاء الصفوة وربما من الجائز أن نطلق عليهم صفوة الصفوة؟ وهل يمكن لمثل هذا المسرح أن يعيش طويلا بدون جمهور حقيقي وفاعل في المجتمع؟ وإذا حدث هذا الفعل فهل ستأخذنا عروض المونودراما من غربة صارخة إلى اغتراب حقيقي داخل البيت والمدينة والمجتمع بالكامل؟ وهل هناك من سبب أو دافع يجعلنا نتابع هذا النوع من المسرح ونتفهم قضاياه ونصارع عقولنا من أجل فهم معالجاته السفسطائية في كثير من الأحيان؟ وفي مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما كانت المتابعة مقتصرة على جمهور بعينه من المثقفين الكبار، بينما الباقين جاءوا ليشاهدوا تلك التجارب الجديدة على مجتمعهم ويومهم التقليدي وانصرف معظمهم وبقى البعض مستمرا في متابعته محاولا الفهم وإجهاد العقل في الوصول إلى تفسير لما يشاهده من انفعالات مدوية على خشبة المسرح الخالي أحيانا من سينوغرافيا المسرح التقليدي، وهو جزء آخر أصيل من مكونات الاستغراب لدى المشاهد العادي الذي استساغ المسرح التقليدي بينما لا يزال يحاول فهم مسرح المونودراما. وربما تكون تلك القضية قد وجدت إدارة مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما نفسها بصددها لاسيما في الدورات الأولى والثانية، وفقا لرأي محمد سيف الأفخم مدير المهرجان الذي قال: نعم هي قضية محورية وهامة ولا نستطيع أن نتجاهلها. وقد بدت معضلة كبيرة في الدورتين الأولى والثانية حيث جذب المهرجان في دورته الأولى الجمهور العادي، ومن ثم انصرف الكثير منهم لأنهم لم يستطيعوا مجاراة العروض كما أنهم توقعوا مسرحا آخر مثل المسرح التقليدي. وأضاف الأفخم: اعتقد إن هذه القضية لا يمكن حلها بين دورة أو خمس دورات لأنها مسألة تذوق وثقافة، وما نقوم به هو دفع الشباب المواطن للرؤية ومن ثم طرح التساؤلات والبحث والقراءة، هكذا يفعل أو يحاول أن يفعل مسرح المونودراما التحريض على القراءة والفهم الصحيح للأشياء من زوايا عديدة ومفاهيم غير تقليدية. وهكذا أردنا من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما إلقاء حجر في ماء راكد ولا نريد كما بقدر ما نريد نوعا.. ولربما خرج شخص واحد مثقف وواع ومدرك لأهمية هذا المسرح وأحدث ثورة عارمة في هذا المجال الثقافي. وقد أقمنا ندوات وورش عمل على هامش المهرجان وفي الأيام العادية لخلق جيل واع. واعتقد أن الدورتين الثالثة والرابعة حققتا نوعا ما من الجماهيرية أفضل من الدورتين الأوليين من المهرجان. بعيدا عن الرمزية وربما يتفق الكاتب المسرحي محمد سعيد الضنحاني رئيس المهرجان مع الأفخم ليس لكونه مسؤولا عن هذا المهرجان بقدر ما هو كاتب مطبوع وقد كتب للمسرحين التقليدي والمونودرامي الكثير، واستطاع بمسرحيته “الليلة الأخيرة” أن يقدم نوعا من الحوار الثقافي مع الآخر بشكل متفرد وواع عندما قدمها بلغتها الأم وجسدتها المغربية لطيفة احرار ومن ثم باللغة الانجليزية وجسدتها الممثلة الليتوانية بروتي ما. وقال الضنحاني: كانت الفكرة قريبة جدا وسهلة وابتعدت قدر الإمكان عن الإغراق في الرمزية لكي تكون مفهومة للفتيات المواطنات والعربيات لأنها تناقش مشاكلهن بكل تلقائية. وهكذا أردت من مسرح المونودراما أن يكون النص قريبا من رؤى المشاهد وأفقه. وشاهد جمهور غفير من أهالي الفجيرة والإمارات الأخرى العرض وشارك في الكثير من المهرجانات العالمية كان أخرها الفلبين للمونودراما. ويرى الكاتب والباحث في شؤون المسرح المغربي عبدالكريم برشيد أن هناك مشكلة ما في لغة التخاطب بين العرض المسرحي المونودرامي والمشاهد البسيط “وعلينا تناول قضايا الناس الحقيقية بلغتهم اليومية دون الإغراق في الرموز”. وضرب برشيد مثالا بمسرحية “مذكرات مجنون” لديجول، والتي نالت شهرة عالمية كبيرة وقدمها مسرحيون عرب كبار أمثال طيب الصديقي في بداية الستينات بعنوان “النقشة أو الجنون”، كما قدمها أسعد فضة في سوريا عام 1977 بعنوان “مذكرات أحمق”، وتعد مسرحية “مذكرات مجنون” من أكثر المسرحيات جماهيرية وتفاعلا مع الجمهور.. ولدينا مسرحيات مونودرامية عظيمة قدمت ولاقت نجاحا جماهيريا كبيرا مثل “الزبال” للسوري ممدوح عدوان، ومسرحية “حال الدنيا” والكثير من أعمال عدوان الأخرى. جاذبية وأصالة ولأن المسرح فقد من يهتم به ومن يهتم بهمومه الحقيقية بحسب الكاتب والمخرج المسرحي العراقي فيصل جواد، فان هذا المسرح فقد الكثير من جاذبيته وأصالته الحقيقية، وقال جواد: إننا بحاجة إلى أن نأخذ المسرح إلى الناس ولا ننتظر إلى أن يأتي إلينا هؤلاء الناس لأنهم لن يأتون. لقد ابتعد المسرح كثيرا عن المجتمع صار يقدم أفكارا وصورا برجوازية لمسرح نخبوي من الطراز الأول، مما كان سببا مباشرا في وجود فجوة بين المسرحي والمتلقي وعلينا تقريب المسافة بين الطرفين إما بإقامة ندوات وورش عمل مسرحية أو ندوات ثقافية لتقريب الرؤى وتقليص الهوة بين الطرفين نفسيا وفكريا ومعنويا. وعلينا أيضا الابتعاد إلى حد ما عن الأفكار الكلاسيكية الجاهزة وغير الواقعية والتي تبعد عن قضايا الناس. ويتفق هذا المنحى مع رأي المخرج المسرحي حسن رجب الذي دعا إلى خلق نقطة تماس بين طرفي المعادلة وهذا الخلق كما يقول رجب إما بالنص المسرحي أو بالإخراج الذي يستلهم الشكل الجاذب والموحي بكل أدواته ومحركاته. وقال رجب: حدث هذا التماس في بعض الأعمال المونودرامية المقدمة في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما حيث رأيت بعض العائلات تجلس وتشاهد بعض الأعمال المسرحية الصعبة جدا حتى آخر مشهد. ولكن هذا التقارب الذي ننشده بين مسرح المونودراما والجمهور العادي بعيدا عن النخبة لا يمكن أن يقوم دون أن يكون هناك أشخاص محبين لهذا المسرح ولديهم دافع شخصي ليشاهدوه ويتابعوه بشغف ويساهما في تطويره. وكان مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما قد قدم أكثر من 50 عملا مونودراميا حملت العديد من التجارب الإنسانية منها “سيرك معاصر” للمخرج العراقي عزيز خيون عن نص صباح عطوان “أصوات من نجوم بعيدة”، والعرض الليتواني “امرأة من الرمال” للممثلة بروتي مار وهو نص عبثي يسير على نهج مدرسة صموئيل بكيت وهي مأخوذة عن نصه “الأيام السعيدة”، والعرض الانجليزي “شابلن” للممثل والمخرج بيب آتون، ثم العرض الأوكراني “ريتشارد افتر ريتشارد” عن نص وليم شكسبير “ريتشارد الثالث” وهذه المسرحية تحديدا خلقت هوة كبيرة بين المسرحيين والنقاد في المفاهيم المتعارف عليها لهذا المسرح حول ماهية ومفهوم هذا النوع من المسرح وإمكانية النهوض به على المستويين المحلي والعربي ومن ثم العالمي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©