الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الحجر الأسود» تقدم معادلاً بصرياً مسرحياً للمعطيات التاريخية

«الحجر الأسود» تقدم معادلاً بصرياً مسرحياً للمعطيات التاريخية
20 ابريل 2011 22:04
عُرضت مساء أمس الأول على خشبة مسرح مجموعة مسارح الشارقة مسرحية “الحجر الأسود” لفرقة مسرح الشارقة الوطني، من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وإخراج المنصف سويسي. وشارك في المسرحية ستون ممثلاً ومتخصصاً فنياً. بدأ العرض قبل إطفاء الأنوار في قاعة المسرح بقرع مدوٍٍّ على الطبول ترافق مع دخول عدد من الممثلين من بوابة الجمهور، فيما وقف قبالتهم في أسفل صالة العرض من ناحية الخشبة ممثلون آخرون في أجواء مسرحية تنتمي إلى ما يُعْرف بالفرجة المسرحية التي يجري فيها استخدام الطقوس الشعبية الموروثة وتوظيفها لصالح العرض، لكن هذا ما لم يظهر في ما بعد. غير أن الممثلين بكسرهم الإيهام وخروجهم على تقاليد المسرح بمعناه الأرسطي الكلاسيكي قد هَدَف منه سويسي إدخال جمهور عرضه فوراً إلى “الحالة المسرحية”، حيث يعلن الممثلون عن تولي عبد الله بن المعتز خلافة الدولة العباسية في بغداد العام 296 للهجرة، في ذلك الوقت الذي كانت تترنح فيه الدولة الإسلامية بين الفتن الداخلية والغارات الخارجية المتكررة على حدودها وانهيار سيطرتها عليها. لكن المخرج سويسي بعد ذلك عاد إلى قواعد اللعبة المسرحية الأرسطية، وقدم عرضاً مسرحياً عبر عدد من اللوحات المسرحية أكثر منه عبر عدد من المشاهد المسرحية إنما بالتزام النص الأدبي للعرض ورسالته ومعنى تقديمه في هذه اللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة العربية. غير أن هذا الأمر قد انعكس بصورة مباشرة على العرض، فما رأيناه في “الحجر الأسود” كان عرضاً سردياً ومعادلاً بصرياً للمعطيات التاريخية التي وردت في النص الأدبي من دون تأويلها، أي نقلها بتاريخيتها كما هي، وبنوع من العقلانية التي يسمح الفن بتجاوزها أحياناً، في سبيل تقديم عمل مسرحي راهن يتكئ على موروث تاريخي، الأمر الذي هو حق للمخرج بما أن المؤلف قد فوّضه للقيام بتحويل المادة الأدبية إلى نص بصري، وكذلك تفويض الجمهور بقبوله حضور العرض. بهذا المعنى فقد أوجد منطق العرض على ما جاء عليه منطقاً موازياً للمجريات التاريخية هو المنطق الاستاتيكي للحدث. غير أن ذلك لم يكن حائلاً أمام أن يستفيد المخرج، وبوصفه صانع سينوغرافيا العرض أيضاً، من التقنيات الحديثة في المسرح، خاصة الضوء أو اللون، بل إن هذه المشاهد كانت مقنعة أكثر من سواها درامياً وبدرجة ثانية عناصر الديكور الأخرى، خاصة الملابس وقطع الأثاث، على الرغم من أنها كانت تحدد مساراً لحركة الممثل باتجاه مقدمة الخشبة فقط من دون الاستفادة من المساحات الأخرى الفارغة الجانبية تحديداً، لكنْ، مع ذكاء، خاصة في استخدام الضوء، يقدم سويسي منذ البداية أحد فرقاء الصراع الدرامي (وهم القرامطة هنا) على أنهم أشبه بالخفافيش التي تلتئم مع بعضها بعضاً ليلاً في حركة دؤوبة و”حيوانية غريزية” لا تهدأ. لكن معنى هذه الحركة يتكشف شيئاً فشيئاً عبر تصاعد الخط الدرامي للعمل واحتدام الصراع حتى يصل إلى أوجه بانتصار القرامطة لبعض الوقت من تاريخ المنطقة العربية. أما على صعيد التمثيل، فقد جاء أقرب إلى ما هو عليه في الصورة المشهدية التلفزيونية منه إلى الصورة المسرحية، إلى حدّ أن هناك اداءً فحسب من دون اجتهاد من قبل الممثل أو من قبل المخرج على ممثله، باستثناءات، جاء مفاجئاً، من بينها أداء الشباب، ولعل في مشهد مقتل القادة العسكريين في القصر أبلغ ما يمكن أن يدل على بذل الممثل قصارى جهده في تحويل هذا المشهد إلى مشهد مقنع بطقسيته وبنيته الدرامية. وعلى الصعيد نفسه، لم يبرز أداء مميز للأدوار النسائية، ربما لأن الحوار لم يمنحهن ما يفجّر في كياناتهن طاقة أخرى كممثلات، فبدَوْن كما لو أنهن الأقل تعبيرية عن لحظة تاريخية تأزف فيها الدولة العربية والإسلامية على الأفول. لقد كنَّ نساء قصر فحسب إنما بأزياء فاخرة، ولم يبدُ عليهن القيام بدور يحاكي الدور الذي كانت النساء تفعله في بلاط الخلافة في لحظات الصراع القاسية من عمر هذه الدولة، حيث المصير الذاتي والموضوعي بات على المحك، وحيث الأفول قادم بلا ما يدع مجالاً للشك. وأخيرا، فاللافت في النص، تبعا لما يمكن للمرء أن يقرأه من الحوار، أن العمل لم يحمل على طرف من دون آخر، فلقد كشف عن الخلل وأسبابه في بنية الدولة وأوضح جملة الظروف التي أدت بالقرامطة إلى التحول من مشروع إصلاحي أو تنويري إلى مشروع “إرهابي” يرتبط بأجندات خارجية وفقاً لحسابات طائفية، كما هي عليها الحال اليوم. بهذا المعنى يضع المؤلف إبهاماً واسعاً على الجرح ذاته ويضغط بقوة. ففي هذا العمل يمارس مؤلف العمل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي دوره كمثقف نقدي.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©