الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أفلام «داعش».. جرح الجَمال السينمائي

أفلام «داعش».. جرح الجَمال السينمائي
13 أغسطس 2016 13:36
ترجمة وإعداد: أحمد عثمان في دراسته الجديدة «داعش.. السينما والموت»، يستدعي الكاتب جون- لوي كومولي، «الصلة الجنائزية غير الطبيعية القائمة بين السينما والموت»، وذلك بتحليله مشاهد شرائط الفيديو التي أنتجها التنظيم الإرهابي، وفضحه بشاعة نوع من السينما الإذلالية، من هوليوود إلى استوديوهات الإنتاج الدعائي الداعشي. ولعل «بليغة» هي أول وصف يمكن أن يخطر للوهلة الأولى على ذهن قارئ الدراسة الجديدة لـ جون- لوي كومولي، رئيس تحرير مجلة «كراسات السينما» الذي أصبح سينمائياً من دون أن يفقد هوايته النقدية الراجعة إلى زمن الطفولة، والتي لم تكف عن تغذية عمله النقدي. في كتابه الجديد الذي يصدر في 18 أغسطس الجاري، يعمق كومولي رؤيته النقدية، فيما هو يركز على الإنتاج السينمائي الذي «يجرح» حبه للسينما، بعد أن اتُّخِذ وسيلة إجرامية تتبدى في الدعاية المتطرفة التي تنطوي عليها «الأفلام القصيرة» التي تمثل الإعدامات، والتي يقول عنها: «مشاهدتها فعل ضروري ولكنه أمر مضجر، وعندما ننتهي منها تكون «الأعين متسخة»، كما قال يوماً ما المخرج الإيطالي روسيليني». لقد وجدت السينما لكي تتحاشى الموت، وتؤكد القدرة على الحياة، وشهادات أول مشاهدي «سينماتوغراف لوميير» تمثل الشعور بالنصر على الموت. أما أفلام «داعش» فتقلب هذه الفرضية رأساً على عقب. بالتأكيد، أعداد لا تعد ولا تحصى من الرجال، والنساء والأطفال الذين ماتوا على الشاشة خلال مئة وعشرين عاماً، ولكن مع «داعش»، كما مع «القاعدة»، القتل والتصوير يتماشيان مع هذا المسعى، من دون أن نعرف «ثمن» القتل وتصويره. يقبع الوعي الحي بهذه الصلة القائمة ما بين الطبيعة المضادة للسينما والموت في قلب فكر كومولي، بما أن حقل بحثه لا يتحدد فقط بإنتاجات «داعش». ليس فقط لأن آثارها الجماهيرية ترجع &ndash كما يقال دوماً &ndash إلى أفلام الحركة الأميركية، واستعاراتها لبعض «تأثيراتها الاستثنائية». أيضاً، نجد أن دراسة هذه الأفلام «أفلام الموت» تطرح أسئلة تمس السينما نفسها. هذا ما جرى من قَبْل مع هتشكوك، بازوليني، لوبيتش، بونويل أو كيتون. وهكذا تقابل أفلام الإعدام (قطع الرؤوس، تحديداً) التي عرضتها الدعاية الداعشية تلك المشاهد الموجودة في فيلم «حكايات القمر الغامض بعد المطر» (كينجي ميزوغوشي، 1953). بعد ذلك، قابَل المؤلف أثر تقنيع اللقطات السوداء التي يبدلها مراقبو التلفزة بأثر مثيلتها من لقطات اللحظات الحاسمة في الأفلام الداعشية، يقول:«هذه اللحظات الرقابية تحجب ما لا نراه، حماية لنا، كأننا لا يمكن أن نتحمل رؤيتها. لكننا لا نستطيع إلا أن نتخيلها، وهذا هو أسوأ ما في الأمر». ويضيف: «هذه الرقابة التي تريد الخير لنا وتبحث عن راحتنا تقوم بنفس دور اللقطة الزاحفة لدى ميزوغوشي. وهي تفعل هذا بشيء من التفرد الذي يغير كل شيء. بالنسبة إليّ نحن لا نرى قطع الرأس، ومع ذلك نراه. رؤية الرعب بعيدة عنا بيد أن من الممكن أن تكونه، وأن تعيشه. المحجوب ليس فقط الرأس المقطوع، وإنما أيضاً قدرة السينمائي الذي يجنبنا الفظاعة من دون أن يعرفنا بها». ما سبق يمنحنا فكرة عن فطنة هذا الكتاب الصغير (128 صفحة) المكثف، والذي لا يخشى أن يكون بليغاً في صوره النقدية التي يوجهها إلى «سينما الشناعة»، التي تساهم هوليوود فيها بحصة إنتاجية لا يمكن تجاهلها. «بالنسبة إلى هوليوود المعاصرة، كما بالنسبة إلى «داعش»، المشاهد نوع واحد: يرغب في الأسوأ، يرغب في «التمرغ» في العنف، يريد «سادة أقوياء»، يغتصبون وعيه. إن «حقد الذات» الذي يبلور الموضوعات الموافقة على العنف المنظم يصنع الحقد ويحتقر الآخر». كتاب «داعش، السينما والموت» البليغ، الذي يمحو الرخاوة المحبطة، يبين جلياً كون «حرب الصور ليست حرب «المضمون» وإنما حرب الأشكال»، بل وبلغت الجدية به أن يرى في أفلام «داعش» النموذج الكامل «لديكتاتورية تقطيع المشهد» المألوفة التي سماها الناقد سيرج داني «القبح البصري». (*) الكتاب: -Daech, le cinéma et la mort, de Jean-Louis Comolli, éd. Verdier, 128 p., 13,50 &euro.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©