الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البخاري إمام علم الحديث النبوي

البخاري إمام علم الحديث النبوي
10 سبتمبر 2008 01:02
تعددت في المائة الثالثة الشخصيات التي يمكن أن نطلق عليها ''المجددون في الإسلام'' بحق ومنهم: أبو بكر محمد إبراهيم المنذرى النيسابوري وله العديد من التصانيف المفيدة· وأبو العباس بن شريج، وهو من أكبر علماء الشافعية وصنف أكثر من 400 كتاب وعنه انتشر المذهب الشافعي في الآفاق· أبو الحسن الأشعري الذي قام بالرد على المعتزلة وأرباب البدع وله العديد من الكتب، وإليه تنسب طائفة الأشاعرة·· وأبوبكر أحمد بن هارون الخلال البغدادي، الفقيه الكبير جامع مذهب ابن حنبل·· وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسّائي· غير أن الإمام محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري مؤسس مدرسة البحث العلمي في الاستقصاء والاستدلال، يتقدم هؤلاء جميعاً ليس فيما قام به من عمل جليل لخدمة السُنّة والحفاظ عليها فحسب، وانما ايضا كونه واضع أول تصنيف منهجي في استقصاء صحة الحديث ونقله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ما يعرف حالياً بمناهج البحث العلمي الدقيقة· ويُعد البخاري من أشهر علماء الحديث على مر العصور، وتعتمد شهرته علي جامعة في الحديث النبوي '' الجامع الصحيح '' الذي يعتبره أتقياء المسلمين وعامتهم أجلّ وأصح كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالي '' القرآن ''· وكان ميدان الحديث في زمانه قد أضحى بحراً خضماً يختلط فيه الصحيح بالزائف، والحقيقة بالخرافة·· وقد اتخذه قوماً بضاعة يطلبون بها ما عند الناس، وضيّعوا حدوده، واستدروا به الولاة واستطالوا بروايته على الكافة من المسلمين· وقد أثار هذا الاضطراب العقائدي والذي يمس الركن الثاني من مصادر التشريع والحكم الإسلامي، حمية وجزع طائفة كبيرة من علماء السُنّة الأتقياء· وخشوا أن يتعرض الدين الإسلامي لمثل ما تعرضت له الأديان الأخرى قبله، إذ انصرف أتباعها عن كتبهم المقدسة إلي قراءة كتب أحبارهم· وقد عمد بعضهم من أجل محاربة اختلاف الأحاديث إلى اختلاق الأحاديث التي تنهي عن اختلاف الأحاديث··! غير أن البعض الآخر وفي مقدمتهم: الإمامان البخاري ومسلم من بعده، قد أبي بهما الحال إلى الدنو لهذا الدرك الأسفل من العمل، وأقبل كل منهما علي وضع أسس لعلم الحديث، والمعايير الصارمة الواجبة لانتقاء الأحاديث الصحيحة من هذا الكم الهائل من المروي عن رسول الله· وقد روي البخاري، كما أورد ذلك الأمام ابن كثير الدمشقي في كتابه '' البداية والنهاية '' أنه إنما اضطلع بمهمة جمع الصحيح من الحديث النبوي والسُنّة المطهرة، حينما رأي نفسه في المنام يطرد الذباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم ، وفسر له أحدهم بأن هذا الذباب الذي رآه بالمنام ما هو إلا تلك الأكاذيب التي أقُحمت على الأحاديث النبوية ·وقد أظهر البخاري في اختياره للأحاديث براعة فائقة ومحّصها تمحيصاً دقيقاً· ولذا وضع منهاجاً في استقراء صدقة الحديث اتسم بالدقة الكبيرة والتي لم تألفها حقول البحث التاريخي إلا في العصر الحديث· كما أنه كان عظيم الأمانة في إيراد المتن، وبذل جهداً لا يباري لكي يصل إلى أضبط ما يمكن الوصول إليه· وكان المعيار الرئيسي الذي أخذ به وهو التّحقق من شخصية وهوية الرواة والمحدثين، ومن تقوى رجال الإسناد وسلامة طويتهم، وخلوهم من الأهواء الحزبية أو المذهبية أو القومية· فإن ثبت لديه توافر النزاهة والورع فيهم، ولم يعرف عنهم كذباً متعمداً على النبي ناجما عن هوى أو رأي أو قلة دين، اعتبروا من ثقات الرواة، وإن ثبت الاتصال الزمني بين هؤلاء المحدثين وكتبة الحديث الواردة أسماؤهم في الإسناد اعتبر الحديث لديه صحيحاً· وقد اجتمع لدى البخاري حين أقدم علي تدوين صحيحه زهاء 600 ألف حديث، لم ير منها ما هو جدير بصفة الصحيح التام غير 7379 حديثاً فقط·· وإذا قمنا بتنحية الأحاديث المكررة ـ في مختلف أبواب كتابه ـ جانبا لم يبق لدينا من الأحاديث الصحيحة غير 2762 حديثاً فقط·· أي أن المعدل يكون في تلك الحالة حديثا واحدا من بين أكثر من 200 حديث تتناقله عامة المسلمين· هي ما يمكن أن يطلق عليه الحديث الصحيح الموثوق في نسبه للرسول - صلى الله عليه وسلم- وكان انتقاء البخاري للأحاديث الصحيحة، على أساس صحة السند لا المتن· فالإسناد عنده هو قوائم الحديث، وإذا سقط· سقط معها صحة الحديث· وإن صح السند وجب قبول الحديث مهما يكن مضمون المتن، وحتى وإن تجافي مع المنطق أو التاريخ الثابت، وهو ما يحدث من الناحية الواقعية· ومع الرغم من الانتقادات التي سيقت تجاه هذا الموقف من البخاري، فلا مفر من الإقرار بأنه موقفه هذا كان ينطوي على تقوى خالصة، ويقوم على أساس له منطقه الخاص· إذ هو يرى أن عقول عامة البشر قد لا ترقي إلى درجة فهم كل ما عناه الرسول - صلى الله عليه وسلم -بأحاديثه، وأنه من قبيل الخيلاء والعُجب الواهم أن نرفض كل ما قصر فهمنا عن إدراكه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©