السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«للحمّامات».. طابع خاص في الحضارة الإسلامية

«للحمّامات».. طابع خاص في الحضارة الإسلامية
22 يونيو 2017 21:40
مجدي عثمان (القاهرة)

«مَنْ يَطْلُبِ العافيةَ مِنْ ربٍّ لطيفٍ فليقصُدِ اللهَ ثمَّ حمَّام العفيف» عبارة كُتبت على لوحة تعود إلى القرن السابع الهجري، وُجدت في جنوب جامع العفيف في الصالحية بدمشق، ولعل ذلك يؤكد ما ذكره علي الصولي في كتابه «قراءات في الفكر المعماري والعمراني العربي الإسلامي» من أن الحمام كان يحتل المرتبة الثانية بعد المسجد الجامع في تراتبية المؤسسات، حيث أضحى مكملاً ضرورياً للمسجد، بدليل أن موقع بنائه كان قريباً من المسجد، حيث ظل الحمام إرثاً تتوارثه الحضارات بعد الحضارتين الإغريقية والرومانية، حتى غدا ذا طابع خاص في الحضارة الإسلامية التي حافظت على مكوناته المعمارية الأساسية، وأضافت إليه من روحها وتعاليم دينها ليصبح تقليداً إسلامياً أصيلاً.
أشار ابن سينا إلى الشكل الأمثل لعمارة الحمام بقوله: خير الحمام ما قدم بناؤه واتسع فضاؤه وعذب ماؤه، وذلك لأن العذب يبرئ ويرطب أكثر بخلاف الملح، فإنه لا يخلو من أجسام تؤذي البدن، الاحتفاظ بها جملة كما هي، وهذا باعتبار الأصل وبالنظر كحفظ الصحة، وقد تعرض حالات يكون الملح فيها أولى، وذلك في معالجة الأمراض.
كما خص داوود الأنطاكي في كتابه «تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب» عدداً من الصفحات لنفس الغرض، حيث قال: وصورته - الحمام - التي ينبغي أن يكون عليها التربيع لقرب هذا الشكل من الصحة، وأفضل الحمام مطلقاً حمام عال، مرتفع في البناء، لئلا يحصر الأنفاس المختلفة فيفسد بها، وينحل البخار الصاعد، لا سيما إن طال عهده، أي قدم بناؤه، لأن الجديد فاسد بأبخرة الأحجار والطين، وعفونة ما يشرب من الماء في أجزائه.
ولارتباط الحمام بالطهارة اجتمع كثيراً الجامع والحمّام في مبنيين متلاصقين، مثلما كان عليه الحال في جامع سنان باشا في القاهرة، أو لا يفصل بينهما إلا بضعة أمتار كما في جامع الوزير يوسف صاحب الطابع وحمامه، أو في جامع الزيتونة وحمام القشاشين بمدينة تونس، كما كانت الحمامات في المدينة الإسلامية تنقسم إلى نوعين: خاصة وعامة، الأولى تخص أفراد السلطة الأثرياء الذين يتحرجون من الاختلاط مع العامة، نظراً لوضعهم الاجتماعي، وكان الحمام يتألف من غرفة خلع الملابس، وتُعرف حالياً في تونس ببيت المحرس وثلاث حجرات، باردة ودافئة، وحجرة ثالثة ساخنة.
وقد ربط ابن بطوطة بين المدينة والحمام ليوضح ما للحمام من خصوصية لدى المسلمين قائلاً: فحمامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمامات، وأكثرها مطلية بالقار ومسطحة به فيخيل لرائيه أنه رخام أسود، والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض الناصع، فالضدان بها مجتمعان متقابل حسنهما، وقد عدت الحمامات ببغداد سنة 383ه - 993م، فإذا بها ألف وخمس مئة حمام.
أما حمامات القاهرة، فقد وصفها المستشرق «إدوارد لين» وقت زيارته عام 1825م، قائلاً: تضم القاهرة أكثر من مئة حمام، تزداد أهميتها في الشتاء، وهي مصدر متعة يسهل على الفقراء الظفر بها، بل إن الأثرياء أيضاً يترددون عليها، وفي السياق ذاته، ذكر الطبيب عبد اللطيف البغدادي في القرن 6ه - 12م، وصفاً لتلك الحمامات، فقال: وأما حماماتهم فلم أشاهد في البلاد أتقن منها وصفاً، ولا أتم حكمة ولا أحسن منظراً ومخبراً.
يُذكر أن المسلمين شيدوا في مدينة الفسطاط حماماً أطلقوا عليه «حمام الفأر» لكونه صغير المساحة، إلا أن الحمامات انتشرت بالمدينة فيما بعد حتى قُدرت في عام 539ه - 1144م، بألف وست مئة وسبعين حماماً.
ويقال إن أول من شيد بالقاهرة حماماً كان العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين في مصر، فيما يذكر ابن خلدون في مقدمته أن عمرو بن العاص أول من شيّد الحمامات الإسلامية بالفسطاط.وعن حمامات الشام ذكر عبد الله البدري، أن الحمامات الإسلامية ملأت الشام ودمشق، وإن الأبخرة التي تنبعث منها بروائح العود والمسك الجميلة لدليل على ذلك.
وفيما يخص حمامات بلاد المغرب، فقد جاء في كتاب «الأنيس المطرب بروض القرطاس» لابن أبي زرع أثناء وصفه لمدينة فاس: فبنيت بها الفنادق والحمامات والأرحاء والمساجد، وبلغت مدينة فاس في أيام المرابطين والموحدين، فكانت 93 حماماً، في عهد المنصور وولده الناصر، ويُروى عن ابن عذاري المراكشي، أنه كان بقرطبة في عهد عبد الرحمن الناصر، نحو 300 حمام للنساء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©