الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الحافظة».. اللغة عربية والجمهور سويدي

«الحافظة».. اللغة عربية والجمهور سويدي
20 ابريل 2011 20:23
أكثر من عنصر إثارة اجتمع في مسرحية “الحافظة” التي قدمت في غوتنبورغ السويدية ومنها؛ أنه ولأول مرة يخصص مسرح عريق، كمسرح المدينة عرضا مصحوبا بترجمة فورية الى أحدى لغات المهاجرين، ومن بينها العربية، وكلف مترجمين للقيام بنقل خلاصة الحوار الى الراغبين من الجمهور في سماعه باللغة الأم، مستعينين بأجهزة استقبال صوتي وزعت على الحضور قبل دخولهم الى صالة العرض. الإثارة الأخرى تكمن في العمل نفسه، فقد ترك كاتبا النص، ألكسندر موتّوري والشاعر يوهانيس أنيورو، مساحة واسعة منه للغة العربية، وهي خطوة فيها من المغامرة الكثير وتحسب لصالح مخرجه هنريك دال، الذي يعرف جيدا ان جمهوره في غالبيته من السويديين، واستماعهم الى حوارات طويلة بلغة أخرى هي مغامرة ليست بالهينة، تضاف الى مغامرة المسرحية نفسها، فموضوعها لا يمس حياة أو اهتمامات المواطن السويدي بشكل قريب أو مباشر كونها تتناول حالة بعض طالبي اللجوء المرفوضة طلباتهم، والمحتجزين بناء على طلب دائرة الهجرة في مكان خاص يطلق عليه اسم “الحافظة” وفيه تتحفظ الشرطة عليهم لحين ترتيب موعد ترحليهم الى خارج البلاد. في العمل اشترك اثنان من المسرحين العرب هما؛ العراقية سابينا هرمز والمصري يوسف سلامة زكي، وفي لقائنا معهما تحدثا عن تجربتيهما في هذا العمل وطال الحوار الى المقارنة بين المسرح العربي والسويدي وخاصة في مجال تقنية التمثيل وقبل الوصول الى هذه النقاط عرض المصري بعض ملامح الشخصية التي يلعبها في “الحافظة”: ألعب دور شخص مهاجر عربي، لم تحدد هوية بلده، ولكن يفهم منه انه أحد المهاجرين المهددين بالإبعاد لدخوله غير الشرعي للبلاد، وأن انتظاره قد طال طويلا في هذا المكان الذي من المفترض أن يكون منطقة تحويل لا يستغرق بقاء المبعد فيها طويلا ولكن في حالة كريم وهذا هو اسمه في المسرحية طالت كثيرا وتركت آثارا نفسية وجسدية عليه، وكان على يوسف سلامة توصيلها دراميا. وعن هذا يقول: شخصية العربي في “الحافظة “ قلقة وصاحبها محتار في اتخاذ قراراته فهو من جهة يريد البقاء ولكنه يرغب من جهة أخرى وبشدة بالعودة الى مصر، الى أهله وأصحابه ولم يحسم أمره مع الفتاة السويدية التي تعرف عليها هنا فهولا يعرف ما إذا كان يريد حقا الاقتران بها والمضي معها الى نهاية المشوار أم تركها نهائيا. حيرة الشخصية كما يقول سلامة تولد عند مشاهدها إحساسا بالاغتراب الداخلي الذي يعتريها وهو قطعا غير مفهوم تماما بالنسبة للمتفرج السويدي مما يفرض عليه موضوعيا أسئلة، كما يأمل كاتبا النص ومخرجه، من قبيل: ما هو مصير هؤلاء الناس ولماذا يعاملون كمساجين في هذا المركز؟ وما الحاجة الى إبقائهم فيه كل هذه المدة الطويلة ما دامت الجهات الرسمية قد قررت ترحليهم أصلا؟ أما عن لغة التوصيل وصعوبتها خاصة وان الوسيلة المستخدمة لا تحقق وظيفتها كون الجمهور الحاضر لا يعرف اللغة العربية فيشير سلامة الى استعانته بلغة العيون والجسد لتوصيل ما كان يريد توصيله للمتفرج، ويعترف انها المرة الأولى في حياته التي يخوض فيها تجربة من هذا النوع، تطلبت جهدا جسمانيا مضاعفا كي يعوض عن اللغة المباشرة وكي يحافظ في نفس الوقت على تناغم النص، فأي مبالغة فيها كانت تعني خلالا واضحا. ويستغرب من الإقبال الجيد للناس وفهمهم للموضوع المطروح. لهذا حاولنا بدورنا معرفة أسباب هذا الإقبال والنجاح، وجرنا الحوار للتطرق الى طبيعة المسرح الأوروبي ومقارنته بالمصري، وقال: الفرق بين الشغل والتوجهات بين المنطقتين كبير جدا. هنا المسرح حاجة يأتي الناس اليها باندفاع ولهذا يكرس الفنانون كل طاقاتهم من أجل تحقيق ما ينتظره منهم الجمهور. في مصر وللأسف المسرح عملية عابرة رغم ما عندنا من كفاءات وممثلين كبار ولكن الفرق أن الكل هنا يشتغل لك، كممثل، يخدمك فيسهلون عليك مهمتك. كما أن كل شخص يعرف عمله وينجزه بالتمام، في حين تقتل اللاأبالية عندنا المواهب وتحطم كل عمل مهما كان جادا. ويشير الى شجاعة مسرح جوتنبورج وجدية مخرج العمل الذي قبل بطرح موضوع حساس وباللغة العربية ومع هذا حضر الناس اليه ودون انقطاع، وهذا نوع من تثمين يقدمه الجمهور للمسرحي وعمله. وتتفق الممثلة العراقية سابينا هرمز، التي لعبت دور فتاة خرساء، لم تنطق بكلمة واحدة على خشبة المسرح ومع هذا فدورها مهم ويكمل بقية الأدوار كما قالت سابينا: دوري يعتمد على الحركة لأني خرساء، وفي الحقيقة ليست خرساء عضويا بل جاء خرسي، أو صمتي الاختياري، كنوع من الاحتجاج على الوضع الذي أنا فيه وهو يعبر عن موقف استبدلت فيه الكلام بالحركة الفوضوية، وبها شاكست وأزعجت الآخرين. أنا في هذه المسرحية شخص مزعج ومنزعج. ومع كل اعتزازها بالتجارب السويدية إلا انها تحلم أن تشتغل في مسرح عربي صرف: أتمنى أن أشتغل عملا لأبناء جاليتي العربية.عمل عربي أعبر فيه عن مشاعري بصدق ودون حواجز. الآن نحن نفكر في عمل شيء من هذا القبيل، أي تقديم مسرح عربي وما زلنا نبحث عن نص مناسب تقبله المسارح الجادة ويستوفي شروطها.أما كيف وجدت العمل وما مدى تأثيره فقالت سابينا: المحزن أني عشت تجربة الحجز شخصيا، عندما جاءت الى السويد، وأعرف مراراتها ولكن لابد من القول إن مبادرة مسرح المدينة شيء رائع فقد وفرت فرصة لنا لنحكي عن مكان لا يبعد عن المسرح سوى دقائق ولكن الكثير من الناس لم يسمعوا به، أما الآن فإن الكثيرين يعرفون ماذا يجري فيه، ليس هذا فحسب فالعمل فيه نقد للمؤسسات الرسمية وفيه صرخة تقول كفى تعاملون الناس بهذه الطريقة. إنه عمل مسرحي شجاع!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©