الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مراسلات الملك الحسين··· دروس للرئيس أوباما

مراسلات الملك الحسين··· دروس للرئيس أوباما
29 يناير 2009 02:42
بدرجات مختلفة وبنتائج أحياناً غير متماسكة سعى جميع الرؤساء السابقين على أوباما إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون أن يحالفهم كثير من الحظ، لكن إذا كان أوباما يريد فعلاً الاستثمار في عملية السلام وبعثها من سباتها، فلا بد أن ينظر إلى ما هو أبعد من دروس الرؤساء السابقين· فهو لكي يتوصل إلى إجابة شافية تسهم ليس فقط في وقف موجة العنف الحالية، بل إرساء سلام دائم وعادل عليه أن يتعلم من تجربة أحد أبرز اللاعبين في مسلسل السلام بالشرق الأوسط طيلة الجزء الأخير من القرن العشرين متمثلا في ملك الأردن الراحل الحسين بن طلال· فمع أنه بحلول الشهر المقبل سيكون قد مر على رحيله عشر سنوات، فإن تجربته تظل معيناً لا ينضب من الدروس التي يمكن للرئيس أوباما الاسترشاد بها في مساعيه الدبلوماسية وفي تعامله مع منطقة حساسة مثل الشرق الأوسط· هذه التجربة الطويلة تكشفها أوراقه الخاصة التي ظلت مغلقة على العامة في مركز الوثائق الهاشمية حتى مُنحت استثناء خاصاً للاطلاع عليها عام ،2007 لتكشف عن رجل ألهمته ثم أحبطته الاستراتيجيات المختلفة والتقلبات السياسية للأطراف المعنية بالصراع في منطقته· فالمراسلات الخاصة للملك مع الرؤساء الأميركيين السابقين منذ إيزنهاور توفر لنا فرصة للتعرف على تفاصيل العلاقات الأميركية مع الشرق الأوسط والمقاربات المختلفة سواء الناجحة منها أو الفاشلة، وكيف يمكن لبعث جهود السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أن تعزز فرص أميركا في تحقيق بعض النجاح في المنطقة· وعلى سبيل المثال أحيت جهود الرئيس جيمي كارتر، الذي لم يخفِ بالمناسبة تأييده للرئيس أوباما بجعله للصراع في الشرق الأوسط على سلم أولوياته، أمل الملك الحسين في السلام وبإمكانية تدشين إدارة كارتر لحقبة جديدة في المنطقة، لا سيما بعدما اتبع كارتر مقاربة المفاوضات متعددة الأطراف التي كان يفضلها العاهل الأردني· لكن بعد زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس في نوفمبر 1977 انحرفت مقاربة كارتر القائمة على تعدد أطراف المفاوضات عن سكتها لينتهي الأمر بتوقيع اتفاق سلام ثنائي بين مصر وإسرائيل بعد مؤتمر كامب ديفيد عام ،1978 والحال أنه في رأي الملك الحسين لا يمكن للسلام أن يعم المنطقة ما لم تتم تسوية وضعية الفلسطينيين· فقد اعتقد العاهل الأردني أن الرئيس كارتر وقع تحت إغراء الثمار القريبة متمثلة في الاتفاق الثنائي بين إسرائيل ومصر ما دفعه إلى التخلي عن تطلعات السلام في عموم المنطقة، وقد أوضح الملك في رسالة وجهها إلى الرئيس كارتر إحباطه نيابة عن أشقائه العرب قائلاً ''أغلب الأطراف العربية بمن فيها الأردن يرى أن اتفاق كامب ديفيد الذي أبرم برعاية أميركية نجاح إسرائيلي في تحقيق هدفها بعزل مصر عن المعسكر العربي، وبالتالي الإمعان في إضعافها أكثر''· واليوم وبعد مرور ثلاثين سنة على ذلك التاريخ مازالت القضية الفلسطينية تراوح مكانها من دون حل، ولو امتد العمر بالملك لكان أوصى أوباما بإعادة التركيز على حل شامل ومتعدد الأطراف حتى لا يأتي خلف لأوباما ويغير مجمل السياسة· وعلى غرار أوباما اليوم دخل الرئيس رونالد ريجان البيت الأبيض وهو يحمل معه آمالاً كبيرة علقها عليه حلفاؤه العرب، لكن سرعان ما تبين أنه يجهل أساسيات التعامل مع المنطقة، وهو ما أثار العديد من الشكوك لدى الملك الأردني· وجاءت فضيحة ''إيران- كونترا'' التي أخذت الملك وباقي المراقبين على حين غرة في نوفمبر 1986 لتؤكد المخاوف الأردنية من جهل الرئيس ريجان حساسيات الشرق الأوسط· ومنذ عام 1982 تولى العاهل الأردني دور الوساطة بين صدام حسين والولايات المتحدة التي كانت تدعم العراق في حربه مع إيران الثورية، وعندما انفجرت فضيحة ''إيران- كونترا''، وطفح كيل الملك وجه رسالة واضحة إلى ريجان قال فيها ''علي أن اعترف بأن كل جهودي لفهم تصرفات الولايات المتحدة خلال الأشهر الثمانية عشر الأخيرة ذهبت سدى''· وإلى جانب الثقة التي كان يضعها الملك في الرئيس ريجان وجهت فضيحة ''إيران-كونترا'' ضربة قاسية إلى الآمال العربية في علاقات جديدة وصحية مع الولايات المتحدة ليمنح ذلك درساً آخر إلى الرئيس أوباما مفاده أنه لابد من التعامل بنزاهة مع الأصدقاء· وخلافاً للرئيس ريجان كان الملك يعرف جيداً مواقف الرئيس جورج بوش الأب، فرغم الخلافات الجوهرية بينهما بشأن حرب الخليج الأولى كشفت المراسلات بينهما سياسة واضحة في الحوار الثنائي القائم على الاحترام المتبادل· وفي رسائله إلى بوش الأب عبر الملك عن ''خيبة الأمل البالغة بشأن الهوة التي تفصل بين التطلعات العربية المشروعة وبين سياسات الولايات المتحدة تجاهنا''· وقد شكل الانخراط الأردني في جهود السلام الأميركية التي أعقبت حرب الخليج الأولى دافعاً مهماً في توطيد العلاقات بين الملك والرئيس بيل كلينتون اللذين اقتسما الرؤية نفسها حول ضرورة التفاوض على اتفاق سلام شامل يعالج جميع القضايا، ولا يستثني دولة من الدول· وبعد وفاة الملك، كتب كلينتون رسالة إلى نجله الملك عبدالله يشيد فيها بخصال والده و''بتفانيه من أجل السلام، والتزامه بالقيم العالمية للتسامح والاحترام المشترك···لقد كان مصدر إلهام ونموذجاً لنا جميعا''· نيجال آشتون أستاذ بكلية الاقتصاد في لندن وكاتب سيرة العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال· ينشر بترتيب خاص مع ''كريستيان ساينس مونيتور''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©