الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليوم العالمي لمكافحة المخدرات

اليوم العالمي لمكافحة المخدرات
24 يونيو 2010 21:10
تمر بنا في هذه الأيام ذكرى اليوم العالمي لمكافحة المخدرات والتي توافق غداً السبت السادس والعشرين من شهر يونيو (حزيران) من كل عام ، ونحن في كل مناسبة نبين وجهة نظر الإسلام كي يكون المؤمن على بينة من أمره. لقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير ممن خلق، فهو الخليفة في الأرض قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}(سورة البقرة الآية 30)، ومما كرم الله به الإنسان أن جعله مناط تكليفه، وهذا لا يكون إلا في ظل عقل سليم، لذلك حرم الله تعالى بكتابه وسنة نبيه كل ما ينتقص من قيمة العقل أو يؤثر عليه، وقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالمصالح الضرورية للحياة البشرية، (نظراً لأن إهمالها والتهاون بها يؤدي إلى تفويت منفعة أو جلب مضرة للفرد والمجتمع) التي جاءت الشريعة إلى تحقيقها وترجع هذه المصالح الضرورية إلى خمسة أشياء كما ذكر ذلك الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات وهي: (حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال). وقد أنزل الله الدين الإسلامي لتصحيح مسار البشرية الضالة، وتقويم المعوج من الفطرة السليمة، ولضبط حركة الحياة والأحياء. ومن هنا حرم الله – عز وجل – على المسلم كل ما ينتهك حرمة بدنه ونفسه وعقله وماله وعرضه، وآفة المخدرات بشتى أنواعها حطمت أمماً كاملة، وتهدد أمماً قائمة وحضارة فاعلة، والمخدرات هي مجموعة العقاقير التي تؤثر على النشاط الذهني والحالة النفسية لمتعاطيها إما بتنشيط الجهاز العصبي المركزي أو بإبطاء نشاطه أو بتسببها للهلوسة أو التخيلات. لقد تفاقمت مشكلة المخدرات في السنوات الأخيرة وأضحت مشكلة عالمية، حيث ترتبط هذه المشكلة بمشاكل أخرى عديدة مثل انتشار الجريمة والموبقات، وما يصاحب ذلك من تفكك عرى المجتمع وتحطيم كيان الأسرة. فلقد أصبحت المخدرات بأنواعها وأصنافها ومسمياتها المختلفة داء داهماً وخطرا ًفتاكاً يواجه العالم بأسره، وبخاصة الشباب الذين يتعرضون اليوم لهذا الداء الخطير، الذي يهدد أجسامهم بالمرض، وعقولهم بالانحراف، وضياع طاقاتهم، التي وهبها الله لهم لصلاح دينهم ودنياهم. لذلك نجد أن ديننا الإسلامي الحنيف يحرم المهلكات المذهبات للعقل والمفسدات له، لأن سعادة الإنسان رهينة بحفظ عقله، وبالعقل رفع الله الإنسان فهو مناط التكريم ومناط التكليف ، ولما كان العقل بهذه المثابة فقد حرم الله تعاطي كل ما يوبقه أو يذهبه حرمة قطعية وبما أن الأمور بمقاصدها، فإن إنتاج المخدرات والاتجار فيها وزراعة أشجارها وتصنيعها وبيعها وترويجها والتستر عليها وكل ما يعين على تعاطيها حرام شرعاً. لذلك نجد بأن القرآن الكريم يحرم الخمر قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (سورة المائدة الآية 91-92)، هكذا نزلت الآيتان الكريمتان في سورة المائدة وحينما قال الله تعالى: (فهل أنتم منتهون ) قالوا: قد انتهينا يا رب...قد انتهينا يا رب. كان الرجل منهم يمسك بالكأس في يده، شرب بعضها وبقى بعضها، فأفرغها ولم يكمل الكأس، ثم ذهبوا إلى بيوتهم فجاؤوا بقرب الخمر وأفرغوها في طرقات المدينة وقالوا: انتهينا يا رب. وحيث إن الله سبحانه وتعالى قد حرم الخمر في هذه الآية الكريمة، وبين أن من مفاسدها الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وكذلك المخدرات وغيرها من الأنواع الأخرى فإنها تخدر صاحبها وتذهب بعقله، فلا يعقل صلاة ولا غيرها، وتضييع الصلاة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام، ( فكل ما أخرج العقل عن طبيعته وخامره فهو خمر)، هكذا قال عمر أمير المؤمنين- رضي الله عنه - أمام الصحابة الكرام ولم ينكر عليه أحد، فهذا إجماع من الصحابة. وهذا ما ينطبق على هذه المخدرات: حشيش، أفيون، كوكايين، هيروين، كل هذه الأشياء تخامر العقل وتجعل الإنسان غير واع بنفسه ولا بما حوله، ويتصور الأشياء على غير ما هي عليه ، الناس يقولون عنه: مسطول، إنسان تائه ضائع. كما أن السنة النبوية الشريفة تحرم المخدرات في قوله صلى الله عليه وسلم –: ( كل مسكر حرام ) (أخرجه البخاري)، وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) (المستدرك على الصحيحين) ، وهذان الحديثان وغيرهما من الأحاديث التي تدل على تحريم المسكر، استدل بهما من قال: إن الحشيشة مسكرة، والشاهد أن الأحاديث الشريفة لم تفرق في المسكرات بين نوع ونوع لكونه مأكولاً أو مشروباً، كما استدل على تحريم المخدرات بالحديث الشريف: ( نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كل مسكر ومفتر ) (أخرجه أبو داود) . كما وأفتى بحرمتها شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال: “هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أم لم يسكر، وإنما يتناولها الفجار لما فيها من النشوة والطرب”. كما أن للمخدرات أخطاراً صحية، ومن أخطر أضرار المخدرات الصحية التي توصل إليها الأطباء أنها تسبب أمراضاً مزمنة للجهاز الهضمي، والجهاز العصبي ، والتهاب الكبد ، وكذلك للجهاز التناسلي. كيف يمكن معالجة هذه القضية؟ يمكن معالجة هذه القضية وذلك بما يلي: 1- العمل على تنشئة الفرد المسلم على الأخلاق الإسلامية: ويكون ذلك بتكوين أسرة متماسكة تتكون من زوجين صالحين، يعيشان حياة كريمة في جو أسري مستقر، يلتزم بالأحكام الشرعية في جميع مناحي الحياة. 2- التنشئة الاجتماعية السليمة: وذلك بالتواصل والحوار المستمر مع الأبناء وتقوية الإيمان والوازع الديني والقدوة الحسنة من قبل الوالدين وأفراد الأسرة البالغين له التأثير الأكبر في تشكيل سلوك النشء مع الحرص على استخدام أسلوب الحزم والمودة والابتعاد عن التدليل والتسلط المفرطين. 3- الجو الأسري الآمن : فالجو الأسري الآمن الذي تسوده المحبة والوئام، الخالي من المشاحنات والمنازعات والبعيد عن التهديد يؤدي إلى تماسك الأسرة ويجعل كل فرد يحقق طموحاته ومستقبله. 4- مراقبة الأبناء، ومتابعتهم لإبعادهم عن رفقاء السوء: لقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- :”المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” (أخرجه الترمذي وأبو داود) فعلى ولي الأمر مراقبة أبنائه حتى لا يخالطوا الأشرار فيندم في ساعة لا ينفع فيها ندم. 5- توعية أبنائنا توعية دينية كافية وغرس القيم الإسلامية: فالدين الإسلامي أكبر سلاح يقي الإنسان من الانزلاق في مهاوي الردى، لأن الدين وقاية من كل الشرور والآثام، فالإنسان المتدين يبتعد عن المحرمات ويخشى الله سبحانه وتعالي، ويعلم أن الله لا تخفى عليه خافية. 6- توجيه المدمنين إلى المصحات النفسية، وحثهم على التوبة لعل رحمة الله تدركهم. فهذه الشريحة بحاجة إلى توجيه سليم ورعاية كبيرة، وأن نبعدهم عن مواطن الخطر، وألا نكون عوناً للشيطان عليهم بل نرغبهم في دين الله، فكم من رجل ضل الطريق وهداه الله، فهؤلاء كالغرقى في البحر بحاجة إلى غواص ماهر ينقذهم إلى شاطئ السلامة لا إلى من يزيدهم بللاً إلى بللهم. فقد ورد في الحديث الذي جاء في الموطأ أن سيدنا عيسى عليه السلام قال: “الناس صنفان: مبتلى ومعافى، أما المبتلى فادعو الله له، وأما المعافى فليحمد الله على فضله”. فتأمل يا أخي القارئ قوله عليه الصلاة والسلام “ادعوا الله له” ولم يقل ادعوا عليه، لعل رحمة الله تدركه، فإن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها. 7- على أولياء الأمور اليقظة الكاملة لمنع هذه المهلكات من الوصول إلى بلدنا، وأخذ المتاجرين بها ومروجيها بأقصى العقوبات. فلا بد من الضرب بيد من حديد على أيدي تلك الفئة المارقة التي تريد إفساد المجتمع، وانتشار الرذيلة فيه من خلال نشر هذه المحرمات، ولا همّ لهذه الفئة وللأسف إلا طلب الدنيا، والربح الوفير، وقضاء الشهوات. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©