السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا: ضغوط الحاضر وأسئلة المستقبل!

13 أغسطس 2016 22:42
إلى أين ستتجه تركيا بعد انقلاب 15 يوليو 2016 المجهض الذي شق في توالي أحداثه «الصف الإسلامي» الذي أفرز حزب العدالة والتنمية نفسه، ولطخ سمعة الجيش وأهان بعض قياداته، وزعزع صورة الاستقرار السياسي والملامح الإيجابية الثابتة للدولة التركية إقليمياً ودولياً؟ وماذا بعد الانفراد بالقرار؟ كيف ستحافظ تركيا على مكاسبها وتجربتها العلمانية إنْ سارت على تراثها الأتاتوركي بالممحاة والإزالة بلا رحمة كما فعلت منذ فترة ولا تزال؟ وما طبيعة علاقتها القادمة بأوروبا إنْ أدارت ظهرها للأصول الديمقراطية، وأخذت الناس بمجرد الشك والظنة، واتباع سياسة «انج يا سعد فقد هلك سُعَيد»! وإلى أي مدى ستمضي في إثارة غيرة الولايات المتحدة وحلف «الناتو» باتباع سياسة التقارب الوثيق مع روسيا وربما إيران؟ وللمراقبين أن يتساءلوا كذلك كيف ستتخذ تركيا قراراتها السياسية بعد اليوم بخصوص سوريا ومصر والقضية الكردية وإيران وإسرائيل؟ وماذا ستفعل بطابور فتح الله غولن «الخامس» داخل الجسد التركي! وقد خرّجت مدارسه داخل تركيا وخارجها آلافاً مؤلفة من الأتراك والنخب السياسية، وقدمت مؤسساته ««الخدمية» ومراكزه الاجتماعية للأمة العون والمال، وامتد نفوذ «غولن» ومؤسساته وتعاليمه في نصف قرن، عبر الدول الناطقة باللغات التركية.. من الأناضول حتى الصين؟ لقد انتفض الشعب التركي إسلاميين وعلمانيين في وجه الانقلاب العسكري، مصدقين دون تراجع، تحذير العدالة والتنمية بهجوم الذئب، وهذا إيجابي بالطبع ونقطة تحول في الوعي السياسي التركي. وبغض النظر عن نسبة مؤيدي الانقلاب في الجيش، إلا أن ما جرى له علناً من «بهدلة» كان مؤلماً حقاً لكرامة ومكانة الجيش، وقد تكون له عواقبه في الداخل، وعلى صعيد حلف «الناتو»، وفي الصراع مع الأكراد، وهيبة تركيا الشرق أوسطية! لا تستطيع تركيا الإسلامية أن تقطع درب الدين طويلاً دون أن تتبع استراتيجية تجد فيها الأطراف الأخرى جزءاً من مصالحها، ولكن باستطاعة تركيا أن تتميز في مجال تقديم رؤية ديمقراطية حديثة تعددية علمانية، مع احترام للأقليات وحقوق الإنسان، والبحث عن طرق ومحاولات للجمع بين الدين والحرية والحداثة. من الأهمية بمكان أن تعود تركيا إلى مصالحة العالم العربي، خاصة مصر والسعودية، وألا ترهن نفسها ومكاسبها لـ «الإخوان المسلمين» الذين فشلوا ذلك الفشل الذريع في مصر وأماكن أخرى. إن حزب العدالة والتنمية نفسه، يحرص فيما يحرص عليه، ألا يقدم نفسه للأتراك والعالم في صرة الحزب الديني الإسلامي الأصولي، ويلجأ إلى مختلف صور التقية والمداراة وطمس المعالم، فيما تتعمق سياسة الأسلمة والتمكين في مفاصل الدولة التركية والجيش بصمت، ولا يدري أحد ما الذي سيفعله حزب العدالة مستقبلاً إنْ انفرد بالقرار السياسي والتسلط الإعلامي والثقافي والديني. لماذا لا ينتقل العنف الذي تمارسه الجماعات الإسلامية «الجهادية» العربية إلى تركيا؟ الكاتب السعودي «ميرزا الخويلدي» يجيب عن هذا السؤال في «الشرق الأوسط»، 26-7-2016، مشيداً بدور العلمانية: «حتى الآن، فإن الصراع في تركيا عاقل، وما يمنع انحداره للعنف والدمار كما يحدث بين الأحزاب الإسلامية في سوريا ولبنان والعراق ومصر والجزائر، وغيرها، ليس التراث الأخلاقي للأحزاب الدينية، وإنما هي العلمانية التركية التي لها الفضل في ترسيخ قواعد اشتباك سلمية حالت دون الحرب. وفقاً لهذه القواعد، كان غولن يبني مؤسسات تعليم وطبابة وإعلام ليخترق المجتمع، بينما في دول أخرى يسعى الحزبيون للوصول للسلطة ببناء مليشيات وتهريب سلاح وتفخيخ العقول. نجت تركيا من الانزلاق لحرب أهلية، والفضل للعقل السياسي العلماني الذي نضج في الألفية الجديدة بما يكفي ليفتح الباب أمام أدوات سلمية للتغيير». لقد عرقلت العلمانية التركية الأتاتوركية في الواقع الوجه المتشدد للإسلام السياسي، وأثرت في مسيرته التي دمرت المجتمعات العربية، وإنْ كانت تركيا ستنقل لنا تجربتها في العلمانية أو على الأقل الجمع بين مجتمع متدين وإدارة علمانية عصرية منفتحة، فستقود العالم العربي والإسلامي وسط هذا الدمار والتخلف، أما إذا كانت ستبرز أنياب الإسلام السياسي المعروفة، وتروج لشعاراته، فإنها في الواقع تحمل التمر والبلح إلى البصرة والقطيف، وتحاول بيع الماء لسكان الأمازون.. والثلج للأسكيمو!. * كاتب ومفكر- الكويت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©