الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أكثر من حب أم

17 ابريل 2012
عندما علمت بإصابتها بالمرض الذي أكل جسدها، وكان في مراحله الأخيرة، اهتز كيانها، واسودت الدنيا في وجهها، تقلبت في أوجاعها ومع خلع ثديها، قرر الأطباء خلع أمومتها وإلى الأبد، لكنها صمدت في وجه الجميع، وقررت جلد ذاتها، ليحيا آخرون، حركتها فطرتها، قهرت نفسها وحجبت رغبتها الملحة في الإنجاب رؤيتها لحالها بوضوح، فجسمها تهالك، ولم تعد له قدرة على منح الحياة لمخلوق آخر. وفي غفلة من الزمن الذي لم يعد له صبر على انتظارها أكثر، صممت على إنجاب طفل يزين حياتها، كانت في بداية زواجها، ولم يسبق لها أن ذاقت طعم الأمومة، وبعد أن انتهت فترة علاجها الأولى وتماثلها للشفاء نسبياً، تبين أنها حامل بعد شهور من ذلك، كانت سعادتها لا توصف، ومع بداية اكتشافها أنها ما زالت قادرة على منح الحياة كانت تجهز غرفة الطفل وملابسه، قرأت عن مراحل تطور الجنين في أحشائها وحضنته بقلبها قبل أن ترى النور عيناه، انتظرته بألم كبير جداً ونامت كل يوم في وجع، استفحلت حالتها وزاد أنينها، إذ الحمل ممنوع على من كانت في مثل حالها. نقلت إثر ذلك إلى عدة مستشفيات نظراً لتقلب حالتها الصحية، وانحدارها، لم يفلح معها أي علاج، ونصحها كثيرون بأن تتخلص من جنينها، رفضت قطعا ذلك، وبين نار المرض والألم، ونار لوم اللائمين، أصرت على أن تحتفظ به، وترعاه من دمها وتسمع خفقات قلبه بين ضلوعها، لم يكن سهلاً عليها أن تحمله تسعة شهور، وهي التي تعاني وتشعر بمرور الثواني والدقائق بطيئاً. تدهورت صحتها، وتنقلت بين العديد من المستشفيات إلى أن استقرت في أحدها خارج الدولة، تابعت علاجها وبعد أن وصل جنينها إلى سبعة أشهر أنجبته وفي نفس اليوم الذي تم فيه إخضاعها لعملية قيصرية، أجريت لها عملية جراحية أخرى في أحد أعضائها، حيث كانت تعاني من ورم فيه. اعتركت الحياة من أجل إعطاء طفلها الحياة، كانت ترفض أخذ المسكنات وهو في بطنها حتى لا تضر به، تحملت الآلام ومحنة المرض الذي استشرى في عظامها فنخرها نخراً، وعند إنجابه لم ترضعه حليبها، ولم تضمه إلى صدرها، فاق صبرها حدود التصور، ومع كل ذلك احتفظت بوليدها، إلى أن رأى النور، منحته اسم الحياة، وتغنت بجماله وروته بحب جارف، كانت مستعدة لتحيا معطوبة فقط من أجل أن تراه يكبر أمامها. ولم تستسـلم يوماً للنوم إلا وهي تفرش له ذراعها وقلبها، أصبحت تعيش من أجله وله، وقبل أن ينطق كلمة ماما، تأزم وضعها وتفاقم حالها، فنقلت على عجل لمستشفى، قضت فيه عدة أيام، وحين علمت بقرب أجلها طلبت مراراً رؤية ابنها لتنام إلى الأبد وصورته مخبأة في عينيها لتقبله وتحضنه وتروي عروقها الجافة بحبه، لكن لم يكن لها ذلك، فنامت وإلى الأبد قبل أن تسمع كلمة «ماما». لكبيرة التونسي | lakbira.to nsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©