الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استراتيجية الدفع إلى الأمام

استراتيجية الدفع إلى الأمام
17 ابريل 2013 20:44
افتتح مهرجان الخليج السينمائي عروض دورته السادسة بفيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور «وجدة»، الذي جال على العديد من المهرجانات العربية الدولية وحقق جوائز مرموقة، ونال تقديرا نقديا وجماهيريا عاليا. وميزة هذا الفيلم أنه ينتمي نظريا وفعليا، إلى مهرجان الخليج السينمائي. ففكرته انطلقت أصلا في دورة المهرجان عام 2008، عندما عرضت المخرجة هيفاء المنصور سيناريو الفيلم، الذي اشتغلت علية لثلاث سنوات، على إدارة المهرجان، فحصلت على الموافقة عليه، ونالت مساعدة القائمين على المهرجان، وقدموا لها المساعدة لكي تنقل فيلمها من الورق إلى حيز التنفيذ، فتقدمت به إلى مؤسسة (تورينو فيلم لاب) في إيطاليا من أجل إنجازه. وعن ذلك تقول هيفاء المنصور، إن عرض «وجدة» في افتتاح الدورة السادسة هو نوع من رد الجميل للمهرجان وإدارته، وهو تأكيد على رغبة إدارة المهرجان بتأصيل الهوية الخليجية وتعزيز الرؤية السينمائية والترويج لها وتشجيع صناعها من الشباب الخليجيين المبدعين والطموحين. وفكرة الفيلم الذي صورت كامل مشاهده في الرياض، تدور حول حلم الطفلة وعد بامتلاك دراجة هوائية خضراء، من أجل أن تسابق صديقها في الحي فتواجه بممنوعات ومصاعب. تتنوع تلك المصاعب ما بين المدرسة والعائلة. تصبح شخصية الفتاة العنيدة، والحالمة، عرضة للتكسير بضغوط التقاليد والعادات.. وعندما تحصل على دراجتها في المشهد الختامي.. ينفتح مستقبل الطفلة المنطلقة بدراجتها، مفتوحا على احتمالات أكثر وأصعب. جهاد هديب أرخى مهرجان الخليج السينمائي لدورته السادسة سدوله. انتهى السامر فانفض الجمع على أمل اللقاء في الدورة السابعة للمهرجان في مثل هذا الموعد من العام 2014. ترى هل حقّق المهرجان نجاحات كان يصبو إليها؟ هل اكتمل عقد الأهداف من المهرجان وانتظم حال السينما في الخليج؟ لو كانت الإجابة بنعم فإن على إدارة المهرجان أن تُغلق أبوابها ولا تعود إلى (الفيستفال سيتي) مرة أخرى ذلك أن الهدف الأسمى قد تحقق وانتهى الأمر بجائزة أو عدد من الجوائز التي سيُعاد تكرارها بأشكال مختلفة في كل دورة. إذا لم تكن أي فعالية، وليس مهرجان سينمائي فحسب، تحمل سرّ ديمومتها في رحمها فإنها ستموت إذ تدخل في نمطية بائسة لا تدفع أحدا إلى القدوم إلى مفرداتها أو متابعة تفاصيلها، لا من أهلها ولا من جمهور أهلها. هذه هي الحال في كل العالم وليس في الامارات أو الخليج العربي أو المنطقة العربية برمتها، بل إنه ما من مغامرة في القول بأن القحط والبؤس هو الذي يسم معظم المهرجانات العربية لأسباب مجهولة معلومة لا داعي لذكرها لأنها ذابت كالملح في الماء والعتمة في الضوء. الثقافة والصناعة نعلم جميعا أننا قد نختلف على أن هناك سينما في الإمارات، بالمعنى الحقيقي للكلمة كما هي في الثقافات الأخرى، ومن بينها ثقافات مجاورة، وأخرى أقرب إلينا من الثقافة الغربية، لكننا لن نختلف على أنه ليس هناك صناعة سينمائية في الإمارات مثلما في سائر البلاد العربية. ربما كانت هناك نواة لصناعة سينما سابقا من الخمسينات وحتى المنتصف الثمانينات لكن يصعب بعد ذلك الحديث عن مخرجين من الممكن أن نقول أنهم قد أسسوا لاتجاهات خاصة في السينما العربية، أو العربية بجغرافياتها التي ما أكثرها، كأن نقول سينما إماراتية أو أردنية أو فلسطينية إلخ.. هنا قد نتفق أو نختلف على أفلام مميزة أنجزها مخرجون مميزون، لكن لم تخرج من أعطاف هذ السينما واقعية جديدة مثلا في السبعينات وقد تجاوزت واقعية الستينات كما حدث في السينما الإيطالية. كانت مشكلة الفنون والآداب العربية إجمالا ولا زالت هي سطوة القرار السياسي المسبق على على الحراك الفني، أي أن هناك شخصا أو قانونا أو قرارا سياسيا في الأساس قد يلبس لبوسا فنيا أحيانا هو الذي يقرر ما الصراط المستقيم الذي ينبغي أن تسير عليه الفنون، والحال أن هذا الشخص أو القانون أو القرار قد أصبح مضمرا في «اللاوعي الفني» العربي بحيث بات من العسير تجاوز المرحلة السابقة التي انتهت منتصف الثمانينات، وذلك بالطبع بالإضافة إلى أسباب أخرى ربما تكون أكثر جوهرية. لنبق في سياق السينما في الإمارات، وبمناسبة مهمة هي مهرجان السينما الخليجي، فإن ميزة السينما في الإمارات أنها ناشئة، أي أنها ما تزال في المستوى الأفقي على مستوى التراكم ولم تبلغ المستوى العمودي الأمر الذي يتيح تحقيق قفزات إلى الأمام بل حققت نجاحات هنا وهناك. وهذا ما ينطبق على السينما الخليجية أيضا، التي لا يبلغ فيها عدد الأفلام الروائية الطويلة العشرة أو العشرين فيلما، منذ دخول السينما إليها ومنذ عرفت صالات السينما. أغلب الظن أن غياب هذا الأمر عن وعي القائمين على السينما في الإمارات والخليج ليس واردا، غير أن الإمارات تتميز عن سواها أنها أعلى إنتاجا على الرغم من التذمر الذي يبديه الكثير من المخرجين وهم لديهم الحقّ لأن حلم المبدع دائما أعلى من سقف الواقع وهذا أمر مشروع تماما. غير أن «حلم» مهرجان الخليج السينمائي قد حدود الجغرافيا المحلية ليبلغ الخليج العربي كله. بهذا المعنى فالمهرجان «حالم» أيضا، فهل يكفي الحلم في بلاد ما تزال فيه السينما ناشئة؟. قبل الإجابة عن هذا السؤال، فإن من المبرّر القول أن هناك نوع من الحراك الإيجابي والناجح، في أي حقل من الحقول الابداعية، من غير الممكن تلمّس نجاحاته على المستوى الإعلامي أو الإعلان عنه، لا بسبب الرغبة في إحاطته بسرّية أو التكتّم عليه، بل بسبب طبيعة هذا الحراك التي غالبا ما تكون بحاجة إلى الإنضاج على نار هادئة، وتتطلب وقتا سواء في وضوح الرؤية أم في تهيئة السبل للمضي قُدما بأقل قدر من الأخطاء، خصوصا إذا كان هذا الحراك من النوع الذي يحتاج إلى شخصيات قد تشكلت لديها خبرات واقعية ومنطقية انبنت على فهم عميق لطبيعة الحراك الاجتماعي مثلما لطبيعة الحراك في العمل الفني ذاته مثلما في الفن عموما. نوع من الشخصيات التي بوسعها أن تقرن الخبرة بالحدس، وبعض المعرفة بأخلاقيات تتعلق بالإحساس بالمسئولية تجاه ما يجري حولها وتشعر به حتى لو لم يكن واضحا تماما. طموح ومعايير في العدد الأخير من الشهرية السينمائية الإماراتية «رؤية» ردا على سؤال يتعلق بالحال التي هي عليه الآن السينما في الخليج عموما وفي الإمارات تحديدا ومدى تأثير ذلك على مشاركة الأفلام في هذا المهرجان، يقول مسعود أمر الله، المدير التنفيذي لمهرجان الخليج السينمائي: «خلال سنوات مضت برزت أفلام مثل بنت مريم وسبيل وأفلام أخرى بنوعية جيدة تدفعنا لأن أن يكون لدينا طموح إلى أن تكون أغلبية الأفلام جيدة وبهذه النوعية، أي أنه لم يعد هناك مجال للتنازل عن المستوى، لذلك سندخل في هذه المرحلة باختبارات وشروط مختلفة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة استيفاء الأفلام المشاركة شروط ومعايير أكثر موضوعية وحرفية». وعلى سبيل المثال الأقرب خليجيا، وهو السينما في الإمارات، لا يتجاوز عمر السينما هنا، أو عمر ظهور أفلام في الإمارات بالمعنى الحقيقي للكلمة أكثر من اثني عشر عاما مع ذلك فقد حقّقت إنجازات طيبة بالقياس إلى هذه المسافة الزمنية. كانت السينما في الامارات قد انطلقت مع انطلاقة مهرجان «أفلام من الامارات»، حيث التأم حول هذا المهرجان عدد من الشبّان المهتمين بالسينما والذين قاموا بصناعة أفلام لا ترقى إلى مستوى الأفلام التي تنتجها الصناعة السينمائية كما هو متعارف عليها. أما الآن فقد اختلف الوضع واستطاع عدد من بين هؤلاء المخرجين الشبّان أن يدفعوا بحلم أن يكون هناك مهرجان للسينما الخليجية إلى أن يصبح أمرا واقعا، ببساطة لأن الصعوبات والإشكاليات التي تواجهها صناعة السينما في الخليج هي تقريبا واحدة: ضعف الإنتاج، وغياب البنية التحتية (المعدات والأجهزة وكذلك الأكاديميات المتخصصة بالفنون السينمائية) وجزء كبير من البنية الفوقية (الكوادر الفنية وغير الفنية المؤهلة والقادرة على تشغيل هذه البنية التحتية وتسييرها إلى الأمام ما أمكن وما يرافق ذلك من مقاربات نقدية لما يجري على أرض الواقع)، وقبل ذلك ضحالة الوعي الاجتماعي بضرورة السينما بوصفها فنا مؤثرا في المجتمع وتحمل إمكانيات التغيير على المستوى الفردي والمجتمعي وكذلك ضحالة الوعي بأنها صناعة «ثقافية» تندرج في خانة الاقتصاد الثقافي مثلما تندرج في الدخل العام للدولة. أي أن المهرجان قد جرى الحلم به ليكون منبرا لسينما خليجية ترى نفسها في مرآة على حقيقة نفسها دون تزويق فتتطور وتتطور معها السينما في الامارات، لأن من غير الممكن الفصل بمشرط بين السينما هنا والخليج. السينما ليست حدودا جغرافية بل هي عابرة للحدود هنا. السينما والسوق هذا الكلام كلّه ليس جديدا، غير أن الحراك الموازي للعروض في مهرجان الخليج السينمائي يتقدم بالصناعة السينمائية في الخليج باضطراد، هو ليس مجرد اجتماعات في غرف مغلقة بل ورشات عمل ونقاشات واتفاقات وتهيئة فرص للإنتاج السينمائي وفقا لشروط ومواصفات غير مسبوقة بالنسبة للسينما الخليجية في أغلبها وليس في مجملها في الوقت الراهن. لنأخذ على سبيل المثال سوق السينما الخليجية بكل مفرداته وما يجري من سعي إلى رفع مستوى الوعي لدى السينمائيين بتفاصيل صياغة الفيلم بدءا من أن يكون السيناريو فكرة إلى أن يتحقق فيلما على الشاشة. وكذلك المشاريع الموازية التي يتم من خلالها إنتاج أفلام- مشروع إنجاز- وما تحقق من خلاله عبر هذه الأعوام من عمر المهرجان على حداثته، وهو أمر كي يُكشف عنه بالحيثيات والتفاصيل ينبغي الرجوع إلى أرشيف السينما الاماراتية خلال الأحد عشر عاما الماضية في ظل غياب إحصاءات رقمية حول السينما الاماراتية في الوقت الراهن. لكن هذه النجاحات التي تتحقق ببطء وأحيانا بعسر تكاد تكون لا مرئية لأن الإعلام لا ينقل أي من تفاصيلها تقريبا إلا مصادفة أو عرَضا، ربما لأنه متأثر جدا بثقافة الحاضنة الاجتماعية التي يتوجه إليها في هو على استعداد لتقديم أفلام أجنبية بقنوات مفتوحة لأربع وعشرين ساعة موجهة بالأساس لغير الخليجيين إنما لجاليات أخرى تعمل في الخليج. وأخيرا، فإن من المشروع طرح هذا التخوف الذي يتمثل في الفراق بين السينما في الامارات والخليج إجمالا وما تقدمه من إنجازات، أي الفارق الثقافي السينمائي بين العاملين في السينما من جهة والجمهور الذين يتوجهون إليه من جهة أخرى، بمعنى آخر هناك خوف من أن يكون مستقبل السينما في الخليج نخبويا تماما، إذ يأخذ هذا التخوّف مشروعيته من غياب مشروع تربوي تنموي متكامل، اماراتيا وخليجيا وعربيا، بضرورة حضور الفنون في حياتنا بوصفها حاجة تخص الأفراد مثلما تخص المجتمعات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©