الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نساء في الحرب».. مسرح عراقي يفرض ثقافة الموت على رصيف الحياة

«نساء في الحرب».. مسرح عراقي يفرض ثقافة الموت على رصيف الحياة
21 ابريل 2011 20:35
أسماء وهبة (بيروت) - ماذا تفعل المرأة أثناء الحرب؟ كيف تواجه مأساة القصف العشوائي والخوف من المجهول؟ كيف يستطيع ذلك الكائن الضعيف أن يتحمل النزوح والموت المجاني الذي يتربص بالجميع؟ هل تدفع فاتورة الحرب لأنها أنثى؟ كيف تعيش تجربة النزوح واللهث في الطرقات هربا من استراتيجية عسكرية تفرض نفسها بقوة السلاح؟ بين الهجرة والنزوح والسجن وهتك العرض والاغتصاب ووجع فقد الأحبة تعيش المرأة تجربة الحرب بكل ما تحمله من تهديد لكيانها الذاتي والإنساني. هي التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة أن تجد فسحة جديدة تبدأ من خلالها مرحلة أخرى في حياتها بعيدا عن القذائف والرصاص. ولكن بشق الأنفس تنجح في ذلك! ولعل المثل الأكبر في عكس هذه المشهدية الحرب العراقية الأولى مع إيران ثم احتلال العراق للكويت مرورا بحصار ذلك الوقت وصولاً إلى احتلاله، لتعيش المرأة العراقية تجربة مرعبة بكل ويلاتها، والتي دفعت الكثير من العراقيين إلى تحويل أنفسهم إلى لاجئين باحثين عن ملاذ آمن في الغرب، الشيء الذي دفع الأدب العراقي إلى التوقف عن هذه الحالة الإنسانية ومحاولة تحليلها ونقدها وسبر أغوارها لتبيان الوجع العراقي. وهذا ما حاول أن يفعله المخرج جواد الأسدي في مسرحيته “نساء في الحرب”، التي تعرض في بيروت حاليا، والتي رصدت مشهد اللجوء العراقي ولكن بمنظار نسائي بحت على أساس أن النساء أبرز ضحايا الحرب! المرأة اللاجئة ويمكن القول إن فكرة المسرحية ولدت من تراكم الإحساس بالفظائع والفضائح والجحيم الذي يتعرض الإنسان العراقي عبر بحثه عن مجهول مصيره، بحرمانه نعمة البقاء في بلاده، ودفعه للبحث عن مكان آمن بعد ما ارتكب في حقه من جرائم القتل والتهجير والسجن. من هنا أصبح متنقلا بين المطارات والبواخر المهربة، والحدود الملغومة، وتزوير الجوازات، وهاربا من حدود الموت مع مهربين يتاجرون بأكثر من ثلاثة ملايين عراقي يتمزقون بين الأرصفة والشوارع والبيوت والأمكنة الملفقة. وفي مسرحية “نساء في الحرب” أراد الأسد تسليط الضوء على خصوصية تجربة المرأة اللاجئة والهاربة من التهديد، من خلال قصة ثلاث نساء يتقاسمن غرفة في ألمانيا، تفتقر إلى مقومات الحياة الآدمية، في انتظار الموافقة على منحهن حق اللجوء بعد تحقيقات مضنية. ومن خلال أحداث المسرحية يتكشف القلق والاضطراب الذي يعيشه اللاجىء يوميا، بدءا بالخوف من التوقيف الاحترازي والتحقيق القاسي. فمثلا تقول “أمينة” الممثلة العراقية في أحد مشاهد المسرحية: “كلما يقترب موعد التحقيق، يرتجف جسدي كله، وأحس بأني معطلة ولا قدرة لي على ترتيب أفكاري وفق تسلسل منطقي يجعل المحققين يصدقون كلامي” . والى جانب “أمينة” نجد “ريحانة” المرعوبة من الذبح في بلادها، و”مريم” المنكفئة على ذاتها واتخذت من التدين وسيلة للهروب من معضلاتها النفسية والخائفة من غدر حبيبها اللاجىء البوسني وتداعي ورم ثديها! حالة غضب وقمع وهنا تقول الممثلة السورية ندى الحمصي التي تلعب دور “مريم”: “تسلط المسرحية الضوء على معاناة ثلاث نساء من قمع داخلي يتمثل في الديكتاتورية السياسية والاجتماعية التي تمارس ضدهن في بلدهن العراق، ومن قمع خارجي ناتج عن الحرب التي تمارس ضد الشعوب. وبالطبع تعاني المرأة التهديد في الحرب أكثر من أي كائن آخر، لأنها أول من يمارس عليها العنف بكل أشكاله السافرة والخفية، التي تبدأ بالتقاليد الاجتماعية البالية وتنتهي بنقاشات حول الأديان والثقافة والتاريخ التي يحكمها جميعا الرجل! وفي بلادنا نعيش حالة واضحة من الغضب والقمع والكره واللاعدالة التي تنعكس سلبا على واقع المرأة تحديدا”. أسيرات ذكرى وفي المسرحية يكشف الأسدي عن أجواء القلق والانتظار والتوجس بلمسات سينوغرافية رائعة مثل الإضاءة الخافتة، والمؤثرات الموسيقية الهادئة والصاخبة في الوقت ذاته. كما يمنح النساء الثلاث حرية البوح عن عالمهن الأنثوي المغلق، على الرغم من بقائهن أسيرات ذكرى بلدهن العراق ووقائع الحرب فيه! فمثلا ترثي “أمينة” الوطن قائلة: “تتحول الأرصفة الى أمكنة مرفوعة على تواريخ ويوميات ومسرات. الأرصفة أوطان متباعدة، مدن محتشدة، بيوت ملتوية، بشر ضالون يحملون أوجاعهم وأناشيدهم”. أما “ريحانة” فترسم الملجأ قائلة: “نحن هنا في هذا المخفر المروع اصبحنا أرقاما ورفوفا وسريرا وممسحة، وبقايا سجائر مطفأة، وبالوعة مغلقة، وسقفا مثقوبا ومحققين حديديين”. على هذه القاعدة تقول الممثلة اللبنانية ريتا دكاش التي تجسد شخصية “ريحانة”: “تتحور شخصية المرأة في الحرب ومن ثم عندما تختبر اللجوء والخوف من فقدانها المكان ليكون التيه هو المصير الوحيد. وهذا أبشع أنواع العنف الذي يمكن أن يواجهه الإنسان على الإطلاق. ومن هنا تكون ثقافة الموت هي الواقع الذي يفرض نفسه على جميع اللاجئين”. على هذا الأساس يمكن القول إن النساء الثلاث في المسرحية أسيرات التناقض والتردد، حالهن في ذلك حال اللاجىء بشكل عام. فثمة لحظة الضعف أمام اختبارات الغربة. وحينها تبدو البلاد برغم جلاديها، رحيمة وآمنة! وفي النهاية تموت “مريم” بعد إجراء عملية استئصال ثديها المتورم. ويرفض طلب “أمينة” و”ريحانة” في اللجوء في رسالة من الأسدي أن “الإنسان الذي يغادر بيته إلى بيت آخر، يظل في حالة من الارتباك والظلم ، لأنه تواق أبدا إلى مكانه الأول ورائحة أشيائه المؤنسة “.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©