الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شهاب غانم يصدر سيرة شعرية لوالده

شهاب غانم يصدر سيرة شعرية لوالده
10 سبتمبر 2008 23:54
عندما يكون المؤلف شاعراً من نسل شاعر، فلا غرو أن تكون كلماته موشّاة بلآلئ المعاني وعذب العبارات، وهو ما نجده بين دفتي كتاب ''صورة مدينتين'' للشاعر الدكتور شهاب غانم، وفيه يتناول بعضاً من أعمال والده الشاعر ''محمد عبده غانم'' والتي تعكس في كثير منها مدى عشق غانم الأب لمدينتي عدن وصنعاء، ومثلت أشعاره انعكاساً لمشاهداته وذكرياته فيهما، فضلاً عن إظهار الموهبة الشعرية لواحد من أكثر أهل اليمن ومنطقة الجزيرة العربية ثقافة وعلماً في القرن العشرين، فكان له أثره الواضح على الحركة الشعرية والثقافية في اليمن، حتى أن الدكتور عبدالعزيز المقالح قال عن عبده غانم: إنه أول من أدخل الرومانسية إلى الشعر اليمني المعاصر، وقد يرجع هذا إلى النزعة الرومانسية التي لمسناها في كثير من أعماله وخاصة الأولى منها، ومن جميل شعره في هذا المقام قوله: لست أدري ما الذي تخشين مني·· لست أدري وأنا الشاعر لا أرضى لمخلوق بضر أنا لولا لوعتي صنتك في قلبي كسرّي ومنعت القلب أن يخفق حتى لا تضري وبعيداً عن الرومانسية، وفي مرحلة أخرى من حياته الشعرية نجد عبده غانم يتعرض لصفحات من تاريخ اليمن وحكايات بلقيس، وسيف بن ذي يزن، وهو عندما يتحدث عن ذلك لا ينسى الرجوع إلى جبال مدينة عدن مثل جبلي شمسان وصيرة، فنجده يقول: الله أكبر! حول صيرة يلتقي بحران محتدمان ملتطمان جاشا بما اضطربت به دنياهما من قصة موّارة الألحان خطرت عليها الحادثات مواكباً تمشي الهوينى في ذرا شمسان وهنا نلحظ أن لدى الشاعر قدرة فائقة على السرد وتصوير جو المعركة، وكذلك ذكره لجبل شمسان الذي يُعد أعلى جبال عدن، والذي يتحدث عنه غانم في كثير من قصائده· وهناك من أشعار عبده غانم، ما يُعد تسجيلاً بشكل غير مباشر لفترات هامة في تاريخ اليمن، مثل وصفه لحادثة مقتل غلام يُدعى ''هشام'' في مظاهرة في أحد شوارع عدن: وانثنى في عرصة الدار هشام يتوارى فإذا الموت له بالباب قد سل الشفارا أي ذنب قد جنى حتى عن الشمس يوارى وكذلك رثاؤه لشاعر اليمن الكبير محمد محمود الزبيري الملقب بأبي الأحرار، الذي اغتيل وهو يحاول أن يخرج اليمن من مأساة الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين في ستينيات القرن الماضي، حيث يقول في أحد أبيات تلك المرثية· يا للرزية في طود هوى فهوت آمالنا الشم وارتجت لها البيد وهنا تظهر مدى قوة التعبير لدى الشاعر في تشبيهه المناضل بالطود، وكأن وفاته تعني ضياع آمال الاستقرار والوحدة التي كان يرنو لها أبناء اليمن آنذاك· ومن السمات المميزة لشعر عبده غانم أيضاً، أن كثيراً من تلك الأشعار انصبت على حياته الأسرية وحفلت بالكثير من المواقف التي عاشها أفراد أسرته، وهو ما قد لا نراه عند غالبية الشعراء، التي غالباً ما تكون تجربتهم الشعرية انعكاساً لحالة وجدانية عاطفية تجاه الأنثى، أو لصرف من صروف الحياة التي مرت يهم· وفي أعمال عبده غانم نجد ما يعرف في الشعر بـ''التناص''، من خلال قوله في مطلع قصيدة (بطاقة غريب في العيد)· يقولون عيد قلت ما يصنع العيد إذا جاء والأحباب دونهم البيد· حيث يُذَكّرُنا بقصيدة المتنبي الشهيرة (عيد بأية حال عدت يا عيد)· والرائي أو المتتبع لمسيرة ''غانم'' الشعرية يلاحظ أنه عرج إلى استخدام شعر التفعيلة في المرحلة الأخيرة من حياته، دون أن يتخلى عن قصائده البيتية التي ظلت الأساس المتين الذي بنى عليه قامته الشعرية، ويمكن أن نفسر لجوءه لشعر التفعيلة بأنه نوع من التميز والتمكن، وليس مجاراة للنزعة الحداثية التي حلت بالشعر العربي في تلك الفترة على يد الكثير من الشعراء، وهو ما يعني أننا نقف أمام شاعر متميز يؤمن بالحداثة والتجديد، ولا يقف جامداً حيال أي من أساليب الشعر الحديثة، ولعل من أجمل ما أبدعه غانم في شعر التفعيلة هو قوله في قصيدة بعنوان ''المشية'': ومشينا وهي ترافقني وتبادلني القول المعسول ومضينا وهي تسائلني ما شأن الشعر؟ فقلت لها·· ما زال يصول فرنت بالنظرة ترمقني والبسمة في العينين تجول أسمعني آخر ما عندك فنفضت جيبي كالمخبول أبحث عن شعر مقبول·· وهنا نلاحظ أن الشاعر لم يتخل عن الموسيقى في شعره، والتي تُعد من أهم سمات الشعر الكلاسيكي، أي أن رغبة الشاعر في التجديد لم تنزعه عمّا أَلِفَهُ في قصائده البيتية، فضلاً عن حرصه على تحري الجيد والرصين من فنون الشعر، وهو ما يظهر في مخاطبته لحبيبته بقوله ''أبحث عن شعر مقبول''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©