الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكرة "بتتكلم عربي"...

24 نوفمبر 2009 00:00
كاتب ومحلل سياسي كان لابد من هذه الموقعة المسماة خطأً رياضية لمعرفة ما في دواخل النفوس. أو الأصح للتأكد من أن الشكوك والاشتباهات صحيحة، بل لعلها فاقت كل تصور. ولذلك، فأي جدل، أي مقاربة للتفاصيل، أي محاولة لتحديد المسؤوليات، ستقع في العقم إياه، العقم الذي أقفل العقول وأدى عملياً إلى ما حدث. وما كان له أن يحدث لو لم يسع إليه الجميع، المتورطون والمتفرجون، المشجعون ومحرضو المشجعين وبالأخص من هم وراء هؤلاء. أما الآن فلم يعد مهماً من هو الأكثر مسالمة أو عدوانية، الأكثر تحضراً أو بربرية، الأكثر بلطجة أو احتراماً للقانون والحقوق. هذا منطق لن يعجب طرفي الحرب الدائرة، فالوقت في رأيهم ليس وقت الحياد، والساحة عندهم ليست مفتوحة إلا لمن يريد أن يساهم في المجهود الحربي ولو بشتيمة صغيرة للطرف الآخر. فالأسوأ أن أحداً لم يتجشم عناء تمييز سقف أو حدود للعيب - وهل نقول العيب الوطني، أم القومي - ليس في الرياضة وحدها، وإنما في كل "فنون" السياسة والأمن والبزنس والإعلام، التي باتت موضوعة كلها في خدمة الرياضة. لماذا؟ لأنها منجم النجوم والجماهيرية والشعبية، ولأنها البؤرة الوحيدة التي تتوحد فيها مشاعر النخبويين والغوغائيين بين أقدام اللاعبين. ليس جديداً أن الشعوب المسيّسة جداً، والممنوعة جداً من السياسة، اكتشفت في "الفوتبول" السياسة التي تبحث عنها، أو ظنت أنها هي المنشودة- بل ظنت أنها بالكرة تمرر السياسة التي منعت عليها فإذا بمحتكري الحكم والسياسة هم الذين يحركون أيضاً تلك الكرة ويديرون أنديتها وجحافل المشجعين والمحرضين والمشاغبين. وكما نجحوا وبرعوا في السياسة يعتقدون أنهم يتألقون في الرياضة. لقاء بعد لقاء، من الجزائر إلى القاهرة إلى الخرطوم، كان واضحاً أن الضوابط أمعنت في الاختلال، على كل المستويات، خصوصاً العليا، إذ لم يكن مهماً أن يتبهدل الناس، بل المهم أن تتحقق مكاسب سياسية، ولم يكن مهماً أن تشهد الملاعب والشوارع والسفارات والشركات والفضائيات هذا الانهيار المعنوي والأخلاقي، بل المهم أن يكون هناك نصر يمكن أن يجيّر لهذا أو ذاك من الحكام. هذا لا يعني سوى شيء واحد، أن هناك ثقافة عامة تحتاج إلى مراجعة، لتعيد الرياضة إلى الرياضة، لتتوقف عن إفلات العقل للملاعب وجعلها متنفسات لاحتقانات سياسية واجتماعية واقتصادية يعجز أهل السياسة عن مداواتها والتعامل معها بالوسائل الصحيحة فيلجأون إلى الخدع الكروية. هذه الثقافة المتمثلة بتسييس كرة القدم أدركها العفن، فوقعت في أخطاء السياسة ومخاطرها، إلى حد إفساد لعبة رياضية وحتى إخضاعها لمنطق الحرب. فكل قول وكل فعل أو ردّ فعل، قبل اللعب واثناءه وبعده، أنتمى وينتمي إلى حالة حرب كانت كامنة تحت ستار من اللطافة الكاذبة. كان لافتاً أن يتكرر السؤال: لماذا يكرهوننا؟ ولكن عمَّ بل عمن يتحدثون؟ المؤسف أنها شعوب تتحدث عن بعضها بعضاً لم يتنبّه أحد إلى مفاعيل مصطلحات التغطيات الإعلامية لمباريات الكرة، فهي حافلة بالسحق والمحق والفرم والخنق والذبح والتصفية والإبادة، أو إلى مصطلحات "معسكرات" التدريب والتعبئة، فهي تدخل في كل المحظورات كالدعوات إلى شلّ الآخر وإعدامه وأكله وشرب دمه... فهذا يقال في كل مكان، وبكل اللغات، لكن قوله بالعربية يقع في مسامع من لا يرتدعون عن قرن القول بالفعل. فإذا بالرياضة تؤاخي "البلطجة"، والبلطجة ترتد دائماً على مستخدميها
المصدر: لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©