السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
10 سبتمبر 2008 01:04
كانت العمارة في أرض سبأ أكثر من مسيرة شهرين للراكب المجد، وكان أهلها يقتبسون النار بعضهم من بعض مسيرة أربعة أشهر، ثم مُزقوا كل ممزق· وكان أول من خرج من اليمن في أول الأمر عمرو بن عامر مُزيقياء، وكان سبب خروجه أنه كانت له زوجة كاهنة، يقال لها طريفة الخير، وكانت رأت في منامها أن سحابة غشيت أرضهم، فأرعدت وأبرقت، ثم أصعقت فأحرقت كل ما وقعت عليه· ففزعت طريفة لذلك فزعاً شديداً وأتت الملك عمراً، وهي تقول: ''ما رأيت كالبرق أزال عني النوم! رأيت غيماً أرعد وأبرق، وزمجر وأصعق، فما وقع على شيء إلا أحرق''· فلما رأى ما داخلها من الفزع سكّنها· ثم إن عمراً دخل حديقة له، ومعه جاريتان من جواريه، فبلغ ذلك طريفة، فخرجت إليه وخرج معها وصيف لها اسمه سِنان، فلما برزت من بيتها عرض لها ثلاث مناجد منتصبات على أرجلهن، واضعات أيديهن على أعينهن، فقعدت إلى الأرض واضعة يديها على عينيها، وقالت لوصيفها: إذا ذهبت هذه المناجد فأخبرني· فلما ذهبت أخبرها، فانطلقت مسرعة، فلما عارضها الخليج الذي في حديقه عمرو وثبت من الماء سلحفاة، فوقعت في الطريق على ظهرها، وجعلت تروم الانقلاب فلا تستطيع، وتستعين بذنبها فتحثو التراث على بطنها من جنباته· فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض، فأعادت السلحفاة إلى الماء ومضت إلى أن دخلت على عمرو، وذلك حين انتصف النهار في ساعة شديد حرها، فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح، فلما رآها استحيا منها، وأمر الجارتين بالانصراف إلى ناحية، ثم قال لها: هلمي يا طريفة، فكهنت له، وقالت: ''والنور والظلماء، والأرض والسماء، إن الشجر لهالك، وليعودن الماء كما كان في الزمن السالك''· قال عمرو: من أخبرك بهذا؟ قالت: أخبرني المناجد، بسنين شدائد، يقطع فيها الولدُ الوالد· قال: ما تقولين؟ قالت: ''أين قول الندمان لهفا، لقد رأيت سُلحفا، تجرف التراب جرفاً، فدخلت الحديقة، فإذا الشجر من غير ريح يتكفأ! قال: ما ترين في ذلك؟ قالت: هي داهية دهياء من أمور جسيمة، ومصائب عظيمة! قال: وما هو ويلك! قالت: ''أجل، إن فيه الويل، ومالك فيه من قيل، وإن الويل فيما يجيء به السيل''! فألقى عمرو نفسه عن فراشه، وقال: ما هذا يا طريفة! قالت: ''خَطب جليل، وحزن طويل، وخلف قليل!'' قال: وما علامة ما تذكرين؟ قالت: ''تذهب الى السد، فإذا رأيت جُرذاً يُكثر بيديه في السد الحفر، ويقلب برجليه من أجل الصخر، فاعلم أن غَمَرَ الغمر، وأن قد وقع الأمر''· قال: وما الذي تذكرين أنه يقع؟ قالت: ''وعد من الله تعالى نزل، وباطل بطل، ونكال بنا نكل، فبغيرك يا عمرو يكون الثكل''! فانطلق عمرو فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلاً، فرجع الى طريفة فأخبرها الخبر، وهو يقول: أبصرت أمراً عادني منه ألم وهاج لي من هوله برح السقم من جرذ كفحل خنزير الأُجم أوكبش صِرم من أفاريق الغنم يسحب صخراً من جلاميد العَرم له مخـالف وأنياب قُــضـم ما فاته سَحلاً من الصخر قضم فقالت طريفة: وإن علامة ذلك الذي ذكرته لك أن تجلس فتأمر بزجاجة فتوضع بين يديك فإن الريح تملأها من تراب البطحاء من سهلة الوادي ورمله، وقد علمت أن الجنان مُظللة لا تدخلها شمس ولا ريح· فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه، ولم تمكث إلا قليلاً حتى امتلأت من التراب، فأخبرها بذلك، وقال لها: متى يكون ذلك الخراب الذي يحدث في السد؟ قالت: فيما بيني وبينك سبع سنين! قال: ففي أيها يكون؟ قالت: لا يعلم بذلك إلا الله تعالى، ولو علمه أحد لعلمته، وإنه لا تأتي علي ليلة فيما بيني وبين سبع السنين إلا ظننت هلاكه في غدها أو مسائها! ثم رأى عمرو في منامه سيل العَرم، وقيل له: إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخيل، فنظر إليها فوجد الحصباء قد ظهرت فيها، فعلم أنه واقع، وأن بلادهم ستخرب· فكتم ذلك، وأجمع على بيع كل شيء له بأرض مأرب، وأن يخرج منها هو وولده، ثم خشي أن تُنكر الناس عليه ذلك، فأمر أحد أولاده إذا دعاه لِما يدعوه إليه أن يتأبى عليه، وأن يفعل ذلك به في الملأ من الناس، وإذا لطمه يرفع هو يده، ويلطمه· ثم صنع عمرو طعاماً، وبعث إلى أهل مأرب: إن عمراً قد صنع طعاماً يوم مجدٍ وذكر، فأحضروا طعامه! فلما جلس الناس للطعام جلس عنده ابنه الذي أمره بما قد أمره، فجعل يأمره فيتأبى عليه، فرفع عمرو يده فلطمه، فلطمه ابنه، فصاح عمر: واذلاه يوم فخر عمرو! يهيجه صبي ويضرب وجهه! وحلف ليقتلنه، فلم يزالوا به حتى تركه، وقال: والله لا أقيم بموضع صُنع هذا بي فيه! ولأبيعن أموالي حتى لا يرث بعدي منها شيئاً! فقال الناس بعضهم لبعض: اغتنموا غضبة عمرو، واشتروا منه أمواله قبل أن يرضى، فابتاع الناس منه كل ماله بأرض مأرب، وفشا بعض حديثه فيما بلغه من شأن سيل العرم، فقام ناس من الأزد فباعوا أموالهم، فلما أكثروا البيع استنكر الناس ذلك فأمسكوا عن الشراء! فلما اجتمعت إلى عمرو أمواله أخبر الناس بشأن السيل وخرج، فخرج لخروجه منها بشر كثير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©