الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المجددون في الإسلام أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين

11 سبتمبر 2008 00:40
يُعد الحسن علي بن إسماعيل الأشعري صاحب مذهب وسط بين إفراط المعتزلة في إعمال العقل، وتفريط المتشددين من أهل السنة تجاه قضايا الاجتهاد وإعمال العقل· والسمة التجديدية التي ساهم بها أبو الحسن في الإسلام هي جوهر عمله الاعتقادي، وهي التي يسميها أمين الخولي في كتابه '' المجددون في الإسلام '' الترجمة التجديدية التي شغلت الحيز الاعتقادي الإسلامي فترة طويلة، وهو ما جعل السبكي يقول عنه··'' هو شيخ طريقة أهل السنة، وإمام المتكلمين، والساعي لحفظ عقائد المسلمين'' ينتهي نسب إمام المتكلمين إلى الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري· وقد ولدا بالبصرة عام 270 هجرياً، وتوفي في بغداد· ــ كما يذهب إلى ذلك عبد المتعال الصعيدي في كتابه '' المجددون في الإسلام من القرن الأول الهجري إلى القرن الرابع عشر'' ـ وبسبب موقف الوسطي نفر منه المعتزلة والمتشددين من أهل السنة معاً وناصباه العداء، بل كان أصحاب النقل من أهل السنة ،الذين رأوا في علم الكلام بدعة مذمومة، أشد عليه من المعتزلة الذين فارق مذهبهم وشكك في نوعية إيمانهم· غير أنه في النهاية انتصر على الفريقين، وأخرج لنا مذهباً وسطاً يجذب إليه العديد من الأنصار والمؤيدين داخل العالم الإسلامي حتى الآن· قال عنه ابن عساكر في كتابه '' تبيين كذب المفترى '': سمعت الشيخ الإمام أبا الحسن علي بن المسلم السلمي على كرسيه بجامع دمشق يقول وذكر حديث أبو هريرة عن المجددين فقال·· '' كان على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وكان على رأس المائة الثانية محمد بن إدريس الشافعي، وكان على رأس المائة الثالثة الأشعري ''· عبر هذا الموقف الوسطي عن رغبة صادقة منه في جمع كلمة المسلمين على وسط اعتقادي يأخذ من كل طرف ما يجمع هؤلاء، وينهي ظاهرة الفرق الإسلامية التي سادت عصره، والعصور التالية· فلم يشارك أهل النقل مقولاتهم حول وجوب الوقوف عند دليل النقل وأنه لا يصح التأويل فيه، ولا العدول عنه إلى الأدلة العقلية المنطقية، إنما ذهب إلى أهمية الأخذ بالموروث وأن يستعان في إثباته بالأدلة المنطقية مع الأدلة النقلة· ولذا كان صاحب عقلية نقدية ليس مع الآخرين بل مع نفسه أيضاً، وهو ما يسمى حالياً بالنقد الذاتي، فقد كان يضع الشيء الذي قال به، ثم يرجع عنه، وينقضه، كما ذكر بن عساكر في كتابه '' تبيين كذب المفترى ''· نشأ في كنف شيخ المعتزلة أبي علي الحيائي، وكان لسانه في مناظرة المعتزلة مع الفرق الأخرى· وقد لازم المعتزلة في علم الكلام يأخذ عنهم قرابة أربعين عاماً، فكان أعلم أهلها بهذا المذهب، ولكن دون تعصب كما كان يفعل بعض المعتزلة· غير أنه كان دائم الحيرة والشك في مذهبه، ثم أراد أن يقطع هذه الحالة من الشك العقلي، فغاب عن الناس قرابة 15 يوماً ثم خرج عليهم في المسجد الجامع بالبصرة بعدها وقد تبرأ من المعتزلة ومقولاتهم· وقال قولته الشهيرة·· '' إني انخلعت من جميع ما كنت أعتقده، كما انخلعت من ثوبي هذا، ثم رمى ثوبه على الناس ''، وكتابه المشهور '' كشف الأسرار وهتك الأستار '' كشف فيه نقده الشديد للمعتزلة ورده على الكثير من مقولاتهم حول المسائل التي أثارت الناس في عصره· وهذا الكتاب هو واحد من مئات الكتب التي نسبت له طوال حياته، ولم يصلنا منها إلا القليل· يصف الخولي النهج الوسط الذي انتهجه الأشعري بالأسلوب الانتخابي بين المذاهب، الذي يعرف في تاريخ الحياة العقلية، وفيه يأخذ من كل مذهب بطرف يختاره وينتخبه، بهدف جمع الناس على قواسم مشتركة تنهي حّدة الجدل العقائدي بينهم· ولكن يحسب للأشعري دعوته لإعمال العقل والاجتهاد في المسائل والقضايا التي تعرض لها الإسلام في حياته، وتحديداً في الفروع التي باتت موضع خلاف كبير إلى يومنا هذا· وثمة مجالان يعتبران جوهر مذهب الأشعر التجديدي هما: تطويره الاعتقادي في مناقشة قضايا الفروع التي كثرت بتعقيد حياة المجتمع الإسلامي؛ وتسامحه الديني نتيجة هذا التطور مع أهل المذاهب الأخرى إذ أنه لم يكفر أحدا حتى المعتزلة· لا يعني التطور لديه، الاقتصار على مظاهر الإحياء الديني بجميع صنوفها فحسب، وإنما أيضاً الحفاظ على استمرارية الدين كمحدد فاعل في حياة المسلمين، ولن يكون ذلك بدون جعل الدين مسايراً لحياة المسلمين وفيه يجد الجميع حلاً لكافة قضاياهم الحياتية· فالتجديد لديه ليس إعادة قديم اندثر وأهمل فحسب، وإنما الأهم هو الاهتداء إلى الجديد الذي يجيب على تساؤلات الحاضر ومصالحه المسترسلة· تكشف ظاهرة تسامحه الديني عن قدرة مذهبه الكبيرة في تصويب المجتهدين في مسائل الفروع، ومخالفته بذلك للشافعي، وهي الحقيقة التي حاول تأكيدها ابن عساكر بقوله·· '' بمناسبة القول باتباع الأشعري مذهب الشافعي، والقول باتباعه المذهب المالكي، فهو قول لم تقم عليه بينة· فسبب التجاذب بينهم، أن الأشعري كان ينظر في فقه المذاهب ولا يتحزب لبعضها على بعض ''· ولذا نجده يعترف لكل مذهب بقدر كبير من الصواب ، ثم يجمع الناس بعده على نهج وسط· ما أحوجنا نحن في عصرنا الحالي حيث كثرت الخلافات المذهبية والفقهية، أن نعيد لتلك الوسطية دورها في تنظيم حياة المجتمع الإسلامي، والتي بلورها الأشعري قبل أكثر من عشرة قرون· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©