السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
21 ابريل 2011 20:30
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (سورة فصلت الآيتان (34 - 35). ومن المعلوم أن الحلم والعفو والصفح من الصفات الكريمة والخصال الحميدة التي يجب على المسلم أن يتحلى بها، فقد كان - صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة في ذلك، فالحلم من الصفات الكريمة التي لا يقدر عليها إلا أصحاب الهمم العالية، والنفوس الشامخة، والشمائل الفاضلة، وعند دراستنا لتفسير الآيات السابقة نجد في (قوله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} أي فرق عظيم بين هذه وهذه (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه كما قال عمر - رضي الله عنه-: ما عاقبت من عصى الله فيك، بمثل أن تُطيع الله فيه. وقوله عز وجل:{فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وهو الصديق إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه، إلى مصافاتك ومحبتك والحنوّ عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم، أي قريب إليك، من الشفقة عليك والإحسان إليك، ثم قال عز وجل: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَ الَّذِينَ صَبَرُوا} أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك فإنه يشق على النفوس {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} أي ذو نصيب وافرٍ من السعادة في الدنيا والآخرة، قال على بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم) (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/1292). إن سيرة المصطفى- صلى الله عليه وسلم- مليئة بالمواقف الخالدة التي كان يقابل فيها السيئة بالحسنة، والإساءة بالعفو، والاعتداء بالصفح، وقد كان لهذه المواقف أثرها في تأليف القلوب، ودخول الناس في دين الله أفواجا. *وهذا ما حدث مع ثمامة بن أُثال - ملك اليمامة وسيد من سادات بني حنيفة المرموقين كما يروى سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: (بعث النبي- صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أُثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خيرٌ، يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تُنْعِم تنعمِ على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فَتُرِكَ حتى كان الغد ثم قال له: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك، إن تُنْعِم تنعمِ على شاكر، فتركه حتى كان بعد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إلى من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلىّ، والله ما كان من دِين أبغضَ إلىَّ من دينك، فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلىّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت؟ قال: لا ولكن أسلمت مع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي- صلى الله عليه وسلم-) (أخرجه البخاري). (ولما انصرف إلى بلده، ومنع الحمل إلى مكة، فجهدت قريش، فكتبوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسألونه بأرحامهم، إلا كتب إلى ثمامة يخلى لهم حمل الطعام، ففعل ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-) (أسد الغابة في معرفة الصحابة 1/348). فانظر كيف كان العفو مغيرًا للقلوب، ومبدلاً للأحوال، وشارحاً للصدور، كما أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم ينتهزها فرصة ليذكر قريشا بصحيفة المقاطعة، وما ارتكبته في حقه- عليه الصلاة والسلام-، وحق من اتبعه وآمن به، ولتشرب من نفس الكأس الذي سقته إياه. * لقد قابل- صلى الله عليه وسلم- إساءة قومه دائمًا بالإحسان إليهم، وقابل شرّهم بالدعاء لهم بالخير، كما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت للنبي- صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أُحد؟ قال: «لقد لقيتُ من قومك، وكان أشدُّ ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذ عَرَضْتُ نفسي على ابن عَبْدِ يَاليل بن عَبْدِ كُلال، فلم يُجبني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرتُ فإذا منها جبريل- عليه السلام- فناداني فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بَعَثَ إليك مَلَكُ الجبال لتأمره بما شِئْتَ فيهم، فناداني ملكُ الجبال، فسلّم علَيّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قولَ قومك لك، وأنا مَلَكُ الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، فما شئتَ: إن شئتَ أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يُخرجَ اللهُ من أصلابهم من يَعبدُ الله وحده لا يُشرك به شيئاً») (متفق عليه). وعندما كان الدعاء صادقاً كانت الاستجابة الإلهية، فخرج من صلب أبي جهل عدو الله اللدود الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد- سيف الله المسلول. فعلينا أيها الإخوة، إذا رأينا رجلاً مخطئاً، مقصِّراً، ألا نسبه وألا نلعنه، بل علينا أن ندعو الله له بالهداية، وأن يشرح الله صدره، وألا نكون عوناً للشيطان عليه. *ورسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كان مثالاً وقدوة في التحلي بتلك الصفة الحسنة، وله مواقف كثيرة ومتعددة تدل على حلمه ... (حدث ذات يوم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يمشي وعليه بُرْد من صنع نجران اليمن، خشن الملمس، غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجذبه بردائه جذبة شديدة، وشده بعنف، فتأثر عنق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شدة جَذْبة هذا الثوب الخشن، وقال الأعرابي: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فماذا كان رد النبي- صلى الله عليه وسلم-؟ لم يغضب، ولم ينفعل، وقابل جفوة هذا الأعرابي وقسوته وفظاظته بالحلم والرفق، والتفت إليه وضحك وأمَرَ له بعطاء) (متفق عليه). *ومن أمثلة عفو النبي- صلى الله عليه وسلم - ما رواه جابر- رضي الله عنه- أنه غزا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ نجد، فلما قفل (رجع) رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قفل معه، فأدركتهم القائلةُ في وادٍ كثير العضاه (كل شجر عظيم الشوك)، فنزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وتفرق الناس في العضاه، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تحت سَمُرةٍ (شجرة)، فعلَّق بها سيفه، قال جابر: فَنِمْنا نومةً، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعونا، فجئناه، فإذا عنده أعرابيٌ جالس، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (إن هذا اخْتَرَطَ سيفي وأنا نائم، فاستيقظتُ وهو في يده صَلْتًا، فقال لي: مَنْ يمنعك منِّى؟ قلت: الله، فها هو جالسٌ» ثم لم يعاقبه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (أخرجه البخاري). هذا هو المجتمع الفاضل الذي ينشده الإسلام، مجتمع الحب والود، والفضل والإحسان، مجتمع متماسك البنيان، متوحد الصفوف والأهداف، لذلك يجب علينا أن نتمسك بتعاليم ديننا حتى يكتب الله لنا السعادة والتوفيق لما ورد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للأَشجِّ: (إن فيك لخصلتين يُحبهما الله ورسوله:الحلم والإناةُ) (أخرجه مسلم). الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©