تلاوة القرآن رحمة للمسلم

تتضمن فضائل القرآن الكريم على أهله أنه سبب في رحمتهم، وفي نزول ''السكينة'' عليهم، وإحاطة الملائكة بهم· يوضح الدكتور محمد عبد الغني شامة، الأستاذ بجامعة الأزهر هذا المعنى استنادا إلى الحديث النبوي الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه، و يتضمن قول رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ''·· مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ''· ويقول الدكتور شامة: ''الرحمة'' هي المغفرة، ويقال: رَحِمَه، أي رقَّ له، وأشفق عليه، وتعطّف وغفر له· يقول تعالى: ''وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة''· أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف، والتعطف عليه· وقد وردت كلمة ''رحمة'' في القرآن الكريم 79 مرة توزعت في سوره، ابتداء من قوله تعالى في سورة البقرة: ''أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ'' حتى قوله تعالى في سورة الحديد: ''وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً''· يضيف الدكتور شامة أن تلك الآيات في مجموعها تدور معانيها حول رحمة الله بعباده، وذلك بإنزال النعم عليهم في الدنيا والآخرة، وفى مقدمتها بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم- لهم بالهدى والرحمة· يقول عز وجلّ مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلّم: ''وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ''·وقال تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم أيضا: ''فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ''· والمعنى: كان رحمة من الله بك وبهم أن لِنْتَ لهم ولم تغلظ في القول بسبب خطئهم، ولو كنت جافي المعاملة قاسي القلب، لتفرقوا من حولك، فتجاوز عن خطئهم، واطلب المغفرة لهم، واستشرهم في الأمر متعرفًا آراءهم مما لم ينزل عليك فيه وحي، فإذا عقدت عزمك على أمر بعد المشاورة فامض فيه متوكلاً على الله، لأن الله يحب من يفوض أموره إليه· ويشير الدكتور شامة إلى أنه من الآيات التي تتحدث عن الرحمة أيضا قوله تعالى: ''قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ''· ويؤكد أن ''الرحمة'' تأتي بمعنى اللطف والإحسان، أي التخلص من كل آفة أو نزعة تدفع الإنسان إلى الشر، مع إيصال الخير إلى الناس، فمساعدة الضعيف رحمة، ومدّ يد العون للمحتاج رحمة، وتخفيف آلام الناس رحمة، وعدم القسوة على من تحت يد المرء رحمة، ومعاملة الأرحام - وخاصة الوالدين- بالحسنى رحمة· · يقول تعالى في سورة الأنعام: ''فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ''· ويقول تعالى أيضا: ''وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا''· ولبيان أن الرحمة لأصحاب الفضل واجبة، يقول تعالى: ''وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا''· فرحمة الله قريب من المحسنين وهى لعباده المطيعين لأوامره، سواء كانت أمرا أو نهيا· وقد أوضح القرآن الكريم أن الرحمة هي أساس العلاقة بين الزوجين، يقول الله تعالى: ''وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ''· ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة