السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللعب بالنيران.. بين الغرب وإيران!

26 يناير 2016 23:14
دعونا ننتظر ونترقب ثم نرى بعد ذلك ما يحدث.. هذا شعار العرب الذي أوردهم المهالك. شعار التفكير بالقطعة وبالتقسيط غير المريح. شعار (عندما يقع الأمر سيكون لكل حادث حديث). وهكذا فقد العرب المبادرة ولم يكونوا يوماً سبّاقين، بل هم كانوا دوماً مسبوقين. ويُقال إن أعرابياً رأى شبحاً قادماً في الظلام من بعيد فقال له أهله: إنه لص يريد أن يسطو على منزلنا، فقال الأعرابي: لا تسبقوا الأحداث، ولا تسيئوا الظن بالناس، ولعله خداع بصر. واقترب الشبح أكثر ودخل بوابة البيت. فقال الأعرابي: لعله عابر سبيل أو ضيف أو صديق، انتظروا لنرى ما الأمر، واقترب الشبح أكثر حتى بلغ مجلس الأعرابي وقتله مع كل أهله ونهب المنزل وفر بالغنيمة. وعندما يلتقي العرب في اجتماعات على أي مستوى بعد فوات الأوان يقبل بعضهم على بعض يتلاومون بعد أن طاف على الجنة طائف وهم نائمون فأصبحت كالصريم.. وكلما أوغلوا في الاجتماعات ازداد الشرخ والانقسام والخلاف لكنهم مع ذلك لا ينسون أبداً أن يشكروا الدولة المضيفة على كرم الضيافة وحسن التنظيم.. على طريقة النكتة الشهيرة: (ليس عندنا ما تريد وتطلب ولكن ما رأيك في النظام والتنظيم). ليست عند العرب قرارات ولا حسم ولا حل. ولكن ما رأيكم في كرم الضيافة وحسن التنظيم؟ «إن البغاث بأرضنا يستنسر»، هذا المثل العربي القديم ينطبق على العرب الآن بالنص والحرف.. البغاث التافه الحقير يصبح بأرضنا نسراً.. يستنسر في أرض العرب، فليس الأمر قوة العدو، ولكنه ضعفنا وليس الأمر ذكاء العدو ولكنه غباؤنا. تماماً كما قال وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العبقري إبان الحرب العالمية الثانية حين خسر معركة في هذه الحرب.. وأطلق الحكمة الخالدة: (لقد هزمني جيشي ولم يهزمني عدوي). لا يريد الغضب أن يتركني ويرحل عني لأن أسبابه لا تريد أن ترحل عن أمتنا.. وأمتنا سبب غضبي وحزني لأنها لا تريد أن تغادر محطة رد الفعل إلى خانة ومحطة الفعل. لا تريد أبداً أن توجه الضربة الأولى، ومصممة على أن تتلقى الضربة الأولى التي غالباً ما تكون الأخيرة ولا رد لها، وغالباً ما تتلوها ضربات تكون القاضية. سكتنا كثيراً وغضضنا الطرف عن سلوكيات إيران وتوغلها وكنا نردد دوماً أننا ملتزمون بضبط النفس وحسن الجوار وعندما تغولت إيران وتوغلت وتمددت وتباهت بالهيمنة واحتلال أربع عواصم عربية، كان وقت تحرك العرب قد فات. وتقول الحكمة العربية القديمة: (كل شيء يأتي في وقته قد مضى وقته). وعلى مرأى ومسمع من العرب، لعب الغرب مع إيران لعبة البرنامج النووي الإيراني المزعوم.. وكانت لعبة وخدعة وطعماً ابتلعه العرب.. فقد تفاوض الغرب مع إيران على تفكيك برنامج نووي مفترض وليس حقيقياً، وأستطيع أن أؤكد بل وأقسم غير حانث أن إيران لم يكن في نيتها ولا في تخطيطها أبداً إنتاج قنبلة نووية، لكن طهران أجادت اللعب بهذه الورقة. كما رأى الغرب أن اللعب مع إيران أفضل من اللعب ضدها. والمدهش في الأمر وما يؤكد أنها لعبة قذرة بين إيران والغرب أن الدول الغربية لم تتفاوض يوماً أو ساعة مع إيران من أجل الكف عن برنامجها الإرهابي الذي هو حقيقة، وليس وهماً ولا افتراضاً بينما تفاوضت معها حول البرنامج النووي وهو برنامج وهمي وافتراضي. وقد كانت إيران في رأي الغرب أحد أضلاع مثلث الشر أو «محور الشر» في العالم من خلال برنامجها الإرهابي المؤكد والمعلن في دستورها وليس من خلال برنامجها النووي الوهمي وتصريحات المسؤولين الغربيين بأن المنطقة أصبحت أكثر أماناً واستقراراً بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. محاولة لتسويق الوهم وإعطاء أهمية للصفقة المشبوهة، إذ لم يكن ولن يكون برنامج إيران النووي المزعوم خطراً على استقرار المنطقة ولكن الخطر الحقيقي بالأمس واليوم وغداً هو البرنامج الإرهابي الإيراني. ومن أسف أن اللعبة انطلت على العرب كما هي عادتهم دائماً، حتى استنسر البغاث الإيراني في أرض العرب لأننا التزمنا بما نسميه (ضبط النفس.. وعلينا أن ننتظر ونترقب). والعرب عانوا كثيراً وسيظلون يعانون من انتظار ما لا يأتي خصوصاً أنه لا يأتي من الغرب ما يسر القلب. لكن يأتي دوماً ما يوجع القلب، وقد لعبت إيران مع الغرب لعبة أقنعته فيها بأن العرب لا أمان لهم ولا خوف منهم. لا أمان للتحالف معهم لأنهم بلا مرجعية ولا صوت واحد وأن كل حزب بما لديهم فرحون. وليسوا كتلة واحدة. لكن إيران صوت واحد وهي مرجعية كل الشيعة، بل حتى كل الميليشيات الإرهابية السُنية في العالم كله، وأن القرار قرارها، وكل المفاتيح بأيديها، وأنها تأمر بالضرب والقتال فيقع وتأمر بالكف فيحدث، وأن التحالف معها مضمون. وقالت للغرب أيضاً إن العرب لا خوف منهم إذا فض الغرب تحالفه معهم. فهم لن يفعلوا شيئاً ولن يضروا الغرب شيئاً إذا تخلى عنهم. والنتيجة أنه لا أمان للتحالف معهم ولا خوف من فض هذا التحالف. وأؤكد أن الغرب اقتنع تماماً بهذا الطرح الإيراني واقتنع أيضاً بأن اللعب مع إيران ولو ضد العرب خير من اللعب مع العرب ضد إيران. فالعرب في كل الأحوال ليست لديهم أي أوراق للعب على الطاولة الدولية، بينما إيران تمتلك أوراق لعب كثيرة على هذه الطاولة. وإيران جمعت بين الأضداد في تحالفاتها وعلاقاتها القوية، فهي متحالفة الآن مع الغرب ومتحالفة من قبل مع روسيا وتركيا والصين وباكستان وعلى علاقة قوية جداً من تحت الطاولة بإسرائيل ويفسر هذه العلاقة ذلك الصمت الإسرائيلي المفاجئ عن خطر برنامج إيران النووي بعد الضجة التي أثارها نتنياهو قبل توقيع الاتفاق النووي. وكأن هذه الضجة كانت مسرحية هزلية بين إيران وإسرائيل وأميركا، بل هي كذلك بالفعل. أما العلاقات العربية مع هذه القوى كلها فهي علاقات ورقية، أو علاقة بيانات واجتماعات وتظاهرات سياسية مجوفة وبلا عمق ولا قيمة. وهي في مد وجزر مستمرين وليست مستقرة ولا مثمرة. وهكذا أقنعت إيران الغرب كما أقنعت تركيا وروسيا والصين وباكستان وكل القوى الدولية والإقليمية بأن العرب ليست لديهم أوراق لعب على الطاولة.. بل هم أنفسهم أوراق لعب على هذه الطاولة.. والمحصلة التي وصلت إليها إيران مع الغرب هي (لا تلعبوا ضد العرب ولا تلعبوا معهم.. ولكن العبوا بهم).. وهذا ما يفعله الغرب الآن بكل دقة.. فالعرب كانوا وما زالوا وربما سيظلون ضحايا اللعب بالنيران بين الغرب والجيران وخصوصاً إيران. *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©