السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تقنية «التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون» في مواجهة الانبعاثات الكربونية

تقنية «التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون» في مواجهة الانبعاثات الكربونية
23 نوفمبر 2009 23:35
تعتبر قضية إيجاد الحلول الكفيلة بالتخفيف من حِدَّةِ ظاهرة التغير المناخي والحَدِّ من تأثيراته السلبية على عالمنا إحدى أهم القضايا التي تشغل قادة العالم وعلماءه اليوم. وقد ساهمت العديد من النشاطات البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات ومجموعة أخرى من الأنشطة الصناعية في زيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي. ونتيجة لذلك يواجه عالمنا تأثيرات بيئية ضارة مثل الجفاف وانحسار الكتل الجليدية وارتفاع منسوب مياه البحار نتيجة لذوبان الغطاء الجليدي القطبي. ويتطلب التقليل من مستوى غاز ثاني أوكسيد الكربون والغازات الدفيئة لمنع تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري تطوير ونشر تقنيات متنوعة. ولبدء ذلك، يجب على عالمنا إعطاء الأولوية لكفاءة الطاقة، والتركيز على زيادة حصة الطاقة النظيفة وسط أنواع الطاقة الأخرى. وبما أن الوقود الأحفوري سيبقى أحد الموارد الرئيسية للطاقة خلال السنوات المقبلة، فمن المهم أيضاً التركيز على التقليل من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن لهب محطات الوقود الأحفوري وغيرها من انبعاثات المنشآت الصناعية الكبرى. ويمكن القيام بذلك من خلال تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” المعروفة بـ(CCS)، حيث تمكننا هذه التقنية من التقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المنشآت الصناعية وتخزينه بشكل دائم تحت الأرض، أو إعادة حقنه في حقول النفط لتعزيز إنتاجيتها. ومع أن العالم يقوم باستثمارات جدية لتطوير تقنيات الطاقة المتجددة ونشرها، إلا أنه ليس من السهل الوصول بهذه التقنيات للمستوى التجاري خلال فترة وجيزة. وعلى الرغم من النسبة المتميزة التي أظهرتها بعض السيناريوهات الدالة على أنه يمكن للطاقة المتجددة أن تزودنا بأكثر من 40% من الطاقة التي يحتاجها العالم بحلول عام 2050، سيبقى كل من الوقود الأحفوري والطاقة النووية صاحبي النصيب الأكبر من حصة الطاقة المستخدمة في عالمنا. لذا، فإن اهتمامنا خلال الفترة الحالية يجب أن يتمركز حول كيفية جعل الطاقة المعتمدة على الوقود الأحفوري طاقة أنظف، والحل ببساطة يكمن في تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” (CCS). ترى اللجنة الحكومية الدولية المشتركة للتغير المناخي (IPCC) أنه يمكن لتقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” أن تساهم في 50% من التخفيض المطلوب في الانبعاثات الكربونية لاستقرار نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في عالمنا مع نهاية القرن الحالي. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يتم تبني هذه التقنية بمختلف أشكالها وتطبيقاتها. وتشتمل تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” على ثلاثة مقومات رئيسية تجسد المراحل الفعلية لتنفيذها وهي التقاط ونقل وتخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون. وغالباً ما يتم تطبيق هذه المراحل الثلاث في قطاع النفط والغاز، حيث يتم استخلاص غاز ثاني أوكسيد الكربون من خطوط الإنتاج ومن ثمَّ نقلها وتخزينها ضمن كيانات جيولوجية تحت الأرض. فعلى سبيل المثال، يتم في النرويج فصل غاز ثاني أوكسيد الكربون خلال عملية إنتاج الغاز من حقل بعيد عن الشاطئ، وإعادة حقنه في كيان خاص من الحجر الرملي. بينما يتم في الجزائر استخلاص حوالي مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون من حقول الغاز الطبيعي وتخزينها في حقل عين صالح في الصحراء الكبرى. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى على التطبيق الناجح لسلسلة عمليات تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون”. وتعتبر تجربة أميركا الشمالية في هذا المجال أحد أبرز التطبيقات التجارية لهذه التقنية، حيث يتم التقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون من إحدى محطات الفحم الحجري لتصنيع الغاز في شمال داكوتا في الولايات المتحدة الأميركية، وإعادة حقنه في حقل ويبورن للنفط في ساسكاتشيوان في كندا ليعزز من إنتاجيته. وتقوم هذه المشاريع بالتقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون خلال المرحلة التي تسبق إحراقه، والتي تعتبر أسهل وأقل كلفةً من عملية التقاط هذا الغاز بعد مرحلة إحراقه، وهي الطريقة المعتمدة في المصادر الصناعية ومصادر الطاقة. ولا تزال تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” في بداياتها وهي من دون شك مفتوحة أمام مزيد من جهود التطوير والانتشار. وفي أبوظبي، تعمل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) جنباً إلى جنب مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) للوقوف على فرص تطوير مشروع تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” الذي سيساهم في التقاط عدة ملايين من أطنان غاز ثاني أوكسيد الكربون من محطات الطاقة ومصادر صناعية أخرى ليتم توظيفها في تعزيز إنتاجية حقول النفط. وبالتأكيد، فإن عملية استخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون من خلال هذه التقنية واستبداله بالغاز الطبيعي الذي يتم حقنه حالياً لتعزيز إنتاجية النفط، ستعود بفوائد حقيقية كبيرة على أبوظبي، إذ سيتم استخدام الغاز الطبيعي الذي سيتوافر من خلال هذه العملية كأحد مصادر الطاقة، وبالتالي خفض معدل انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الإمارة. وستعمل “أدنوك” وجميع شركاتها العاملة في قطاع النفط والغاز على لعب دور أساسي وفاعل في توظيف غاز ثاني أوكسيد الكربون لتعزيز إنتاجية حقول النفط. ومن شأن هذا المشروع الواعد ذي الحجم الاستثنائي أن يكون نموذجاً أولياً لمعايير التطبيق التجاري لهذه التقنية، ويساهم في إحراز مزيد من التقدم التكنولوجي على المستوى العالمي. وكأحد أوائل اللاعبين الذين يخوضون تجربة العمل في هذا المجال الحيوي المهم، ستكون أبوظبي و”أدنوك” و”مصدر” من القياديين الراسخين في هذا القطاع. وبما أن توليد الطاقة يعد أكبر مصادر انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإن التقاط الكربون سيكون له أثر جوهري في التخفيف من حدة تأثيرات التغير المناخي. وعلى كل حال فلا تزال الحاجة كبيرة وفعلية لمزيد من البحث والتطوير في مجال هذه التقنية، خصوصاً فيما يتعلق بتطوير آلية التقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون وفصله بعد عملية إحراقه لتمكينها من أن تصبح عملية أكثر استدامة وذات جدوى اقتصادية أكبر من الناحية التطبيقية. إضافة إلى ذلك، ستحتاج تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” وضع مجموعة من السياسات والحوافز المحركة وأطر العمل التنظيمية على المستويين المحلي والدولي. ومن المهم أن يتم دمج هذه التقنية مع الموارد المالية والتطبيقات التجارية للانبعاثات الكربونية على المستوى الدولي كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي. وفي شهر ديسمبر 2009 المقبل، سيجتمع شمل العالم لمناقشة اتفاقية المناخ العالمية الجديدة من خلال مؤتمر كوبنهاجن 15. ويعتبر إدراج موضوع دور تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” كإحدى التقنيات الصالحة وذات الكفاءة بالنسبة لإيجاد الحوافز المادية في هذا المجال، ضمن خطة السياسة العالمية الجديدة أحد أهم المواضيع المدرجة على أجندة المؤتمر. فمسألة عناية الحكومات بإدراج هذه التقنية تحت مظلة آلية التنمية النظيفة (CDM) المنبثقة عن بروتوكول كيوتو والاعتماد عليها كمحركٍ وحافزٍ مادي مهم كغيرها من التقنيات النظيفة ضمن السياق المطلوب، ذات شأن مهم ومغزى كبير بالنسبة لتطورها وزيادة انتشارها. خلال السنوات العشرين المقبلة، سيكون أمر ترسيخ تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” في المجال التجاري رهناً بالسياسات والأطر والأعمال التنظيمية المحلية والدولية. وخلال هذه الفترة، ستعمل “مصدر” مع شركائها وكافة الأطراف المعنية والمهتمة الأخرى لضمان إيجاد السياسات الحكومية والتنظيمية الصحيحة التي من شأنها إيجاد الجو المناسب لتطور ونمو هذه التقنية. إن الحد من مستويات غاز ثاني أوكسيد الكربون عالمياً يعتمد على مجموعة من التقنيات التي تنطوي على كفاءة الطاقة، وتعتمد على الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة بشكل عام بالإضافة إلى تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” بشكل خاص. وعلى كل حال، فإن التطور السريع لهذه التقنيات نحو معايير واقعية التطبيق، بحاجة فعلياً لسياسات وحوافز وأطر عمل تنظيمية. وكحل لإيجاد طاقة نظيفة من الوقود الأحفوري الذي سيبقى ولفترة ليست بالوجيزة أحد أهم مصادر الطاقة المعتمدة في عالمنا، فإن تقنية “التقاط وتوزيع وتخزين ثاني أوكسيد الكربون” تشكل الحل الوحيد القابل للتطبيق على طريق التقليل بفاعلية من غاز ثاني أوكسيد الكربون في غلافنا الجوي والوصول به إلى مستويات مقبولة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©