الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزل سياسي

غزل سياسي
17 ابريل 2013 20:46
«الدين ووظائفه السياسية» كتاب وضعه سكوت دبليو هيبارو عام 2010 وترجمته د. فاطمة نصر الى العربية مؤخرا وتحديد تاريخ صدوره مهم، فقد سبق أحداث الربيع العربي بعام كامل ومع بداية فترة رئاسة أوباما الأولى. يدرس الكاتب ما يطلق عليه «الدين السياسي» أو التوظيف والدور السياسي للدين من خلال دول ثلاث تبدو علمانية في مظهرها، لكنها ليست كذلك، وهي مصر والهند واميركا. وهذا الاختيار يبدو مقصودا، في مصر يسود الإسلام وفي الهند تسود الهندوسية وفي الولايات المتحدة تسود المسيحية، ينطلق الكاتب من لحظة مهمة في مصر وهي يوم 6 اكتوبر 1981 حين كان الرئيس السادات يحتفل بذكرى الانتصار في حرب أكتوبر 1973 فإذا بسيارة عسكرية تقترب منه وينطلق الرصاص منها ناحيته فيقتل على الفور وفي نفس الشهر ولكن في عام 1984 بينما كانت انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند تتحرك من مكتبها باتجاه أحد المكاتب الوزارية أطلق عليها اثنان من حراسها أكثر من ثلاثين طلقة وماتت على الفور. وتبين من التحقيقات إن قتلة السادات كانوا من أعضاء تنظيم الجهاد الذين قرروا انه خرج على الإسلام بالتصالح مع إسرائيل في مايو 1979 اما انديرا فقد اتضح ان الحارسين كانا من أقلية السيخ الذين اعتبروا رئيستهم منحازة الى الهندوس ضد أبناء السيخ الأمر الذي ترتب عليه انطلاق الهندوس في حالة هجوم عارمة على المواطنين السيخ وإحراق بيوتهم وطردهم من مساكنهم وقتل وجرح منهم حوالي ألفين. اما في مصر فتم القبض على أعضاء من الجهاد ومحاكمتهم. ضحايا وللوهلة الأولى يبدو ان السادات وكذلك انديرا غاندي كانا علمانيين، وراحا ضحية الأصولية المتشددة التي نمت في مصر وكذلك الأمر بالنسبة الى الهند. اما في الولايات المتحدة فقد لوحظ صعود التيارات المحافظة والمتشددة دينيا مع رئاسة ريجان وبلغت الذروة مع الرئيس بوش الابن خاصة بعد 11 سبتمبر 2001 حين اطلق تصريحات عدائية تجاه المسلمين والإسلام واستعمل تعبير «الصليبية الجديدة ومن ليس معنا فهو ضدنا» مفتتحا سياسة «الحرب على الإرهاب» التي انطوت على قدر من التشدد الديني كما تتبناه الجماعات الأصولية في اميركا. وتقوم فكرة الكاتب على نفي مقولة إن السادات كان علمانيا. وكانت انديرا ورونالد ريجان ثم بوش الابن علمانيين. في مصر يقوم الكاتب بمتابعة دقيقة للدور السياسي للدين الاسلامي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى عام 2009 ويدرس نموذج الإمام محمد عبده وما قدمه من أفكار وفتاوى تحمل تأويلات جديدة للدين تتيح التصالح مع العصر والحداثة، لكن أفكاره تراجعت مع تلميذه رشيد رضا ثم حسن البنا وحاول كل منهما الأخذ بتأويلات متشددة للدين الإسلامي في الجانبين السياسي والاجتماعي، ثم يتوقف عند فترة حكم الرئيس عبدالناصر ويثبت ان ناصر لم يقاطع الدين ولم يتخذ منه موقفا عدائيا كما لم يستبعده من السياسية هو ـ فقط ـ استبعد التأويلات والتفسيرات المتشددة وأخذ بتفسيرات منفتحة، تسمح بقيام عدالة اجتماعية وانتشار التعليم ومنح المرأة فرصا اكبر في التعليم وتولي الوزارة وخوض الانتخابات وقدم له تلك التفسيرات عدد من كبار مشايخ الأزهر مثل الشيخ شلتوت ثم جاء الرئيس السادات فاتخذ تفسيرات متشددة للدين الإسلامي عبر تصالحه مع الجماعات الأصولية، وقام الأمن بتمويلها وتسليحها لقمع المعارضة اليسارية خصوصا الناصريين، كما اعتمد السادات على الخطاب الأصولي المتشدد، واطلق على نفسه لقب الرئيس المؤمن، كي يجتذب الطبقات الفقيرة بتغذية المشاعر الدينية لديهم وانتهى الأمر بما حدث في 6 اكتوبر 1981 وعلى نهجه سار خلفه الرئيس حسني مبارك حيث غازل تلك التيارات وفي بعض الفترات عقد صفقات ضمنية معها لمواجهة الإرهابيين سنوات التسعينيات ولإرضاء من تعاونوا معه من الجماعات المتشددة مثل الإخوان المسلمين وتم العصف بحرية الفكر حتى وصل الأمر الى اغتيال د. فرج فودة عام 1992 في ضاحية مصر الجديدة عصرا وعلى بُعد مئات الأمتار من مقر رئيس الجمهورية كما جرت في اكتوبر 1994 محاولة اغتيال نجيب محفوظ امام منزله يوم الجمعة مما سبب له عاهة لازمته حتى وفاته وتمت مطاردة نصر أبوزيد منذ عام 1993 وتكفيره بحكم المحكمة مما دفعه الى ان يغادر مصر حتى وفاته عام 2010. إدماج وترك الأمر في بعض اللحظات للمؤسسة الرسمية «الأزهر» ان تقوم بهذا الدور كما حدث مع مؤلفات المستشار سعيد العشماوي التي صودرت بتقرير من مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وانتهى الأمر بأن نظام الحكم «العلماني» كان يتنافس مع تلك الجماعات على اجتذاب الشارع والطبقات الفقيرة بتبني التفسيرات والمواقف المتشددة. في الهند فعلت انديرا غاندي الشيء نفسه حيث اتجهت الى بعض الجماعات الهندوسية المتشددة لكسب أصوات الناخبين وحاولت إدماجهم في جهاز الدولة فنشروا تشددهم خاصة تجاه السيخ مما انتهى بمقتلها وما فعلته انديرا كان تراجعا عن سياسات غاندي ونهرو. وفي الولايات المتحدة حدث شيء مشابه حيث تم الاتجاه الى جماعات مسيحية متشددة ومغازلتها في الانتخابات منذ عهد نيكسون ووضحت بشدة مع ريجان وكانت النتيجة في الدول الثلاث اضطهاد الأقليات، الإقباط في مصر، السيخ والمسلمين في الهند والمسلمين في الولايات المتحدة وتراجع الأفكار الليبرالية ومستوى الحريات العامة والخاصة. التشدد لم ينطلق من الفراغ، ولكن تبنته في الدول الثلاث الأجهزة الرسمية وكبار المسؤولين عن تصور انه باجتذاب رموز هذه التيارات سيتم استرضاء واجتذاب التيارات الشعبية، فاتجهت الدولة الى الشعبوية ومن ثم الى التشدد. وفي كل الأحوال والأزمان فإن الدور السياسي للدين كان قائما وسيبقى كذلك، والمهم هو أي تفسير للدين وأي تأويل تتبناه الدولة ونخبتها الحاكمة؟، هل هو التفسير المتشدد والمتزمت ام التفسير الذي يتيح لأفكار الحرية والعدالة والأخوة والمساواة ان تنطلق وتتقدم؟، تفسير الأستاذ الإمام محمد عبده أم تفسير حسن البنا وسيد قطب وشكري مصطفى وعبدالسلام فرح؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©