لم يحظ عمل تلفزيوني بما حظي به مسلسل أسمهان من سوء حظ، فقد حفلت سنوات إنتاجه الأربع بخطى متعثرة على الدوام·
بداية المشاكل كانت مع الذي تعاقب عليه أربعة كتّاب، إلى الإخراج الذي وضع النص بين يدي أكثر من مخرج، وبالطبع وصولاً إلى اختيار ممثلي العمل، وعلى رأسهم البطلة التي تؤدي دور أسمهان، إذ جرى تداول أسماء عديدة بدأت من المغنية نانسي عجرم، ولم تنته بنسرين طافش· من دون أن ننسى عقبات إنتاجية وفّرت في النهاية، بتعاون سوري مصري خاص، ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار، الرقم الذي لم يوفَّر لمسلسل تلفزيوني عربي من قبل·
لكن العقبة الأكبر كانت في ورثة أسمهان، فكلما وُضع العمل على السكّة، خرج صوت من عائلة الأطرش، ليحتج على عدم حصول المسلسل على موافقة الوَرَثة· آخر هذه الأصوات كان صوت فيصل الأطرش، الذي رفع شكوى لوزير الإعلام السوري طالب فيها بإيقاف المسلسل الذي يسيء إلى أبيه فؤاد (يؤدي دوره في العمل فراس ابراهيم)، ويصفه بـ''أنه كان يعيش من كسب شقيقته أسمهان، وإنه كان يوسعها ضرباً إذا لم تدفع له''· ويقول فيصل في شكواه: ''يظهر (المسلسل) عمي فريد (الأطرش) بأنه إنسان ضعيف لا حول له ولا قوة ويفرط بشرف أخته''· أما أسمهان فإن السيناريو، بحسب الشكوى، ''يظهر تفرّطها بجسدها من دون احترام لنفسها''، ويؤكد فيصل على أن السيناريو يعتمد عنواناً صحافياً مثيراً كتب ذات يوم: ''الوصول إلى القمة عن طريق الفراش''·
لكن ممدوح الأطرش، كاتب السيناريو الأول لـ ''أسمهان''، وهو من جمع المادة التاريخية الأساسية، وفي حديث مع ''الاتحاد''، يقول: ''أنا مفوض من آل الأطرش، وأملك 172 توقيعاً من رموزهم تكلّفني بالإشراف الفني على العمل''· وإذا كان ممدوح الأطرش يرى اعتراض فيصل رد فعل على السيناريو المسيء الذي سُرّب إليه، فإنه يرى في اعتراض كاميليا، الابنة الوحيدة لأسمهان، بدافع ماليّ وحسب، إذ سبق أن طلبت بوضوع مليونيْ دولار لتسمح بمرور العمل·
إن ما ظهر من العمل حتى الآن لا يسيء بأي حال إلى أحد، هذا في الوقت الذي يصرّ فيه مشتغلوه على أنهم ليسوا في وارد إظهار المغنية الشهيرة كقديسة، كما ظهرت أم كلثوم من قبل في المسلسل التلفزيوني الذي تحدث عن حياتها·
نبيل المالح، المخرج السينمائي الذي اشتغل طويلاً في التحضير للعمل، ثم تركه مكتفياً بكتابة السيناريو والحوار، يؤكد على أنه عالج مسألة ارتباط أسمهان المزعوم بالمخابرات البريطانية، ويقول: هذه حقيقة تاريخية لا يمكن تجاهلها· وأنا بحثت في أصول وأرشيف ووسائل ومقابلات خاصة لا يعرفها كثيرون · ويستدرك: إن موقفها بالتعامل مع المخابرات البريطانية هو موقف وطني بامتياز، وهي تحت عنوان تسهيل دخول الحلفاء إلى سورية ولبنان مقابل وعد بالاستقلال ·
أما الفنان فراس ابراهيم، وهو المنتج الأساسي الذي وقف وراء المشروع بعناد، فيقول في اتصال معه من القاهرة، حيث تُستكمل الحلقات الأخيرة من المسلسل: ''الحقائق التاريخية لا يمكن تجاهلها، ولكننا ننظر إلى الدافع بشكل مختلف''· ويوضح ابراهيم: ''المسلسل حقيقة فنية لا تاريخية، فهو ليس وثائقياً، ولا شك في أن في كل سيرة فراغاً ما يملؤه الخيال''· وفي ما إذا كانت الضجة التي صاحبت ''أسمهان'' قد خدمت المسلسل أم أساءت إليه، يعتقد ابراهيم أنها ''أثرت إيجاباً في ترويج العمل، فالناس فوجئوا بأن المسلسل على أعلى مستوى من الإتقان، وجماهيرية المسلسل في مصر مذهلة، ويلقي متابعة إلى حدّ أن كثيرين من آل الأظرش اتصلوا مهنئين بالعمل''·
ومسلسل ''أسمهان'' يعرض على عشر محطات تلفزيونية· ويرشح ليكون من أبرز أعمال الموسم الحالي· ومخرجه هو التونسي شوقي الماجري الذي استأثرت به الدراما السورية في أعمال من بينها ''إخوة التراب ،''2 و''أرواح مهاجرة'' المأخوذ عن رواية ''بيت الأشباح'' لإيزابيل الليندي، و''أبناء الرشيد''، وأخيراً قدم في العام الماضي مسلسل ''الاجتياح'' الذي تناول سقوط مخيم جنين منذ أعوام، ولكن المخرج التونسي المثابر (درس السينما في بولونيا) لم يحظ دائماً بمعالجات بارزة درامياً، كما حدث لـ ''أسمهان''، الذي كتبه على التوالي ممدوح الأطرش، وقمر الزمان علوش، بينما اشتغل المصري بسيوني عثمان على البيئة المصرية، ولكن لا شك في أن لنبيل المالح، وهو واحد من أبرز المخرجين السينمائيين في سوريا، لمسته الخاصة في كتابة محكمة· لكن، لا شك أن الجميع محظوظ بسيرة استثنائية لأسمهان، السيرة التي تجمع ما تحتاج إليه الدراما· فهي تستعير من حكاية الأمير الفقير، هي الأميرة التي توضع في أحطّ الظروف الإنسانية، ثم لا تلبث أن تصعد من أكثر الأحوال بؤساُ إلى أعلى سلم المجد· إنها خلطة تصلح لعمل هوليودي استثنائي ناجح، فيها الحب والفقر والثورة والجاسوسية، وفيها الغناء الذي غالباً ما يشكل نقطة جذب جماهيرية إضافية (الصوت الذي نسمعه في المسلسل هو صوت النجمة السورية ''السوبر ستار'' وعد البحري)·
المسلسل يكمل الآن ثلثه الأول، لكن هذا التقديم للأحداث يمسك حقاً بألباب المتفرجين، ويضعهم على أحرّ من الجمر في انتظار تفسير لقصة الجاسوسية، وللموت الغامض الذي خطف نجمة استثنائية في عزّ عطائها، النجمة التي ولدت في البحر وماتت فيه·
عدد اليوم
