الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى أين تذهب؟

إلى أين تذهب؟
10 سبتمبر 2008 23:44
تقف الحيرة أمام الصفحة البيضاء، يسيل ارتباكها وتلعثمها خطوطاً وألواناً، أقواساً قزحيّة حائرة هي الأخرى ومغمورة بدماء الأفق والصحراء والمغيب· تقف الحيرة أمام الصفحة البيضاء، كما وقفت أمام عتبات كثيرة، عتبة المنزل مثلا، ذلك السقف المعلق في الفراغ بأضوائه ونوافذه المنهارة··· إلى أين سنذهب! إذ خرجت، الى أي الأماكن والمستنقعات والشرور الآدمية، ستقودك قدماك·· ليس من مكتبة هنا ليس من بحر وأصدقاء وأحلام مجهضة سلفاً، لكنها مسليّة، وتساعد على نفاد الوقت، عتاد الوقت الثقيل··؟ وتلك المرأة التي رحلتْ من غير أمل في العودة ''غبار الموت عراها حتى من الروح''· ليس من شيء عدا هذا الخواء الفاغر شدقيه من الأزل، إلى الأبد، وعدا سماسرة، نفايات مدن وخلجان تضربها الفيضانات باستمرار، قدموا لامتصاص ما تبقى في ضرع هذه الأرض الموشكة على الغرق النهائي والجفاف· تقف الحيرة أمام الصفحة الفارغة الملساء، كما تقف أمام كل تفاصيل الحياة والموت، التفاصيل والجزيئات الأكثر خطورة من الكليّات البالغة التركيب· تسفح الحيرة دمها من جراح لا تفتأ تنزف منذ بدء الخليقة، منذ الغراب الأول معلم البشر المستنير، وحتى النملة الحائرة أمام ثقبها في الرمل، بعد أن تاهت عن السرب، والطائر في سمائه المليئة بالحفر والغبار· السمكة التي ابتلعت طعم الصياد متخبطة في حيرتها، والسلحفاة المترحلة في ليل المحيط وسط الضواري والهوام، كما يقف الرجل الوحيد أو المرأة الوحيدة ، حائرة، مرتجفة من صقيع الداخل ولهب الظهيرة في الخارج الجاثم على الصدر والأعماق· تقف الحيرة أمام صفحتها مرتجفةً من هول المشهد وتدافع الأفكار والأخيلة والهواجس، كأنما تريد أن تلخّص ذلك الهول القياميّ، في جمل وكلمات تفرّ منها وتعاندها، طيوراً صاخبةً، جارحة، طيور الطوفان التي لا يقر لها قرار على ظهر الموجة المزبدة أو في تلك السواحل السحيقة الشاسعة· تقف الحيرة تفّاحة الحيرة على الطاولة كما عبّر شوقي أبي شقرا··· تقف أمام العاشق والمعشوق، أمام العضو، وليد التمساح، وهو يدلف كهفه المليء بالطحالب المائيّة والارتعاش· الحيرة، ملكة الوجود المتوجة بغار المجد والحقيقة والألم، الغابر، وذلك المقبل من صروف الدهر والأيام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©