الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سجن الوثبة مدينة تأهيل متكاملة خلف القضبان

سجن الوثبة مدينة تأهيل متكاملة خلف القضبان
12 سبتمبر 2008 02:05
''مدينة متكاملة خلف القضبان''، بهذه الخلاصة يخرج الزائر لسجن الوثبة الكائن على بعد 40 كيلو متراً شرق مدينة أبوظبي· فالسجن الذي يطبق شعار ''السجن إصلاح وتغيير'' يضم بين جنباته معظم ما يحتاجه النزيل لإصلاح ذاته، كما يؤكد مسؤولون ونزلاء· السجن مترامي الأطراف افتتح رسمياً عام ،1982 ويضم حوالي 2400 نزيل و200 نزيلة، بين موقوفين ومحكومين· ويرتفع هذا العدد في فصل الصيف، بسبب ''الفراغ بين الشبان الذي يولّد المشاكل''، بحسب مختصين· ورغم توفير كل احتياجات النزلاء من مأكل وعمل وأنشطة ترفيهية وتعليمية، إلا أن نزلاء سجن الوثبة ينتظرون بفارغ الصبر تدشين مهاجعهم الجديدة، لحل مشكلة الاكتظاظ التي يعانيها السجن· وتحرص إدارة سجن الوثبة على تهيئة النزيل للعودة كفرد صالح إلى المجتمع، بحسب الملازم أول عبد الجليل إسماعيل، مدير فرع التأهيل بأقسام السجن، الذي يؤكد أن كل المشكلات الموجودة حالياً سيتم حلها في السجن الجديد الذي يتم بناؤه إلى جانب السجن الحالي· وسيخصص السجن الجديد للمحكومين، بطاقة استيعابية تبلغ 5000 نزيل و500 نزيلة· كما ستفيد مساحته الكبيرة في منح النزلاء مساحة أكبر لممارسة الأنشطة المهنية والرياضية، إضافة إلى أنه سيضم مصانع وورش عمل متخصصة ومتقدمة تقنياً، مما سيمكن عدداً أكبر من النزلاء من المساهمة في الإنتاج، وفق إسماعيل· أما الموقوفون، فسينقلون إلى مبنى يجري إنشاؤه حالياً قرب دائرة القضاء، حيث سينتهي العمل به خلال سنتين· ويشير عبد الجليل إسماعيل أن المبنى الجديد لسجن الوثبة ذو مواصفات عالمية، خصوصاً فيما يتعلق بالنظام الأمني· فالبوابات إلكترونية، وسيتم التحكم بها مركزياً· ويشكل نزلاء المنشأة العقابية خليطاً من جميع الجنسيات الموجودة في الإمارات، ولا تتعدى نسبة المواطنين بينهم الـ12%· ويتوزع النزلاء على عنابر مقسمة إلى عدد من الغرف، بحسب السن والجريمة التي ارتكبها السجين، وبما يتماشى مع القوانين المرعية· ويعمل النزلاء لكسب رزقهم، ويكتسبون مهارات تساعدهم على العمل عند خروجهم من السجن· كما يمارسون الرياضة، وتؤمن إدارة السجن لهم ما يحتاجونه لإبراز مواهبهم وإبداعاتهم· وتقدم للنزلاء تسهيلات عدة مثل إمكانية إجراء اتصالين هاتفيين في الشهر، مدة كل واحد منهما 10 دقائق· وتعد الإدارة حالياً غرفة خاصة بالتواصل الإلكتروني، تمكّن النزيل عند انتهائها من إرسال الرسائل الإلكترونية واستقبالها· ويبدأ يوم النزيل بالاستيقاظ فجراً، وتناول الإفطار ثم التوجه إلى العمل، الذي ينتهي الدوام فيه الساعة 2 ظهراً، يتناول بعدها النزيل الغداء، ويستطيع ممارسة ما يريد من الأنشطة الرياضية والتعليمية، حتى الساعة العاشرة مساء، وقت الخلود إلى النوم· وفي هذا الإطار، يشير الملازم أول عبد الجليل إسماعيل أن فرع التأهيل نظّم دورات في محو الأمية، ومكافحة الحرائق في السجون، والعلوم الشرعية، وأساليب البيع والتسويق، وأساسيات التعامل في البورصة، إضافة إلى دورات في اللغة الإنجليزية للعرب، وفي اللغة العربية للأجانب· ولفت إلى أن الفرع الذي يترأسه يستخدم أسلوب الحوافز في التعامل مع النزلاء بدلاً من أسلوب العقاب، حيث يستخدم الاتصالات الهاتفية كأحد أبرز المكافآت، إضافة إلى الزيارة الخاصة، والسماح للأصدقاء بالزيارة والأولوية في الحصول على بعض الامتيازات والجوائز العينية· ويعلو الغبار ساحة الإعدام وسط السجن، فهي مقفلة ومسيجة منذ عدة سنوات، بسبب صدور الأحكام مع وقف التنفيذ، وإلى جانبها تدور آلات معمل الطابوق، الذي يعد فرعاً من فروع التأهيل في السجن، من الصباح الباكر إلى ما قبل الظهر، ليقدم إنتاجه مجاناً إلى كل أقسام الشرطة في أبوظبي· وفي القاعات الداخلية، يعمل النزلاء في ورشهم وسط أجواء مكيفة، تستثنى منها القاعات المخصصة لبرنامج التأهيل لسوق العمل التي تخلو من النزلاء في فصل الصيف، بسبب العطلة المدرسية· وتلبي هذه القاعات المجهزة بمقاعد دراسية وحواسيب وتقنيات حديثة، متطلبات البرنامج المخصص للمواطنين، بحيث يؤهلهم بعد انتهاء محكوميتهم للدخول مباشرة إلى سوق العمل، عبر إكسابهم المهارات العلمية واللغة الإنجليزية والرياضيات· وينال النزيل بعد عامين من الدراسة شهادة دبلوم (إنجاز) معتمدة من وزارة التعليم العالي، وتعمل الكلية على السعي الى توظيف خريجيها بموجب هذه الشهادة في القطاعين العام والخاص· يقول النزيل (ع· س) الذي يدرس إدارة الإعمال ضمن البرنامج إن أهدافه تغيرت في الحياة بعد دخوله إلى السجن وحصوله على التعليم· ويضيف (ع·س) وهو محكوم بالحبس لمدة ثماني سنوات بتهمة الاختطاف ''أنا اليوم لا أفكر إلا في تأمين مستقبل عائلتي عندما أخرج، لكنني بحاجة إلى رعاية المجتمع''· وتؤمن إدارة السجن أعمالاً مختلفة للنزلاء، حيث ينخرط كثير منهم في أعمال الميكانيك والنجارة والخياطة، كما أن خبرة بعضهم في السجون أهلتهم لأن يصبحوا مستشارين قانونيين، يكتبون المرافعات لزملائهم ممن ليس باستطاعتهم توكيل محام للدفاع عنهم، بحسب العميد يوسف عبد الكريم مدير الإدارة في المنشآت الإصلاحية والعقابية في سجن الوثبة، الذي يستذكر أن أحد النزلاء العرب عمل بعد خروجه من السجن في الاستشارات القانونية· ويثير تصميم مكاتب الضباط في السجن إعجاب من يشاهده لدقته وإتقانه، وقبل أن يسأل عن هوية مصممها، يفاجئه العميد كريم بأن النزلاء أنفسهم هم المسؤولون عن الصيانة والإصلاحات والورش التي تحصل داخل السجن· ولا تفرض إدارة السجن العمل على نزلائها، فالعمل ليس إجبارياً، كما أنه ليس تطوعياً، بل يتقاضى عليه النزيل أجرة يومية تتراوح بين ثلاثة دراهم للمبتدئ، وثمانية دراهم للمعلم· واهتمت إدارة السجن بتأمين مرافق ترفيه للنزلاء· فأقامت لهم قاعات رياضية، كما أنها تنظم سنوياً دورات في كرة القدم والشطرنج والبيبي فوت وغيرها· ولا تفرض إدارة السجن قيوداً على حركة الإعلاميين أو اختلاطهم بالنزلاء، رغم وجود كاميرات للمراقبة في كل ممرات السجن وأقسامه باستثناء العنابر· وتكفل إدارة السجن حرية التعبير عن الرأي، عبر مجموعة من المطبوعات والمجلات يعدها السجناء كتابة وتنفيذاً، مثل مجلة ''الحائط'' الشهرية التي يؤكد إسماعيل أن الإدارة لا تتدخل في مضمونها، تعدها أسرة تحرير من النزلاء تتغير كل ثلاثة أشهر، لتشجيع التنافس بين النزلاء لتقديم الأفضل، بحسب إسماعيل· أما مجلة ''حريتي''، فهي مجلة فصلية توزع داخل السجن وداخله، تصدر عن إدارة المنشآت الإصلاحية والعقابية في أبوظبي، وهي تفسح المجال أمام النزلاء لممارسة هوايتهم بالكتابة وتعريف ''الأحرار'' على ما يجري داخل السجن· إخراج المجلة يتم على أيدي النزلاء· يقول أحدهم، وهو لبناني الجنسية حكم بالحبس لمدة 10 سنوات بتهمة تعاطي الهيرويين، إنه باشر العمل في قسم الإخراج قبل سنتين، بعد أن أعلن فرع التأهيل عن برنامج النقاط والحوافز· ويشتكي النزيل اللبناني من ''معاملة سيئة'' داخل العنابر· يقول ''منذ ثلاثة أيام وأنا أنام دون وسادة''، مضيفاً أنه يأتي إلى العمل في الساعة السابعة صباحاً رغم أن دوامه يبدأ في الثامنة، ''لأنني لا أطيق البقاء في الغرفة، بينما المعاملة في قسم التأهيل حسنة''· ويكشف النزيل عن انتشار بعض الظواهر الخاطئة في العنابر، مثل وجود هواتف نقالة مع بعض النزلاء· ويوضح أن الإدارة سبق أن كشفت حالات عديدة، وحاسبت فاعليها، ''لكنها لم تحاول حل المشكلة من أساسها، وهي طريقة إدخال هذه الأشياء''· ولا ينكر الملازم أول عبد الجليل إسماعيل ما يدعيه النزيل، بل يقاطعه ليثني عليه، لأنه نال العديد من النقاط ضمن برنامج النقاط والحوافز، قائلاً إنه رفع توصية منذ شهرين تفيد بحسن سلوك النزيل، لينال عفواً· ويتفق نزيل آخر يعمل رئيساً للجنة الكتابة في مجلة ''هماليل'' في السجن، مع زميله اللبناني في أن المعاملة داخل العنابر ''غير مقبولة أحياناً''، لكنه يثني على تعدد المجالات المتاحة للنزيل داخل السجن، ويختم قائلاً ''لا ينقصني شيء في السجن سوى الحرية''· ولا تنسحب الحرية على استمزاج النزلاء في اختيار ملابسهم· فالنزلاء لهم زي كحلي موحد، مع اختلاف في لون الياقة بين نزيل وآخر، للدلالة على مدة حكمه· فالأصفر يعني أن مدة الحكم ما بين 3 و7 سنوات، والأحمر من سبع سنوات إلى مؤبد، والأبيض أن مدة سجنه لا تتعدى الثلاث سنوات، أما الأزرق فللموقوفين· ويخيط هذا الزي عشرات النزلاء في مشغل داخل السجن، يضم في أحد زواياه مرسماً بدائياً يوفر للرسامين الوحيدين في السجن فرصة متابعة هوايتهما عبر رسم صور من خيالهما أو بناء على طلبات خارجية· وإلى جانب المشغل، توجد ورشة النجارة التي تصنع بها أيضاً تحف وصناديق وتماثيل وسفن على أيدي النزلاء· وتعرض هذه المنتوجات جميعها في معارض تقام في الإمارة، كما أن هناك جناحاً دائماً لهذه المنتوجات في القرية العالمية في دبي· وتوفر إدارة السجن الغذاء والدواء للنزلاء، حيث يقدم المطعم داخل السجن الوجبات الثلاث، ويقدم المطعم وجبات خاصة لمرضى السكري وغيرهم من المصابين بأمراض معينة تستوجب اتباعهم حمية معينة· إلا أن أحد السجناء شكا من عدم تنوع الطعام المقدم داخل السجن، ما سبب كثيراً من المشاكل المعوية، مطالباً بالسماح بجلب طعام من خارج السجن· وتتم متابعة الحالات المرضية داخل عيادة السجن، التي تتابع الحالة الصحية للنزيل منذ دخوله، إضافة إلى وجود عيادات متخصصة في كل أنواع الطب والطوارئ والأشعة والمختبر والصيدلية· كما يوجد عنبر صمم لاستيعاب 13 نزيلاً ممن لا تسمح حالتهم الصحية بالعودة إلى الغرف· ويخضع كل نزيل أو نزيلة لدى دخوله إلى السجن للكشف الطبي، وفي حالة النزيلة الحامل، فإن حالتها تتابع في العيادة، بحسب الملازم بدرية الشامسي التي توضح أنه عند موعد الولادة فإن النزيلة تنقل إلى المستشفى حيث تلد وتمكث عدة أيام إلى أن تستقر حالتها، ثم تنقل بعدها إلى سجن الأحداث، وتبقى مع طفلها إلى حيث الانتهاء من إعداد أوراقه الثبوتية وإجراء الفحص اللازم له، بعدها تعاد الوالدة إلى السجن بينما يرســــل المولـــود إلى دار زايد على أن يلتقي والدته يومين في الأسبوع لإرضاعه· ويقع سجن النساء على مقربة من سجن الرجال، لكنه أصغر مساحة، حيث أنه يضم مائتي نزيلة· ويحق للأقرباء من الدرجة الأولى زيارة النزيلات مرة واحدة في الأسبوع، أما زيارات الأصدقاء أو زيادة عـــدد الزيـــارات العائليـــة، فإنها تحتاج إلى إذن من النيابة العامة· أما الآسيويات والأجنبيات، فيجب عليهن رفع طلب إلى إدارة السجن باسم من يريد أن يزورهن ويتم الموافقة عليه· وتتوسط المبنى الدائري لسجن النساء باحة كبيرة نصبت فيها شبكة تمكن النزيلات من ممارسة رياضة الكرة الطائرة· وإلى جانب الملعب حيث غرفة الأشغال اليدوية ترى إبداعات الأيدي الحبيسة تترجم أشكالاً وألواناً وموديلات من ''الكروشيه'' والعطور والبخور والملابس والمفارش والسراير والطاولات والمزهريات وبطاقات المعايدة وصناديق العطور والشموع والفخار الملون و''رابطات'' الشعر، ولا تبقى هذه الأعمال سجينة ''الوثبة''، بل تنضم لأشغال الرجال، وترى النور في المعارض في أبوظبي وغيرها· وتراقب المشرفة على المشغل بخيتة المنهالي عمل النزيلات من وراء مكتبها وترد على استفساراتهن· تقول المنهالي إن معظم النزيلات ''لم يكنّ يعرفن شيئاً عن الأشغال اليدوية''· تروي النزيلة (ن) البالغ عمرها 22 عاماً أنها تعلمت الأشغال اليدوية في السجن، إضافة إلى كيفية التصرف في الحياة والتعاطي مع الناس، وتقول ''تعلمت الكروشيه والعطور، وعندما أخرج سأكسب رزقي من هذا العمل''· وتضيف ''أستفيد كذلك من المحاضرات الدينية والثقافية، وأتسلى بممارسة الرياضة أو بقراءة الكتب في المكتبة (···) المعاملة جيدة هنا، لكن الطعام ينقصه التنوع''· كما توفر مكتبة السجن كتباً بكل اللغات تتناول مواضيع مختلفة، ويعمل على ترتيب هذه الكتب طائفة من النزلاء، يستقبلون مرتادي المكتبة، ويدونون الكتب المستعارة ويعملون على صيانة الكتب وتجليدها والمحافظة عليها، كذلك توفر إدارة السجن شاشة كبيرة لعرض برامج وثائقية وأفلام· وتخضع سقوف وجدران مكتبة النساء كل فترة لأعمال ترميم وطلاء بألوان زاهية، ''لإضفاء حالة نفسية جيدة للنزيلات''، بحسب إيمان مصطفى مسؤولة المكتبة· وتحمل رفوف المكتبة ''النسائية'' كتباً في كل العلوم والفنون، وبلغات متعددة لتناسب كل السجينات· و يتم أيضاً توزيع كتب وأدعية ومصاحف مجانية على النزيلات ، بحسب إيمان مصطفى التي أضافت أن الإدارة تعقد لهن دورات في اللغات ومحو الأمية، كما توفر لهن مساحة للرسم· ولا تسمح إدارة السجن بوجود تلفزيونات داخل الغرف، إلا أن السجن الجديد سيوفر أجهزة تلفاز في كل غرفة، على أن يجري التحكم في القنوات من قبل الإدارة·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©