الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكاميرا الخفيفة

الكاميرا الخفيفة
12 سبتمبر 2008 00:55
تتفق الآراء على أنّ فكرة الكاميرا الخفية التي يزدهر حضورها التلفزيوني في الموسم الرمضاني هي، كالعديد من الصرعات التلفزيونية، مستوردة من الغرب· لكنّها تتميزعن سائر الأعمال المستنسخة بابتعاد القيمين عليها عن قاعدة التبني الحرفي لصيغتها الأصلية، حيث يُظهر النموذج الغربي التزاماً قاطعاً من قبل صانعيه بضوابط سلوكية محددة تساعد على تفادي الإساءة للعنصر الطارئ على المشهد، وهو عابر السبيل الذي يستهدفه الكمين المرئي، وبوسع أي متابعة متأنية أن تكشف عن جهد حقيقي يبذله مصممو تلك الخدع من الغربيين ليتمكنوا من إنجاز لعبتهم المسلية وفق توازن متقن، حيث لا يموت ذئب الفكاهة ولا يفنى غنم الغفلة البريئة· باختصار يستلهم الإنجاز الخفي غرباً مقولة: ''لنمرح مع··'' و''ليس لنسخر من··'' أو ''لنضحك على··''· أما المقلّدون فقد اختاروا لأنفسهم شعاراً مغايراً، مفاده أنّ كلّ من يضعه حظه العاثر في مرمى الكاميرا المفخخة يصير مستوفياً لشروط الفريسة التي يُشرّع التهامها إذلالاً وتنكيلاً· والموقف يعكس تداعيات كثيرة في مقدمّها استخفاف مفرط بالفرد، الذي يسهل تحويله إلى ضحية، واستسهال حتى المبالغة بالمنتج التلفزيوني الذي يكفيه وجود الكاميرا حتى يكتسب مشروعية ولو وهمية· هذه الرؤية المتهالكة إلى حد الإخلال بشروط اللعبة ومبرراتها تجعل الخدعة التلفزيونية أقرب إلى فقرة ''التوك شو'' المفتوحة زمنياً بغير ضوابط، والمتاح عبرها استخدام كل الوسائل الكفيلة باستفزاز الشخص المستهدف، ما دام في الختام سيلوح بيديه لآلة التصوير فرحاً، قانعاً من الغنيمة بانضمامه إلى لائحة المرئيين· هي أقرب إلى عملية ابتزاز مكشوفة لكنّها تصير أسوأ عندما تتحول إلى صفقة تواطؤ مضاعف تستهدف المشاهد الذي يتعرّض لعملية تهميش تحاذي الإلغاء، إذ ليس سرّاً أنّ الكثير من تلك الإبداعات الخفية يجري تلفيقها اتفاقاً بين طرفيها الرئيسيين ليكون الجمهور هو الضحية الأساس، ويكفي تأكيداً لهذا الزعم أن نسأل كيف أمكن لأهل الكاميرا الخفية أن يتحولوا نجوماً فائقي البريق، ويظلوا مع ذلك محتفظين بقدرتهم الباهرة على ''الاختفاء''· كلّ ذلك لا يمنع بعض الناس من الضحك على بعض المقالب المصورة، لكنّ شرّ البلية ما يُضحك، والكاميرا إن لم تكن خفية حقا تصير خفيفة ومستخفة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©